العالم البرتقالي

2018.11.29 | 00:11 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لا نبض للنساء في المجتمعات الميتة سريريًا. بنية النظام السياسي ترسم، إلى حد بعيد، أدوارهن في المجتمع. الكثير من الأنظمة تخصص موازنات سخية لحرسها الجمهوري والوطني وأجهزتها القمعية، لكن، قد يشح التمويل أو يجف، حين يتعلق الأمر بالإنفاق على آليات وبرامج تساعد النساء على نيل حقوقهن الطبيعية في التعليم، الرعاية الصحية، المشاركة في سوق العمل، والتمكين السياسي.

المرأة تشبه نظامها السياسي إلى حد بعيد. اللافت أن معظم الحكومات العربية تعمل على تعميق الفجوة بين الجنسين، وكأن ثمة "استراتيجية عظمى" بإبقائهن بعيدات عن (سوق) المشاركة في الحياة العامة، لضمان تعطيل قدرة "نصف المجتمع"، وإبقائه مشلولًا خارج دوائر الفعل.. 

خداع النساء والرجال على حد سواء بتسمية: وزيرة للثقافة، للشؤون الاجتماعية، رئيسة للبرلمان، لاتغطي جرائم نظام الأسد بحق السوريات طيلة فترة اغتصابه للحكم؛ فالهدف من تسمية سيدة مسؤولة، هو لبيع أوهام العلمانية وحقوق الإنسان، ورشادة الحكم. كيف لنظام مستبد رعاية نهضة نسائية تقود حتمًا إلى ربيع، وهو الذي استثمر، طيلة خمسة عقود، جميع موارده لتذويب الوعي، على أنواعه، جزعًا من أن يتناسل الوعي الاجتماعي وعيًا مكافئًأ له في السياسة. 

رغم أن دستور 2012، الذي أقره نظام الأسد تحت الحراب، ينص في المادة 23: "توفر الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع"؛ إلا أن المشرّع السوري لم يتلق أي إشارة لسنّ تشريعات خاصة بمناهضة العنف ضد المرأة. 

خصص دستور الأسد خمس مواد فقط للنساء والأسرة والحرية والمساواة

في الإجمال خصص دستور الأسد خمس مواد فقط للنساء والأسرة والحرية والمساواة، من إجمالي مواد الدستور البالغة 157 مادة، (مقابل 12 مادة عن صلاحيات رئيس الجمهورية)، في حين أن نساء تونس تستأثرن بتسع مواد من أصل 149 مادة.

كل ما تم إنجازه على هذا صعيد مناهضة العنف ضد المرأة، هو إحداث "وحدة حماية الأسرة (في 2017)، وذلك بهدف حماية وحدة الأسرة السورية وتماسكها من خلال معالجة حالات العنف الواقعة على النساء". الوحدة مصممة لاستيعاب مئة امرأة وطفل، وتتيح الإقامة المجانية بين أسبوع وستة أشهر! على هذا النحو تتم معالجة جزء يسير من النتائج، بعيدًا عن إطفاء مقدمات ذلك العنف.

مناصرة قضايا المرأة تستلزم تبني سياسات وطنية جامعة، تستهدف تعزيز وتنويع مكامن النمو واستدامته، وتحرير طاقات المجتمع وهو مالم يكن يومًا ضمن قائمة أهداف النظام. النمو الوحيد المتاح والمرحب والمعمول به هو العودة إلى الوراء، وعزل السوريين عما يجري خارج حدودهم وإلهائهم بالخوف من المخابرات وبلقمة العيش. 

موقف النظام تجاه "نصف المجتمع" يتجلى في "تحفظه" على بعض مواد تمثل روح اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في  كانون الأول/ ديسمبر 1979، مثل المادة الثانية، وفيها تتعهد الدول الأطراف بـ"تجسيد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية...وإقرار الحماية القانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل، وضمان الحماية الفعالة عن المرأة". ورفع تحفظه - عن خمس مواد - على مرحلتين الأولى في 2002، والثانية في 2017، عن المادة الثانية.

