العالم يتهاوى.. عندما تكون الكرة مثل قنبلة

2022.12.08 | 06:13 دمشق

مباراة المغرب
+A
حجم الخط
-A

عالمية الكارثة تنتج عقلا واحدا "عقلا خائفا"، لم نصل إلى الكارثة بعد ولكننا نسير إليها، تنفي الكارثة الفوارق بين "عقل الغرب" و"عقل الشرق". في زمن الحروب تظهر نواقصنا فنحاول إكمالها، وعندما نجوع سنسعى لاصطياد الفريسة لكن الطرق ستختلف باختلاف جغرافيتنا الفكرية التي تتحكم في رؤيتنا للحدث، رؤية مركبة ترى الأحداث مرتبطة ببعضها أو رؤية تفكيكية ترى الحدث فعلا منفردا منفصلا عن سياقه، هكذا نختلف فالعقل جغرافيا.

السياسة هي استمرار للحرب بوسائل أخرى كما قال ميشيل فوكو، ورد آخرون أن الحرب هي استمرار للسياسة أو للتجارة كما قال المؤرخ العسكري البريطاني مايكل هوارد، وبناء على ذلك تدخل معظم أنشطة الإنسان في دائرة السياسة حتى الرياضة وبشكل قد يكون صادما فهي صراع بين الدول.

ما هو الحدث الرئيسي الأهم في العالم اليوم؟ سوريا.. وهنا الكلمة كافية لتعبر عن مأساتها، أم إيران تحت وقع المظاهرات التي قد تتحول إلى ثورة؟ أم الحرب الأوكرانية وجنون بوتين وفرار الروس من بلادهم؟ أم الشتاء البارد المقبل على الأوروبيين؟ أم المرض المزمن في الديمقراطية بصعود الفاشية واليمين المتطرف؟ أم كأس العالم 2022؟.

"أنا خائف وأريد أن آكل"، باعتباري سورياً لي "قوم وقومية" كما كتب في الهوية وطبع على جواز السفر، من حقي أن أستقيل وأنسحب أمام الأسئلة الكبرى التي تشغل عقل العالم، لأنني ظاهرة عمرها 11 عاما فقط، فأنا موجود وغير موجود في وقت واحد، وبذلك كسرت قانون عدم التناقض ولو متأخرا فقد سبقني فلاسفة إليه، لكني أقبل أن أكون البرهان على القضية فأناي يتشكل.

في كأس العالم، تتنافس المنتخبات القومية على أرض الملعب، 11 لاعبا لكل فريق والأفضل يفوز، تنافس و"حوار ديمقراطي" لا مركز فيه ولا أطراف، هذه هي الصورة العامة

تتنافس المنتخبات القومية على أرض الملعب في كأس العالم،، 11 لاعبا لكل فريق والأفضل يفوز، تنافس و"حوار ديمقراطي" لا مركز فيه ولا أطراف، هذه هي الصورة العامة، ولكن الواقع يقول عكس ذلك، بعدما أثارت المباريات بين الدول قضايا مثل صراع الحضارات والاستعمار والاستشراق والخصوصية الثقافية والاحتلالات وأيضا ذكريات المجازر، فكان الفوز نصرا سياسيا وثقافيا وهوياتيا وأيضا إثباتا للوجود خاصة للدول صاحبة الفرق الصغيرة.

في المونديال عام 1974 الذي استضافته ألمانيا الغربية، اشتعلت الحرب الباردة بين الألمانيتين ولعبت ألمانيا الشرقية في الجولة الأخيرة من دور المجموعات ضد ألمانيا الغربية بعد فترة قصيرة من اعتراف البلدين بعضهما ببعض سياسيا، المباراة عبرت عن صراع بين الشيوعية وتمثلها ألمانيا الشرقية ومن ورائها الاتحاد السوفييتي، مقابل الرأسمالية الغربية التي تمثلها الولايات المتحدة الأميركية، وطبعا الفوز كان للكتلة الشيوعية.

ومن جديد يعيد المونديال في قطر كأول دولة عربية مسلمة تستضيف البطولة الجدالات المجتمعية والعالمية حول ماهية الأفراد هل نحن مواطنون عالميون؟ أم مجتمعات أيديولوجية وسياسية تحمل قيما أخلاقية؟ قد لا نعرف الجواب ولكننا سنتخيله.

قد يكون الصراع بين الهويات العالمية "جوهرا"؛ يقول د.عزمي بشارة في كتابه الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخلية "فالعروبة ثقافة مشتركة وهوية قائمة لا يمكن إنكارها في المجتمعات العربية، وحتى في حالات الثنائية اللغوية في المجتمعات العربية بالنسبة إلى من ينحدرون من أصول إثنية غير عربية مثل الكرد في المشرق العربي والأمازيغ في بلاد المغرب العربي الكبير، وغير العرب في موريتانيا؛ إذ غدت الثقافة العربية الإسلامية من المكونات الداخلية لتلك الهويات الجماعية ألفة وتوترا. ويؤدي إنكارها في المجتمعات العربية إلى تشوهات كثيرة ولكنها تضعف وتقوى بحسب الواقع الاجتماعي والسياسي بما في ذلك أيديولوجيا الأنظمة الحاكمة ومواقفها".

وبما أنني سوري ومثل كثيرين على طريق التشرد، يهمني الواقع الاجتماعي والسياسي وتأثيره على تنشيط الهويات الجماعية والهوية القومية العربية، وبما أنني أيضا كائن لغوي ناطق بالعربية من حقي أن أسأل.. هل يمكن أن نجد موقفا واحدا من القضية السورية تمثله الجماهير العربية التي شجعت المغرب في مباراتها مع إسبانيا؟ هل نحتاج صراعا أكبر؟ ولكن بما أننا كائنات خيالها جامح سأترك الخيال يجيب.

الصراع العالمي الأخير في أوكرانيا، كان له آثاره في تعزيز مفهوم الهوية الأوروبية "ماديا" في دول الاتحاد، والتي تم التأسيس لها خلال عصر النهضة، وجعل مفهوم أوروبا الواحدة هو الطاغي بما تحويه من تعددية، ورغم أن روسيا أوروبية أيضا لكن المفهوم استثناها. 

في نهاية القرن الثامن عشر، اعتبر جان جاك روسو صاحب "العقد الاجتماعي" أنه "لم يعد هناك أي فرنسيين أو ألمان أو إسبان أو حتى إنكليز.. لا يوجد سوى الأوروبيين"، وفي العصور الوسطى قال الشاعر والمرشد السياسي دانتي أليغيري "بلدي هو العالم كله"، أما أنا كـ "سوري" فأقول: بيتي مدمر وما زلت أبحث عن هوية.