icon
التغطية الحية

العربية عن بعد.. مبادرة مدرس من بنش إلى كل سوريا والوطن العربي

2020.12.18 | 05:07 دمشق

whatsapp_image_2020-12-17_at_9.03.58_pm_2.jpeg
أستاذ اللغة العربية "علي عليّان" في مدينة بنش (تلفزيون سوريا)
إدلب - عز الدين زكور
+A
حجم الخط
-A

مع اشتداد الحملة العسكرية الأخيرة على منطقة شمال غربي سوريا، اضطر عدد كبير من طلابه إلى النزوح وترك منازلهم وقراهم وبلداتهم، وتشتتوا في مناطق عدة، وأمام حاجةٍ كبيرة إلى أي سبيلٍ للتعلم، وفي ظل ظرف إنساني صعب ولدت فكرة لافتة لدى مدرس للغة العربية، تجمع شمل الطلاب من جديد على حب اللغة وتساعد في تجاوز امتحانات الشهادتين على الرغم من الواقع المأساوي.

في اليوم العالمي للغة العربيّة الموافق 18 كانون الأول من كل عام، التقينا بالأستاذ "علي عليّان"، صاحب المبادرة في تعليم اللغة لطلابه عن بعد.

تمكن الأستاذ "علي عليّان" وهو مدرس لغة العربيّة، ينحدر من مدينة بنّش، خلال ظرف استثنائي على إدلب، من الوصول إلى عدد قياسي من الطلاب معتمداً على التكنولوجيا التي وفرها الإنترنت، متجاوزاً في ذلك أزمتين قاسيتين مرتا على طلاب إدلب، على حد تعبيره، أولهما الحملة العسكرية ومن ثمّ أزمة فيروس كورونا.

إكمال الدراسات العليا في إسطنبول.. وبداية المبادرة عبر واتساب

بعد وصوله إلى إسطنبول، قاصداً المدينة لإكمال مرحلة الدراسات العليا في اللغة العربية، ونازحاً من وطأة القصف والهجوم العسكري من قبل النظام وروسيا، قرر "عليان" متابعة طلابه الذين تشتتوا أيضاً في العديد من المناطق بعد النزوح، وكانت البداية عن طريق تطبيق "واتساب".

يقول لموقع تلفزيون سوريا: "عن طريق التسجيلات الصوتيّة في مجموعات واتساب، أشرح من خلالها مقرر اللغة العربية لطلاب الشهادتين الإعدادية والثانويّة، أتلقى الأسئلة والاستفسارات من الطلاب وأجيب عليها، كما أقدم المذاكرات والاختبارات بشكل دوريّ، وأنتظر حلولها من الطلاب".

ويستطرد: "مع مرور الأيام توسعت الفكرة، عبر تداولها من قبل الطلاب بين أصدقائهم وزملائهم في شتّى المناطق في الداخل السوري".

 

 

في بداية مشروعه الذي بدأ عفوياً، يوضح محدثنا "عليان"، أنّ التعليم عن بعد لم يكن شائعاً في المنطقة ولم يحظ بصورته الرسميّة بعد، وهذا الأمر كان قبل تفشي فيروس كورونا في المنطقة وبداية الإغلاق الذي كان في منتصف آذار/ مارس 2020.

مع توسع أعداد الطلاب وزيادة الإقبال على مجموعات الـ واتساب، وجد أنّ المجموعات وحسب لم تعد ناجعة للعمليّة التعليمية، وبعد اقتراح مجموعة من زملائه وأصدقائه قرر إطلاق قناة على منصّة "يوتيوب" للوصول إلى عدد أكبر من الطلاب، كما أنها تتيح فرصة مراجعة الدرس في كل وقتٍ وحين وحفظه.

 

العودة لإدلب.. وإطلاق منصة لكل الطلاب العرب

عاد الأستاذ علي إلى إدلب، واستمر بخطته التعليمية الطوعيّة، من خلال خدمة البث المباشر عبر قناته في "يوتيوب" وتطورت تباعاً، إلى أن وصل عدد الطلاب المستفيدين من منصة اليوتيوب ومجموعات واتساب إلى حوالي 6 آلاف طالب وطالبة، يتلقون تعليمهم مجاناً.