في كل عام تكون السوريات في الداخل السوري، بعيدات عن يوم الخامس والعشرين من تشرين الثاني، فثمة أولويات الأمن والأمان وتأمين متطلبات العيش في أماكن نزوحهن الجديدة. دأبت الأمم المتحدة، منذ عام 2009، على تخصيص ذلك اليوم كـ"يوم برتقالي" لحملتها (اتحدوا- قل لا-) التي تستمر حتى العاشر من كانون الأول/ ديسمبر، تاريخ الإعلان عن حقوق الإنسان. الهدف تحشيد المجتمعات والحكومات للاتحاد وإنهاء العنف ضد المرأة. 

لم يكن نظام الأسد يومًا نصيرًا للمجتمع الذي يحكمه عنوة؛ هذه ليست وظيفته. ولذلك حينما فرضت عليه الثورة السورية امتحان "الشراكة في الوطن" الذي ينهض على المواطنة والمساواة، تكشف انسلاخه المطلق عن أولئك "الشركاء"، وكانت النساء، هنّ الخط الأول الذي واظب على تهشيمه لإطفاء الثورة، عبر عمليات اغتصاب منظم واعتقال وخطف، دون أن يتوقف العنف عند تلك المستويات، أوغل أكثر وقتل ما يتجاوز 27 ألف سيدة. وغيب نحو خمسة آلاف سيدة أخريات في زنازينه. 

العنف ضد النساء بأشكاله الجسدية والنفسية والجنسية، كان استراتيجية يرسمها القتلة الكبار

العنف ضد النساء بأشكاله الجسدية والنفسية والجنسية، كان استراتيجية يرسمها القتلة الكبار، ويشعلون الضوء الأخضر لعناصر الميليشيات المختلفة، للإسراف في تنفيذها. هيومن رايتس ووتش وثقت "استخدام القوات الحكومية العنف الجنسي لتعذيب الرجال والنساء والأطفال المحتجزين"، ودائمًأ يحتل نظام الأسد الصدارة في قتل النساء واعتقالهن وخطفهن ضمن قائمة حلفائه (داعش-النصرة).  

منذ عام 2006 والمنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) يرصد أحوال النساء في أكثر من 140 دولة حول العالم، يتابع أحوالهن عبر أربعة مستويات، تشكل في مجموعها مؤشر (الفجوة بين الجنسين): نسبة المشاركة في أسواق العمل، ونسبة حصولهن على الرعاية الصحية والتعليم مقارنة بالذكور، وإلى أي مدى يشاركن في صنع القرار الوطني.

في ذلك العام كانت سوريا خارج التصنيف؛ وحينما دخلته في 2007 كان ترتيبها 103 عالميًا. ولأن التراجع سمة لـ(سوريا الأسد) غير المعنية بدخول ماراثونات مؤشرات التنمية وجودة الحياة، راح ترتيبها يتراجع عامًا بعد آخر. انتقلت إلى 107 في 2008، و في 2009 إلى 121، وتواصلت سلسلة التدهور بالانتقال إلى المرتبة 124 في 2010 و2011 على التوالي، وفي 2012 انتقلت إلى 132 و133 في 2013 ومنذ ذلك التاريخ، وترتيبها يأتي قبل الأخير بدرجة واحدة فقط، وهي على التوالي (142،142،143،139) بين عامي 2014-2017 . اليمن أسوأ بلدان العالم. لا يوجد دولة عربية ضمن قائمة المئة.

في أدبيات مناهضة العنف ضد النساء قول مأثور: إن العنف ضد النساء ليس قدرًا، إنه ممارسة يمكن إيقافها. بالفعل البلدان التي طورّت مشيئة سياسية لتضييق الفجوة بين الجنسين نجحت في ذلك وحرقت مراحل. مثالها نيكاراغو التي كانت في 2010 في المرتبة 30 وفي 2011 تقدمت إلى 27 وتابعت تقدمها نحو الترتيب لتصل إلى المرتبة التاسعة في 2012. في الإجمال تقدمت من المرتبة 62 إلى العاشرة بين 2006-2017. ممارسة يمكن إيقافها في الأنظمة التي تنبذ العنف. لايمكن للأنظمة التي اغتصبت السلطة عن طريق العنف وبقي أداتها الوحيدة للحكم، أن تُحدث تغييرات حقيقية في واقع النساء. العنف ثقافة وبيئة وينقل بالعدوى. النظام المتوحش يعمل على تصدير وإشاعة قيمه وثقافته بين رعاياه. كل يُنتج ما يُجيد.