icon
التغطية الحية

"الغارديان" تسلط الضوء على السوريين في غازي عنتاب

2021.03.24 | 16:05 دمشق

5386.jpg
الغارديان - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

أول من يصل إلى البازار الإيراني بغازي عنتاب هم الخبازون، حيث يشعلون النار تحت الصاج قبل شروق الشمس ليقوموا بإعداد وتجهيز الخبز السوري لمن سيقصدهم من الزبائن. وهكذا تملأ رائحة السمسم والخبز الحي الموجود في تلك المدينة الأناضولية بالتزامن مع وصول أصحاب المحال إلى محالهم الموجودة في ذلك الشارع.

وعندما يفتح هذا المخبز أبوابه عند الساعة السابعة صباحاً، تأتي صاحبة مطعم قريب لتحمل معها أرغفة الخبز المستديرة الضخمة التي تؤكل مع الفطور السوري التقليدي، والذي يتألف من الزيت والزعتر، أو تقدم إلى جانب الفول والفلافل، والفتة والحمص، كما يأتي أصحاب المحال في ذلك الشارع ليأخذوا حصتهم من الخبز التي يتناولونها مع الشاي التركي أو النسكافيه أو القهوة العربية المكثفة، وهم يستعدون ليوم عمل جديد.

ومع استيقاظ أهل تلك المدينة، لابد وأن تسمع العربية في كل مكان حيث تختلط مع ضجة حركة المرور في مدينة غازي عنتاب التركية. وبالرغم من أن اسم البازار هو البازار الإيراني إلا أنه ليس بإيراني في شيء، بل إنه يمثل جوهر وقلب الجالية السورية في هذه المدينة.

التقينا بعلاء الدين شاشو، وهو رجل في الثانية والخمسين من عمره، ترك مؤخراً محل البقالة في ذلك الشارع ليطلق مشروعه في التكييف مثلما كان يعمل في مدينته الأم حلب، فقال لنا: "لقد تغير هذا الشارع من عدة نواحٍ، فقد انتشرنا في البازار الإيراني وفي الأحياء المجاورة بسبب رخص الإيجارات هنا، وهكذا أصبح معظم أصحاب المحال من السوريين اليوم، وتحول هذا المكان إلى تجمع كبير بالنسبة لنا". وحول ذلك تخبرنا لبنى حلي صاحبة مطعم لازورد الذي يبعد مسافة قريبة عن هذا الشارع فتقول: "إن هذا السوق يذكرنا بسوريا، وبالأخص أسواق حلب.. فعندما تذهب إلى هناك، تجد الجميع يتحدث بالعربية، ومعظم من يديرون المحال من حلب، كما أن المكان مليء بالسوريين، ولهذا نشعر به وكأنه بلدنا... إننا نأتي بلحم الدجاج والبقوليات والخضراوات والتوابل كلها من البازار الإيراني".

ومدينة غازي عنتاب هذه قريبة من حلب إذ تبعد عنها مسافة 97 كم، كما أنها أقرب إلى حلب من أي مدينة تركية أخرى، إذ يشترك هذان المركزان التجاريان القديمان بالعديد من الروابط والأواصر الثقافية والتاريخية، ولكن بالنسبة لمعظم الجالية السورية الموجودة هناك، أصبحت حلب اليوم تمثل كوكباً آخر.

إذ عندما فر السوريون من بلادهم هرباً من ويلات الحرب التي امتدت لعشر سنوات، تسببوا بأكبر أزمة لجوء في أوروبا منذ قيام المحرقة، حيث استقر نحو مليون سوري في تلك القارة، وتوزع غالبيتهم على ألمانيا، والسويد، والنمسا، وهولندا. ولمنع تكرار ذلك، وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقية مع تركيا في العام الذي تلا ذلك، حيث تقضي بحصول تركيا على مساعدات بقيمة 6 مليارات يورو، على أن تمنع أنقرة اللاجئين والمهاجرين من عبور البحر المتوسط أو السير لمسافات طويلة للوصول إلى شمالي أوروبا. ولذلك فإن السوريين وغيرهم ممن عبروا البحر وصولاً إلى اليونان أصبحوا يحتجزون في مخيمات حالياً منذ أن أبرمت تلك الاتفاقية.

وبالنتيجة، أصبحت تركيا الدولة التي تستضيف أكبر نسبة من اللاجئين على مستوى العالم، وذلك بوجود 3.7 ملايين سوري مسجل رسمياً لديها، إلى جانب تزايد أعداد هذه الجالية، حيث ولد نحو 500 ألف طفل سوري في تركيا منذ بداية تلك الأزمة.

هذا وتعتبر مدينة غازي عنتاب مركزاً لهذا الواقع الجديد بالنسبة لكل من السوريين والأتراك، إذ تؤوي هذه المدينة نحو نصف مليون سوري، في حين تستضيف إسطنبول العدد ذاته، حيث ذاب القادمون الجدد في تلك المدينة الكبيرة البالغ عدد سكانها بالأصل 17 مليون نسمة، مقارنة بعدد سكان غازي عنتاب قبل الحرب، والذي لم يتجاوز مليونا ونصف المليون نسمة.

 إلا أن الحياة ماتزال صعبة بالنسبة للسوريين في تركيا، لكنها تبقى أفضل من حياتهم في الأردن أو لبنان، حيث يحرم اللاجئون من حق العمل أو الاندماج في المجتمع، إلا جانب وجود مئات الآلاف منهم ما يزالون يعيشون في المخيمات.