ووصلت الخدمات التعليمية إلى مناطق مختلفة في سوريا، على اعتبار أنّ قواعد اللغة العربية والدروس مشتركة في مختلف المناهج المنتشرة في سوريا، بحسب "عليان".

ويوضح أنّ طلاباً عربا انضموا لقناته عبر يوتيوب من الجزائر والأردن والعراق وغيرها، ويتلقون الدروس بانتظام، وهو ما اعتبره أمراً مشجّعاً، ولم يقف عند هذا الحدّ فعمل "عليان" على مساعدة مجموعة من طلاب التوجيهي (البكالوريا) في الأردن، خلال فترة الحجر الصحي في أزمة "كورونا".

 

 

ويطمح أن تكون مستقبلاً منصة للطلاب العرب تفتح آفاقاً جديدة في تعلم العربيّة وهو ما يمهّد له من خلال دروس عامة في النحو والإعراب، كما يخطط لإطلاق فرصة تعلم للطلاب غير الناطقين بالعربيّة مستنداً إلى دورة اتبعها خلال إقامته القصيرة في إسطنبول.

جميع المواد الدراسية

بعد أشهر قرر "عليان" أن تقدم قناته عبر يوتيوب دروساً لمختلف المواد وذلك بالتنسيق مع مدرسين زملاء له، لمواد التاريخ واللغة الإنكليزية والرياضيات والديانة وغيرها، عبر خدمة البث المباشر وجميع هذه الدروس محفوظة على القناة.

وأسس مجموعة "أصحاب الدراسة" على تطبيق "فيس بوك"، خلال فترة إقامته في تركيا، واشترك فيها حوالي 5 آلاف طالب وطالبة، استطاع من خلالها تقديم حصص درسيّة لمختلف المواد عبر البث المباشر أيضاً بالتعاون مع أصدقائه المدرسين المهجرين آنذاك.

 

 

يقول عليان: كادت أن تتحول إلى معهد أو مدرسة، صار الطالب يتابع دروسه بانتظام ويحضر ثلاث أو أربع حصص دراسيّة في اليوم.

يستمر "عليان" في رحلة تطوعه، إذ إنه إلى جانب نشاطه في مجال التعليم عن بعد، يدخل عامه الثاني مدرساً متطوعاً في ثانوية "ممدوح شعيب" المعروفة في مدينته بنّش رغم انقطاع الرواتب عن المدرسين وغياب المنح عن غالبية مدارس محافظة إدلب.

وعن معاناة مدرسي اللغة العربية، يوضح أنّ المعلمين هم جزء من أزمة كبيرة يعاني منها المدرسون في ظل انقطاع الأجور والرواتب في إدلب، ما يضطرهم إلى العمل في مهنٍ وأشغال أخرى أو عمل إضافي بعد دوامهم في المدرسة.

نشاط شخصي حافل

يكمل "عليّان" مشواره الدراسيّ، في درجة الماجستير لغة عربيّة في "جامعة حلب في المناطق المحررة" في مدينة اعزاز شمالي حلب، بالتزامن مع برنامج دراسي مماثل (ماجستير في الدراسات البلاغيّة في جامعة إسطنبول) بنظام التعليم "عن بُعد".

في الوقت ذاته، يعمل محدثنا مع مدرسين آخرين في معهد "المتفوقون" الخاص، ليكون مصدر رزق له إلى جانب نشاطه التطوعي. ويستقبل المعهد عدداً كبيراً من الطلاب من مدينته بنّش والقرى والبلدات القريبة منها.

في اليوم العالمي للغة العربية، يبدي "عليّان" حزنه الشديد إزاء الصورة النمطية التي رسمت عن دراسة اللغة، بعد أن انفضّ عنها كثيرون في ظل سوق عملٍ توجّه إلى فروع دراسيّة أخرى وخاصةً اللغات الأجنبية، وعلى وجه الخصوص المنظمات الإنسانية الأجنبية منها والمحليّة.