icon
التغطية الحية

العنصرية مدانة بكل مكان.. جرائم لا ينساها الأتراك في ألمانيا

2023.05.27 | 15:43 دمشق

آخر تحديث: 27.05.2023 | 17:05 دمشق

جنازة عائلة غنتش التي قتلت بهجوم عنصري في ألمانيا عام 1993
جنازة عائلة غنتش التي قتلت بهجوم عنصري في ألمانيا عام 1993 - وسائل إعلام تركية
إسطنبول - عبد الناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

قبل 30 عاماً وبالتحديد في 29 أيار 1993، أضرم اليمين المتطرف في ألمانيا النار في منزل عائلة غنتش التركية المكونة من 5 أشخاص، ما أدى لمقتلهم جميعاً، بواحدة من أبشع الجرائم العنصرية ضد الأتراك في ألمانيا.

تلك الحادثة تضعنا أمام الخطاب العدائي المباشر لأحزاب معارضة تركية ضد اللاجئين السوريين ضمن وعود انتخابية تؤكد على ترحيلهم بعد فوز مرشحها بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.

وفي تاريخ متزامن بـ 29 أيار 2023، ستعلن النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية المقررة في 28 من الشهر نفسه، بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومنافسه كمال كليتشدار أوغلو، وسط ترقب من اللاجئين السوريين عن نتيجة تضع مستقبلهم على المحك بعد استخدامهم من قبل الأحزاب التركية كورقة انتخابية يستخدم فيها كل الأدوات العنصرية الممكنة لجذب الأصوات اليمينية المتطرفة الكارهة لوجودهم في البلاد.

ويتوعد كليتشدار أوغلو بترحيل السوريين من تركيا خلال سنة واحدة، بعد أن تحالف مع زعيم حزب النصر أوميت أوزداغ صاحب الخطاب التحريضي ضد اللاجئين والأجانب، وسط حملة مليئة بالكذب وبث الكراهية ضدهم.

ورغم وعود الرئيس أردوغان بعدم إعادة اللاجئين بشكل إجباري وضمان عودتهم الآمنة طوعاً، إلا أن إثارة قضية اللاجئين وتحويلها لملف سياسي أساسي بالانتخابات يثير الكثير من الخوف لدى السوريين.

كلتيشدار أوغلو وأوزداغ

العنصرية ضد الأتراك في ألمانيا

مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وبدء مرحلة إعادة إعمار ألمانيا الغربية المتحررة من النازية، استعانت البلاد بقوة عمل هائلة مثّلها المهاجرون الأتراك الذين تركوا بلادهم بحثاً عن حياة اقتصادية أفضل. حياة هؤلاء وعملهم طوال تلك العقود شهدت كثيراً من الشدّ والجذب، فقد اندمجوا في المجتمع وحافظوا على ثقافتهم في الوقت عينه، لكنّ التطرف اليميني ضدهم استمر، ولا سيما مع النازيين الجدد.

بعد سقوط جدار برلين وتوحيد ألمانيا عام 1990، زادت حدة الهجمات العنصرية ضد الأجانب واللاجئين عموماً، والأتراك خصوصاً، وكانت البداية بعد مقتل التركي مته أكشي ذوي الـ 19 عاماً، على يد شبان ألمان في العاصمة برلين، في تشرين الأول 1991، فيما حُكم على ألماني يبلغ من العمر 25 عاماً ثبتت مشاركته في عملية قتل أكشي بالسجن لمدة 3 سنوات و9 أشهر فقط.

وفي عام 2019، أصدرت مؤسسة "أماديو أنطونيو" التي تعمل في مجال مكافحة اليمين المتطرف بياناً أشارت من خلاله إلى التحقق من أكثر من 3 آلاف و300 حدث وقعت في تواريخ مختلفة في الماضي، وأن التحقيقات أظهرت أن 745 من هذه الأحداث وقعت بدوافع عنصرية.