Gaziantep is home around 500,000 Syrian refugees.

فرصة للنجاح

هذا وقد نالت السلطات في غازي عنتاب على وجه الخصوص كثيرا من الثناء للجهود التي بذلتها في مساعدة كلا المجتمعين على الاندماج، إلى جانب تخفيف القلق تجاه ارتفاع الإيجارات، وبقاء الأجور على حالها، والمزيد من الضغط على البنية التحتية لتلك المدينة، لتخلق بذلك أنموذجاً من التسامح والبراغماتية.

إلا أن كثيرين لا يعتقدون أنهم سيبقون في هذه المدينة، فأحمد الطويل مثلاً، وهو مصمم غرافيكي من دمشق، قد لجأ إلى تركيا في عام 2013، ويرغب بأن يقيم حياة جديدة له في بلجيكا، ولهذا حاول أن يعبر المتوسط من إزمير في بحر إيجة خمس مرات قبل أن يدهمه اليأس ويقرر أن يستقر في غازي عنتاب، وعن ذلك يخبرنا هذا الشاب البالغ من العمر 32 عاماً: "كنت أتحرق شوقاً للذهاب إلى أوروبا، وبعد مرور عام على المحاولة في تركيا، أيقنت بأني لن أتمكن من إيجاد عمل أو إكمال دراستي هنا، إلا أن القارب تعرض للغرق ثلاث مرات. وفي إحدى المرات تعمد حرس الحدود إغراق القارب، وبعدما فشلت عدة مرات، يئست، وخلت أني قد أموت إن واصلت المحاولة. بت أشعر بالسعادة في تركيا اليوم، فقد تعلمت اللغة، وأتقاضى راتباً جيداً، كما تزوجت من تركية منذ مدة قريبة، وأسست لنفسي حياة رغيدة. هنالك لاجئون ظلوا في مخيمات اليونان، وغيرها من الأماكن حيث الظروف الإنسانية التعيسة، ناهيك عن الآلاف من الناس الذين غرقوا.. لقد غيرت أزمة اللاجئين من وجهة نظري حيال الحكومات الأوروبية لأكون صادقاً وصريحاً معكم، فقد شعرت بالإحباط عندما رأيت وجههم الحقيقي القبيح".

 

Lubna Helli at her Lazord store

جانب مظلم

بيد أن كثيرين لم يحالفهم الحظ الذي حالف أحمد، وذلك لأن مليون لاجئ سوري في تركيا يعملون بلا إذن عمل، مما يعرضهم لخطر الابتزاز من قبل رب العمل. كما أن نحو 40% من الأطفال ظلوا بلا مدرسة، و64% من العائلات السورية من سكان المدن تعيش بالقرب من خط الفقر أو تحته، بحسب ما أوردته مؤسسة بروكينغز، مما يهدد بنشوء طبقة دنيا معزولة وغريبة في ذلك المجتمع.

كما أن التدهور الاقتصادي الذي شهدته تركيا في عام 2018، أدى إلى ظهور موجة انتقادات حادة ضد السوريين، بلغت أوجها مع قيام حملة الترحيل المخالفة للقانون خلال الصيف الذي أعقب حالة التدهور تلك. كما حاول الآلاف منهم الهرب إلى أوروبا في مطلع عام 2020 عندما أعلن أردوغان بأن تركيا لن تقف بعد اليوم في وجه من يحاول الوصول إلى أوروبا، وذلك بهدف الضغط على الاتحاد الأوروبي.

ومع بقاء بشار الأسد في السلطة في دمشق، أصبحت فكرة العودة إلى الوطن غير قابلة للتحقيق ولو بالخيال بالنسبة للأغلبية الساحقة من السوريين البالغ عددهم 5.6 ملايين نسمة في تركيا.

وعن ذلك تقول السيدة لبنى البالغة من العمر 43 عاماً: "أتمنى العودة إلى سوريا، لكن الأمر مستحيل حالياً، وذلك لأنني أسست مشروعاً لي هنا، وأولادي باتوا يدرسون في مدارس تركية. وقد أقوم بتوسيع مطعمي عبر افتتاح فرع له في إسطنبول، أي أن حياتي أصبحت هنا الآن".

أما بالنسبة لعزام الأحمد، فماتزال أوروبا تومئ له، إذ اضطر هذا الشاب البالغ من العمر 29 عاماً للتخلي عن دراسة القانون بعد اندلاع الثورة، وصار يعمل بدوام طويل في معامل النسيج بمدينة غازي عنتاب منذ ذلك الحين، ويتقاضى أقل مما يتقاضاه زملاؤه الأتراك، دون أن يحظى بأي تأمين صحي، وذلك فقط حتى يعيل أسرته.

ويخبرنا هذا الشاب عن تجربته فيقول: "كانت أوروبا ضمن خطتي على الدوام، وذلك حتى ألتحق بأشقائي في ألمانيا. ولهذا صار لزاماً علي أن أدخر الأموال، كما باعت زوجتي مصاغها، وذلك حتى ندفع للمهربين من أجل تلك الرحلة. وفي حال ألقوا القبض علي، عندها سأفقد وضع الحماية أو سيتم ترحيلي... إلا أن الأمر يستحق التجربة".

 

المصدر: غارديان