icon
التغطية الحية

العمل الحر "فريلانس" خيار إيجابي بالعادة لكن سوريا استثناء

2021.09.17 | 06:42 دمشق

andrew-neel-cckf4tshauw-unsplash-scaled.jpg
دمشق - جنى نجار
+A
حجم الخط
-A

يتجه عدد كبير من الشباب السوريين للعمل الحر هذه الأيام، في محاولة للبقاء وتأمين المعيشة بعد استسلامهم أمام انعدام فرص العمل والانخفاض الكبير في الرواتب، لكن هذه الظاهرة التي تصنف أنها إيجابية وصحية في كل دول العالم لا تبدو كذلك في سوريا.

ويسعى الشبان السوريون في العمل الحر للحصول على عقود من شركات محلية وخارجية لا يستطيعون الوصول إليها بجواز السفر السوري الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، لكنهم واجهوا خلال تجربتهم أن الخبرة والإبداع يفنيان أمام التنافس الكبير في الأسعار والأجور، وبدأت تظهر سلبيات العمل الحر من سوريا.

يروي الشاب السوري عمار قصته لموقع تلفزيون سوريا والتي تعود لسبع سنوات مع العمل الحر "فريلانس" وهو خريج كلية الفنون ويعمل في تصميم المواقع الإلكترونية، ويقول: "أشعر بأنني ملاحق حيث يبدأ يومي في الثامنة صباحاً ولا ينتهي، وعلي أن أبقى طوال الوقت متاحاً، ففي أية لحظة قد تأتي الفرصة وربما لا تأتي أبداً فأبقى لشهور دون عمل".

وأضاف: "للعمل الحر مساوئ كثيرة في سوريا، فأنت لن تشعر بالاستقرار لأن عملك ليس ثابتاً والطلب قليل، ومن الممكن أن تمضي أشهراً كاملة دون عمل ومن ثم تأتيك العروض فجأة، ولذلك تشعر بنفسك معلقاً وقلقاً طوال الوقت".

عمل مضن وغياب للأدوات

يحتاج العمل الحر إلى تكريس كامل الوقت واستغلاله لتلافي التأخير عن مواعيد التسليم وتدارك الأخطاء، وتعتبر كل من مهنة التصميم الغرافيكي وبرمجة المواقع والكتابة الصحفية من المهن التي تحولت مؤخراً إلى مهن حرة يمكن القيام بها من المنزل دون الحاجة للالتزام بدوام محدد في مكان العمل.

وفي حين لهذا النوع من العمل مجموعة من الإيجابيات أهمها الدخل الذي غالباً ما يكون أعلى من الأعمال المحددة بدوام ومكان، إلا أنه وتحديداً في سوريا يواجه أصحابه كثيرا من المعوقات المتعلقة بالأدوات اللازمة للقيام به.

وتقول ملك وهي كاتبة صحفية: "لا يمكنني التحكم بوقتي أو تنظيمه فأنا محكومة بأربع ساعات فقط من الكهرباء أثناء النهار وهذا ما يجعلني مشتتة فعلي أن أنجز جميع الأعمال التي تحتاج الكهرباء في هذا الوقت بالإضافة للكتابة، وهذا شبه مستحيل.. لا يمكنك الكتابة إن لم تكن حواسك وعقلك في حالة صفاء تام وهدوء، لأن الكتابة تحتاج لمزاج محدد وراحة نفسية كبيرة لا نمتلكها في سوريا.. أجاهد كي لا أخسر عملي في كل لحظة وهذا يسبب تعباً نفسياً كبيراً لي".

مهن متاحة للجميع

ليس اختصاصك ما يجعلك مطلوباً وقادراً على العمل في هذه المهنة ولا حتى مهارتك، بل ما يحدد فرصتك هو الرقم الذي تضعه كأجر لتصميم أو برمجة موقع أو كتابة مادة صحفية.