وفي إطار ذلك، ارتكب يمينيون متطرفون في ألمانيا عديداً من الجرائم، مثل الإحراق العمد والإرهاب والقتل خلال الفترة بين 1990-2022، مما أدى إلى مقتل أكثر من 200 شخص خلال هذه الفترة، بحسب وكالة الأناضول.

عائلة غنتش التي أحرقت في ألمانيا

أعمال عنف ممنهجة

كانت الجرائم المرتكبة بحق المهاجرين الأتراك إلى ألمانيا، شديدة البشاعة، وأخذت مناحي خطيرة عبر استخدام الحرق، ففي 23 تشرين الثاني 1992، أحرق متطرفون ألمان منزل عائلة تركية بمدينة هامبورغ الألمانية، توُفّيت على أثره الطفلة ييليز (10 أعوام)، والطفلة عائشة يلماز (14 عاماً)، بالإضافة إلى الجدة باهدة أرسلان (51 عاماً).

وفيما أصيبت الأم آيتن أرسلان بجروح خطيرة عندما قفزت من النافذة مع ابنها البالغ من العمر 7 سنوات حينها، نجا الابن الأصغر للعائلة الذي كان ما يزال رضيعاً بفضل جدته بهيده أرسلان التي لفّته في بطانيات مبلَّلة وخبأته بمكان آمن حتى وصول فرق الإطفاء التي أنقذت أفراد الأسرة الآخرين.

وبالعودة إلى عائلة غنتش، طوّق 4 أشخاص من منظمة "النازيون الجدد" في 29 مايو 1993، منزل لعائلة تركية مهاجرة في مدينة سولينغن الألمانية، وأحرقته عبر إلقاء زجاجة مولوتوف حارقة، مما أدى إلى مقتل غورسون إنجه (28 عاماً)، وخديجة غنتش (19 عاماً)، وغولستان أوزتورك (12 عاماً)، وهوليا غنتش (9 أعوام)، وصائمة غنتش (5 أعوام).

ولم تقتصر أعمال العنف ضد الأتراك في ألمانيا على إحراق منازلهم، فبعد حادثة سولينغن، قُتل بين عامي 2000 و2006 ثمانية مواطنين أتراك وآخر يوناني على يد منظمة إرهابية تسمى "National Socialist Underground"(الاشتراكية القومية السرية).

العنصرية مدانة

ولا يمكن تبرير الجريمة ضد اللاجئين أو المهاجرين في أي مكان، بحجة اللون أو العرق أو الدين، فقد عانى جزء من الأتراك الذين هاجروا إلى ألمانيا لأسباب اقتصادية وسياسية من عنصرية قادتها حركات نازية وأحزاب يمينية لأهداف سياسية وتحيزات عرقية، في الوقت الذي بقيت أحزاب الوسط واليسار الديمقراطي الأوروبية داعمة لحقوق اللاجئين والمهاجرين.

على العكس من ذلك، انقلبت الصورة في تركيا، حيث انحازت الأحزاب الليبرالية واليسارية إلى خطاب اليمين المتطرف العنصري تجاه اللاجئين السوريين، وحولوا قضية إنسانية إلى ملف سياسي بشكل انتهازي دانته الكثير من المنظمات الحقوقية والإنسانية محلياً ودولياً.

وخلال العامين الماضيين، قتل عدد من الشباب السوريين بهجمات عنصرية، وفق صحيفة "يني شفق" التركية، معتبرة مثل هذه الجرائم هي "جرائم عنصرية"، بسبب التحريض الذي تقوده أحزاب المعارضة "النصر والجيد والشعب الجمهوري" ضد وجود اللاجئين السوريين في تركيا.

حزب الجيد

جرائم عنصرية ضد سوريين

وقالت الصحيفة: إن الخطاب المعادي للأجانب من قبل الأحزاب الثلاثة، أدى إلى وصول العنف العنصري إلى ذروته بعد أن دهمت مجموعة عنصرية منزلاً كان يقيم فيه عمال سوريون وقتلوا الشاب "شريف الأحمد" (21 عاماً) بإسطنبول، وهي حادثة من مجموعة حوادث متفرقة.

