icon
التغطية الحية

الغارديان: رحلة قوارب الموت بعين تركية قطعت البحر مع لاجئين سوريين

2021.11.08 | 11:04 دمشق

1726.jpg
لاجئ سوري في إحدى رحلات قوارب الموت
الغارديان - ترجمة وتحرير ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

أثناء وقوفها على أحد شواطئ تركيا استعداداً للانضمام لثلة من اللاجئين السوريين على متن قارب مطاطي سيتوجه إلى اليونان، كانت أكبر مخاوف المصورة الصحفية غوليز فورال تتمثل في عدم قبول مهربي البشر الذي ينظمون رحلات غير شرعية لقطع تلك المسافة البحرية بصعودها على متن ذلك القارب.

ولو علمت تلك الصحفية بأنها ستصبح رهن الاعتقال بتهمة الاتجار بالبشر، لكانت فكرت مرتين قبل انضمامها لتلك الرحلة.

في ذلك الصباح المشرق من شهر تشرين الأول، أخذ المهربون يروعون ويهينون اللاجئين الذين تجمعوا على الشاطئ، حيث تصف غوليز، 41 عاماً، المهربين فتقول: "كانوا أناساً خطيرين ووقحين".

بيد أنهم وافقوا على مرافقتها للمهاجرين، فانطلقت الرحلة في نهاية المطاف لتحمل 50 شخصاً تقريباً تجمعوا على متن مركب مخصص لـ 12 شخصاً، فبدت سترات النجاة التي ارتدوها أشبه بخليط من الألوان على خلفية السماء الصافية. وسرعان ما أصبحوا وسط المياه الزرقاء الداكنة في بحر إيجة، حيث غادروا خليج سيفريجي، وتوجهوا إلى جزيرة ليسبوس اليونانية.

 

 

أخذت الأسر تتمسك ببعضها بقوة، فيما قام البعض بتقبيل وفرك حبات المسابح، قبل أن يقوموا بقذفها من المركب.

قطع هؤلاء مسافة امتدت لتسعين دقيقة بصمت مطبق، باستثناء صوت الأدعية خلال الطريق.

أمضت غوليز الرحلة وهي ترتدي ثياب الغوص وتجلس عند مقدمة المركب دون أن تجرؤ على القيام بأي حركة مخافة التسبب بانقلاب القارب، لكنها شغلت نفسها بالتقاط صور للوجوه القلقة للمسافرين، حيث تقول: "لم أكفّ عن التقاط الصور، فقد أردت أن أوثق تجربتهم، إذ كانت تلك لحظة تاريخية".

اقرأ أيضاً: 

بعد اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، أمضت غوليز ثلاث سنوات في توثيق حياة اللاجئين الذين فروا من العنف والدمار، حيث كانت تلتقي بالعائلات التي تعيش في مساكن مؤقتة بإسطنبول، وتسافر إلى مدينة الريحانية القريبة من الحدود السورية لتلتقي بهم.

كان بعض اللاجئين الذين التقت بهم سعداء بالعيش في تركيا، إلا أن بعضهم كان يحلم بالسفر إلى أوروبا. ثم بدأت قصص مرعبة حول عبور البحر بين تركيا واليونان تظهر مع ازدياد عدد اللاجئين الذين خاطروا بحياتهم ليبدؤوا حياتهم من جديد في الغرب. وبالعموم وصل أكثر من مليون مهاجر ولاجئ إلى أوروبا في عام 2015، غالبيتهم العظمى قطعوا البحر من تركيا. بيد أن الصورة المأساوية للطفل السوري آلان الكردي ابن السنتين وقد دُفِنَ رأسُه في رمال أحد الشواطئ التركية عقب غرقه في إحدى تلك الرحلات تحولت إلى رمز لمحنة الأشخاص الذين تجرؤوا على التفكير بمستقبل أفضل.

اقرأ أيضاً: 

وبحسب إحصائيات المنظمة الدولية للهجرة فإن 3700 مهاجر على الأقل فارقوا الحياة أثناء محاولتهم عبور البحر المتوسط خلال عام 2015، بينهم أكثر من 800 شخص غرقوا في رحلات بين تركيا واليونان بحسب ما وثقته غوليز. وقد تم تسجيل أكثر من 22 ألف مهاجر في عداد المفقودين في البحر المتوسط منذ عام 2014.