ووفقاً لهذا الواقع يرى كثيرون من أصحاب الشركات الخارجية الشبان السوريين خياراً مناسباً بسبب انخفاض معدل الأجور التي قد يطلبونها مقارنة بغيرهم في دول أخرى، وهذا السبب ناتج عن سوء الأوضاع الاقتصادية والحاجة لأي دخل مهما كان بسيطاً، وهنا يبدأ التحدي بين هؤلاء الشباب أنفسهم للحصول على الفرصة بضرب الأجور.

تنقسم أوساط العمل الحر في سوريا إلى محترفين وهؤلاء مقياسهم في عملهم هو النوع وليس الكم ولا يترددون بطلب أجور عالية، وآخرين غير محترفين يعملون بأجور أقل ويستطيعون الحصول على الفرص وخاصة من الشركات التي لا تعنى بنوعية العمل وحرفيته.

تحديات العمل الحر في سوريا

بالرغم من اتجاه عدد كبير من الشباب في سوريا إلى هذا العمل وخاصة بعد جائحة كورونا، إلا أنه لم يحقق الاستقرار لهؤلاء، فعروض العمل قد تأتي لفترة ثم تنقطع لشهور، خاصة وأنه من الصعب توقيع عقد مع الشركات أو تحويل هذا العمل إلى عمل مستمر براتب شهري.

قد تأتي مثل هذه العروض ولكن يتضمن العقد غالباً كثافة بالعمل مقابل أسعار مخفضة لكل مادة يمكن إنتاجها، بالإضافة لذلك هناك العديد من الشركات الناشئة في سوريا كشركات التصميم مثلاً والتي توظف لديها عدداً من المصممين برواتب زهيدة في حين تأخذ المشاريع بمبالغ  كبيرة من العملاء وتحقق أرباحاً هائلة على حساب موظفيها.

وتستطيع هذه الشركات المضاربة على المصممين "الفريلانسر" حيث إنه من الصعب بناء الثقة بالنسبة للعملاء الخارجيين مع شخص لا يعرفونه في حين يمكنهم ذلك مع شركة لها اسم وموقع، وهذا ينطبق على باقي الاختصاصات إن كانت برمجة أو غيرها من الأعمال الحرة.

الراتب مقابل الكهرباء

"ما نفعله هو محاولة فاشلة لنشعر بأننا منتجون، ولكن الحقيقة مهما بلغ دخلنا الشهري من هذا العمل والذي يظنه الجميع عملاً مربحاً فنحن ندفعه في المقاهي ومحال الإنترنت لنستطيع إتمام عملنا، معادلة صعبة ولا نتيجة لها، ندفع المال لنعمل ونحصل على المال لندفعه مرة أخرى، ومع ارتفاع المعيشة والغلاء اليومي في أسعار المواد الغذائية أصبح كل شيء عبثياً".. هكذا أوضحت لنا سمر وهي خريجة كلية الإعلام، حقيقة العائد المادي من عملها الحر في الكتابة.

وأشارت سمر التي تعمل لصالح عدد من الصحف في حديثها إلى أن العمل الحر يترك مساحة ووقتاً ويمنح العاملين وفقه فرصة للتميز والإبداع، لكن هذه المكتسبات مفقودة في سوريا، فيتحول العمل الحر إلى إجهاد وضغط نفسي.

وقالت سمر: "أستيقظ يومياً وأحاول خلق طاقة مضاعفة لأنجز عملي، لكنني أصل لمنتصف النهار منهكة نفسياً وجسدياً لا أعرف من أين تأتي هذه القدرة على التحمل التي تجعلنا نتابع في هذه الظروف!".

يبقى العمل الحر في سوريا خياراً لا ثاني له لفئات كثيرة من العاملين الساعين إلى البقاء على قيد الحياة ضمن الحدود المعيشية الدنيا، في بلاد أكدت كثير من الدراسات أن العائلة السورية تحتاج شهرياً لمبلغ يتراوح بين 600 ألف ومليون ليرة سورية.