وفي آب 2022، قال الصحفي التركي "Emre Erciş" عبر حسابه في تويتر، إن "5 سوريين تعرضوا للهجوم من عدد من الشبان الأتراك في أثناء جلوسهم في الحديقة، حيث بدأ الهجوم بعد مطالبتهم للشبان السوريين بالمغادرة، ليتطور الوضع ويبدأ الشبان الأتراك بالهجوم عليهم بالسكاكين".

وحمَّل الصحفي التركي، رئيس حزب "النصر" التركي أوميت أوزداغ المسؤولية في الهجوم، مشيراً إلى أنها نتاج بذرة لتحريض على الكراهية والعداوة التي قام بزرعها وسط المجتمع التركي.

وفي الـ16 من تشرين الثاني 2022 أحرق المواطن التركي "كمال كوركماز" (41 عاماً) غرفة الشباب السوريين الـ3 الذين يعملون في شركة إسمنت بإزمير، وهم: مأمون النبهان 23 عاماً، وأحمد العلي 21 عاماً، ومحمد البش 17 عاماً، وذلك بعد قطعه التيار الكهربائي عن المكان لإعاقة أي محاولة إنقاذ لهم، ولإيقاف تشغيل كاميرات المراقبة في أثناء الجريمة، ما تسبب بمقتلهم حرقاً.

هذه الجرائم لم تكن لتحصل لولا زيادة وتيرة التحريض العنصري ضد اللاجئين وعدم محاسبة المحرضين أمثال "أوميت أوزداغ" الذي زاد من عدد السوريين خلال أقل من عام من 3.6 ملايين لاجئ إلى 13 مليوناً، في الوقت الذي رفع مرشح المعارضة أعدادهم إلى 10 ملايين لاجئاً من دون أي دليل على ذلك.

ولعل تحرك القضاء التركي الفاعل لإيقاف المحرضين أهم بكثير من إدانة من نفذ الجريمة، لأن المحرض سبب أساس لاستمرار هذه الجرائم ضد اللاجئين والأجانب بتركيا، التي تستقبل ملايين من اللاجئين والمهاجرين والطلاب الأجانب.

الشباب السوريين الثلاثة الذين قتلوا حرقاً في إزمير (T24)

اليمين المتطرف و"النازيون الجدد"

و"النازيون الجدد" هو مصطلح أُطلق على الأشخاص التابعين للاشتراكية الوطنية التي تأسست بعد الحرب العالمية الأولى في ألمانيا، ويمكن تعريفها بأنها حزب أو حركة أو جماعة متطرفة تملك الكثير من الأفكار المستبدة والمماثلة والمرتبطة بشكل مباشر بأفكار وممارسات وأفعال الحزب النازي- الذي يُعرف باسم الحزب القومي الاشتراكي العمالي الألماني، الذي كان يقوده أدولف هتلر، ولا ينشطون في ألمانيا فقط إنما في الكثير من الدول الأوروبية.

وتعد "النازية" من الجماعات اليمينية المتطرفة، والتي تحمل أفكاراً معادية للسامية وتعادي أيضاً الديمقراطية وتعادي الشيوعية. 

وفي الوقت الذي ظهرت فيه أولى دلائل وجود منظمة "النازيون الجدد" في مدينة تورينغن الألمانية في تشرين الثاني 2011، بدأ مكتب المدّعي العامّ الفيدرالي إجراء تحقيق خاص للكشف عن توجهات هذه المنظمة.

وفي 11 تموز 2018، حمّل القضاء الألماني منظمة "النازيون الجدد" الإرهابية، مسؤولية مقتل 10 أشخاص منهم 8 أتراك، في هجمات مسلَّحة وقعت في مدن ألمانية مختلفة.

النازيون الجدد