كانت تلك أكبر أزمة هجرة في ذاكرة البشر، ولهذا شعرت غوليز بضرورة توثيق كل ذلك بطريقة ما، حيث تقول: "شاهدت الكثير من الصحفيين وهم ينقلون الأخبار من الشاطئ، لكني أردت أن أكون على متن القارب برفقة اللاجئين".

في تشرين الأول من عام 2015، سافرت غوليز إلى ساحل بحر إيجة، جنوب ولاية شنق قلعة، عند نقطة معروفة لانطلاق الرحلات غير الشرعية، وعن ذلك تقول: "زوجي صحفي وقد تفهم السبب الذي دفعني للمضي إلى هناك، غير أنني لم أخبر والدي ولا ابنتي بأي شيء عن الرحلة، إذ لم أكن أريد أن يقلقوا علي".

 

1850 (6).jpg

ثم إن الرحلة الخطيرة مكلفة أيضاً، إذ دفع المهاجرون الذين انضمت إليهم غوليز نحو ألفي يورو للشخص الواحد، ولابد لنا أن نتفهم قلقهم حيال الرحلة، بيد أن غوليز ترى في ذلك جسارة أيضاً، إذ كان عليهم أن يتخلوا عن ممتلكاتهم عندما أمرهم المهربون بإفساح المجال للجميع على متن المركب، كما أنهم ودّعوا عائلاتهم وتركوا كل شيء خلفهم ومضوا، وعن ذلك تقول غوليز: "لم يحملوا معهم شيئاً سوى المستقبل".

وبعد الوصول إلى اليونان، تم إرسال المهاجرين إلى مخيم للاجئين حتى يتقدموا بطلبات لجوء، إلا أن غوليز تعرضت للاعتقال على يد خفر السواحل اليوناني لأنهم شكوا بأنها تعمل في مجال تهريب البشر، وعن ذلك تخبرنا فتقول: "لأول مرة في حياتي توضع الأصفاد في يدي، ثم مثلت أمام القاضي الذي قال سأحاكم على جريمتين خطيرتين، إحداهما الاتجار بالبشر، والثانية دخول البلاد بطريقة غير شرعية، وهكذا علمت بأني سأسجن لمدة 25 عاماً".

اقرأ أيضاً: 

وهذا ما أصابها بصدمة وخوف شديدين، بيد أنها تقول: "حاولت ألا أندم على ما فعلت".

وبعد اتصالات مع السفارة التركية، ورسائل من الصحيفة التي تعمل لديها ومبلغ 3 آلاف يورو دفع ككفالة، أقرت السلطات على أنها صحفية وأطلقوا سراحها بعد سجنها لمدة خمسة أيام، بيد أنهم لم يعيدوا لها هاتفها الذي صادروه، ولهذا لم يعد بوسعها التواصل مع اللاجئين الذين أخذت أرقامهم.

 

 

ولكن بقيت الصور بحوزتها، حيث أطلقت على تلك المجموعة اسم: رحلة في قارب الموت، بيد أنَّ الإعلام التركي، الذي نشر صورتها على الصفحات الأولى عند اعتقالها، لم يبدِ أي اهتمام بقصة رحلة اللاجئين التي حملتها.

خلال الأسبوع القادم سيتم عرض مشروع غوليز لأول مرة في معرض بالمملكة المتحدة في كاتدرائية كوفنتري خلال الفترة الواقعة ما بين 10-12 من تشرين الثاني، وذلك ضمن فعاليات منتدى السلام العالمي السادس. وتعبر تلك الصور عن تصميمها كما تعبر عن اللاجئين الذين خاطروا بكل شيء في سبيل حياة أفضل. واليوم، أصبحت غوليز تفكر بالمهاجرين كثيراً وتسأل نفسها كم عدد الذين وصلوا إلى الوجهة التي حلموا بها، أي ألمانيا؟

2500.jpg

 

تحولت غوليز إلى مهاجرة هي أيضاً، فقد انتقلت في نيسان الماضي إلى المملكة المتحدة لتؤسس عملاً لها في مجال التصوير الضوئي، وهي تخطط لمواصلة تصوير الأشخاص الأقل حظاً الذين لا يستطيعون العودة إلى بلادهم كما تستطيع هي، حيث تقول: "أريد أن أستمر بالعمل مع اللاجئين في المملكة المتحدة".

 

 المصدر: غارديان