العراق.. مأزق إخراج القوات الأمريكية

2020.01.13 | 17:02 دمشق

entbxtoxuaalwgy.jpg
+A
حجم الخط
-A

طلبت الحكومة العراقية من الإدارة الأمريكية يوم الجمعة الماضي إرسال مندوبين إلى بغداد لوضع آلية لانسحاب آمن لقواتها من البلاد وذلك في أعقاب مقتل قاسم سليماني و ٩ آخرين معه من بينهم أبو مهدي المهندس نائب رئيس ميليشيات الحشد الشعبي في العراق.  وتحاول إيران ممارسة أقصى نفوذها على السلطات العراقية من أجل دفع القوات الأمريكية لمغادرة البلاد حتى تتمكن من ممارسة نفوذها دون عوائق أو تهديدات تُذكر.

النظام الإيراني تعهد بإخراج القوات الأمريكية من منطقة غرب آسيا برمّتها، لكن بعيداً عن البروبغندا، ما يراهن عليه عملياً هو إخراج القوات الأمريكية من العراق من خلال استغلال السلطات العراقية نفسها.  ويشير مثل هذا الأمر إلى النفوذ الهائل الذي تتمتّع به إيران في العراق والذي يمنع قيام دولة موحّدة ومستقلة وقوية. قبيل فترة وجيزة من مقتله، زار قاسم سليماني العراق على عجالة إبّان التظاهرات المناهضة لإيران وذلك بهدف منع الإطاحة بحكومة عادل عبدالمهدي الموالية لبلاده. طالب سليماني من ميليشيات الحشد الشعبي تأمين الدعم الكامل للحكومة العراقية وهو ما أدّى الى إزدياد حملة القمع بحق المتظاهرين العراقيين وإلى سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى.

لم تستطع الحكومة الصمود أمام مد التظاهرات الشعبية العراقية لاسيما من قبل المكوّن الشيعي الذي يُعتبر الحاضن الأساسي لها وللبيئة التي تعمل الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق ضمنها، فاستقالت. لكن تشهد الساحة العراقية اليوم محاولات لإعادة إنتاج نفس الحكومة برئاسة عادل عبد المهدي وبـ مطلب أساسي هو إخراج القوات الأمريكية، وذلك على اعتبار أنّ أي تغيير سياسي في العراق على وقع التظاهرات الداخلية، سيكون بمثابة ضربة قاصمة للنفوذ الإيراني. لكن هل تستطيع هذه الحكومة المضي قُدماً فيما يتعلق برغبات إيران بخصوص القوات الأمريكية؟

الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال، ومن المتعارف عليه أنّ حكومة تصريف الأعمال ليست في موقع اتخاذ قرارات مصيريّة تتعلّق بمستقبل البلاد فضلاً عن امتلاك السلطة القانونية التي تخوّلها فعل ذلك. تمسّك الحكومة بمطلب خروج القوات الأمريكية يؤكّد مدى تبعيّتها للجانب الإيراني، وهو سبب إضافي في استمرار التظاهرات ضدّها في الشارع العراقي أولاّ، وعزوف المكوّنات العراقية الأخرى عن دعم عمليّة إعادة تعويم عادل عبدالمهدي لترؤّس حكومة جديدة من جهة أخرى.

 البرلمان الذي كان قد اجتمع أيضاً بعد مقتل سليماني، في غياب المكوّنات الأساسية، أصدر في نهاية المطاف قراراً بخروج القوات الأمريكية ورمى الكرة بدوره في ملعب حكومة تصريف الأعمال. مسرحية البرلمان تشير إلى أنّ المكونات الكردية والعربيّة السنيّة غير موافقة على مسألة خروج القوات الأمريكيّة، على الأقل من حيث الشكل والتوقيت، سيما وأنّ بعض هذه المكوّنات يرى في تواجد هذه القوات ضمانة لعدم تمادي الشريحة الموالية لإيران في العراق في الضغط عليها كما كان عليه الوضع إباّن عهد المالكي على سبيل المثال.

مسرحية البرلمان تشير إلى أنّ المكونات الكردية والعربيّة السنيّة غير موافقة على مسألة خروج القوات الأمريكيّة

هذا يعني أنّه وحتى يتم إخراج القوات الأمريكية بالشكل الصحيح، فانّ نقاشاً حقيقاً يجب أن يجري في البرلمان وينجم عنه في نهاية المطاف إصدار قانون بتغيير وضعية القوات الأمريكية، آخذين بعين الاعتبار أيضاً الاتفاقية التي تنظّم العلاقة بين الدولة العراقية والقوات الأمريكية وشروط وجودها وعملها، فإنّ أي مخالفة من قبل السلطات العراقية قد ينجم عنه عواقب وخيمة. الرئيس الأمريكي كان قد ألمح إلى بعض هذه العواقب الممكنة ومنها فرض عقوبات شديدة على العراق ومطالبته بتعويض عمّا أنفقته القوات الأمريكية من أجل محاربة تنظيم "داعش".

ثمّة مسألة أخرى غاية في الأهمّية أيضاً، وتقيّد من حريّة الحكومة العراقية أو حتى البرلمان في الإصرار على إخراج القوات الأمريكية وهي حقيقة أنّ البنك المركزي العراقي يحتفظ بأموال في حسابات خاصة لدى الفيدرالي الأمريكي تُجمَع فيها عائدات بيعه من النفط في السوق الدولية. إذا ما قررت الحكومة العراقية الموالية لإيران إخراج القوات الأمريكية دون تفاهم، فقد تلجأ الولايات المتّحدة إلى تقييد وصول بغداد إلى هذه الحسابات المالية أو حتى تمنعها تماماً وهو ما سيتسبب بكارثة مالية واقتصادية في توقيت غاية في الصعوبة بالنسبة إلى العراق.

علاوةً على ذلك، قامت واشنطن باستثناء العراق مؤخراً من عدد من العقوبات المفروضة على إيران، لكن إذا ما قررت أن ترفع عنه هذا الاستثناء فسيكون من شبه المستحيل على العراق مقاومة الموقف الأمريكي، ولن تنفعه علاقاته مع إيران شيئاً في تلك اللحظة. قد تفكّر إيران في استخدام الميليشيات الموالية لها لمهاجمة القوات الأمريكية.  لكن مثل هذا الخيار لن يحمل معه المنافع المنتظرة.

واشنطن جادة بالرد على أي تهديد تتعرّض له، وعلينا ألا ننسى أن قرار ترمب قتل سليماني جاء بعد أن قررت طهران استخدام هذه الميليشيات العراقية الموالية لها في قتل متعهد أمريكي واقتحام محيط السفارة الأمريكية. هذا يعني أنّ توظيف طهران لهذه الميليشيات مجدداً في حرب بالوكالة مع أمريكا قد لا يعفيها بالضرورة من ردّ أمريكي لاسيما بعد أن قام المتحدّث باسم القوات الجو-فضائية التابعة للحرس الثوري مؤخراً بالحديث عن ردّ الحرس على قتل قاسم سليماني مستعرضاُ في خلفيّته أعلام كل الميليشيات التي تدعمها أو تموّلها إيران في المنطقة، وهو ما أسقط عنها آخر أوراق التوت عنها.