العملية الخامسة: شرقا أم غربا؟ واقع أم افتراض؟

2021.10.16 | 07:09 دمشق

turk-3-scaled.jpg
+A
حجم الخط
-A

زادت في الآونة الأخيرة وتيرة الهجمات على القوات التركية الموجودة في الشمال السوري بصنفيها الأمني والعسكري حتى إنها طالت الأراضي التركية نفسها.
كما زاد التركيز الإعلامي على تلك الهجمات وفق مسارين: المسار الإعلامي التركي من جهة والمسار الرسمي الذي جاء على لسان المسؤولين الأتراك ممثلين في رأس هرم السلطة الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي صرح بأن "صبر أنقرة قد نفد" وهي تقريبا الجملة نفسها التي استخدمت  كل مرة قبيل العمليات الأربعة السابقة، وأيضاً ما جاء على لسان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار المعروف بجديته العسكرية حين قال إن بلاده ستقوم بما يلزم في المكان والزمان المناسبين لوقف الهجمات الإرهابية شمالي سوريا.
وهذه الرسالة حمالة أوجه متعددة، بدءًا من عملية عسكرية كبيرة، انتهاءً بحملات أمنية مصغرة.

تركيا أعربت في أكثر من مرة بأن المسلحين والعناصر الإرهابية لم تنفذ الشروط التي تم التوافق عليها مسبقا بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية في عملية نبع السلام

تأكيد الرئيس أردوغان بعد عودته من سوتشي ولقائه بالرئيس الروسي بوتين بأن الاتفاقيات السابقة بين البلدين في الشمال السوري ستبقى قائمة، وأيضاً مطالبته بخروج القوات الأميركية من سوريا، تلمح على أن تركيا قلقة من وضع بعض المناطق في الشمال السوري من الناحية الأمنية، ولعله يكون تقاربا على المستوى الاستراتيجي بين تركيا وروسيا حول الملف السوري. ولكن التساؤلات التي ُتطرح هنا: في حال كانت هناك عملية عسكرية جديدة فأين ستكون شرق الفرات أم غربه؟ وما هو الموقف الأميركي والروسي؟ وما هي التفاهمات الأميركية - التركية والروسية - التركية؟ وهل للتوتر الإيراني الآذري دور في زيادة التصعيد في الشمال السوري؟

تركيا أعربت في أكثر من مرة بأن المسلحين والعناصر الإرهابية لم تنفذ الشروط التي تم التوافق عليها مسبقا بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية في عملية نبع السلام. وفي الوقت نفسه تتكرر الهجمات على القوات التركية في مناطق غربي الفرات. وهذا يجعل الموقف التركي صعبا نوعا ما في كيفية اتخاذه للقرار العسكري. ولعل التوجه غرب الفرات يكون أكثر منطقية لأن التفاهم مع روسيا سيكون أسهل نوعًا ما مما هو عليه مع الولايات المتحدة الأميركية الحليف العسكري في الناتو، وأيضًا ما يحصل من تغيرات ميدانية في منطقة إدلب وما حولها وهجمات متفرقة وإصرار نظام الأسد على فتح ملف إدلب أو معركة إدلب، وكذلك التقدم العسكري والميداني لنظام الأسد مع حليفتها موسكو (ما حصل في درعا جنوب سوريا) وفتح المعابر الحدودية السورية الأردنية، يطرح فرضية التوجه غرب الفرات وليس شرقه.

ولعل اصطفاف تركيا مع أذربيجان ضد إيران أثناء التوتر الذي حصل مؤخرا بين البلدين يدفع إيران إلى استخدام نفوذها في سوريا ضد الوجود التركي هناك. فطهران قادرة على تحريك المشهد في الملف السوري عبر حلفائها، وهذا يستدعي من تركيا التي تدعم المعارضة السورية تعديل تموضعها في بعض نقاط وجودها وتحديدا مناطق غرب الفرات لوجود نقاط تماس كثيرة بينها وبين القوات التابعة للأسد.

لا يمكن إغفال الوضع الداخلي التركي، فالملف السوري أصبح أحد أهم المواضيع السياسية المتداولة في الداخل التركي

الملاحظ في العمليات العسكرية التركية الأربعة التي جرت في الشمال السوري أن المدة الزمنية لكل عملية أقل من سابقتها، فعملية درع الفرات (العملية العسكرية الأولى) استمرت قرابة ثمانية أشهر، بينما عملية نبع السلام العسكرية (العملية العسكرية الرابعة) استمرت قرابة تسعة أيام. ولعل مرده بأن اللاعبين الأساسيين في الملف السوري أصبحوا محدودين وأن الأزمة السورية يوما بعد يوم تصبح أكثر استقرارا وأقل اضطرابا.
وعليه، يمكن القول إن التفاهمات ممكنة بين تركيا وروسيا في حال قامت الأولى بعملية عسكرية، ولكن لا أظن أنها دون مقابل. 
وأخيرا، لا يمكن إغفال الوضع الداخلي التركي، فالملف السوري أصبح أحد أهم المواضيع السياسية المتداولة في الداخل التركي. فالقيام بعملية عسكرية قد يقابله رفض من المعارضة التركية بشكل كبير، وفي حال سقوط جنود أتراك في العملية عسكرية، سوف يؤثر سلبا على الائتلاف الحاكم في الانتخابات المقبلة وهنا لا يمكن فصل الحسابات السياسية عن الحسابات العسكرية بكل تفاصيلها المعقدة.