الطلاق والحروب والكورونا

2020.05.19 | 00:00 دمشق

syrian-germany.jpg
+A
حجم الخط
-A

كثيراً ما نمر بتاريخ الحربين العالميتين الأولى والثانية، ونحن نمعن النظر فيما دمرته تلك الحروب من مدنٍ، وما قتلت من ملايين البشر، وما خربته من اقتصادات، وقلَّما نعرِّج في تطوافنا هذا، على تداعيات تلك الحرب، وتأثيرها على البنية الاجتماعية لتلك المدن والبلدات، التي شاركت في تلك الحرب الكونية، أو كانت مسرحاً لها.

يشير عددٌ كبيرٌ من الدراسات الإحصائية، إلى أن نسبة الطلاق خلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها، كانت في ارتفاعٍ كبيرٍ وملحوظ، ومع تخفيف القيود الكنسية تدريجياً على مسألة الطلاق، وتنامي قدرة المرأة على الاستقلال الاقتصادي، والاستقرار الفردي خارج مؤسسة الزوجية، وتطور القوانين التي تحمي المرأة، فإن نسبة الطلاق في ازدياد مضطرد لأسباب متنوعة، وبالإضافة لما سبق ذكره فإن الفضاء السبراني، عزز من قدرة الإنسان عموماً والمرأة بشكل خاص، على بناء عالم مختلف وشخصي، مبني على الاختيارات والتفضيلات المستقلة، وأسهم إلى حدٍ كبير في زيادة قدرة المرأة على اتخاذ القرار الصعب، قرار الانفصال عن الرجل والتخلص من سيطرته.

منذ بداية الأزمة السورية، يظهر للمتابع تنامي حجم التداعيات الكارثية لتلك الأزمة على الأسرة السورية، تلك التداعيات التي لا يتم تصنيفها ضمن حقل الجريمة القانونية، إلّا أنها لا تقل عنها خطورةَ، بدءاً من تسرب الأطفال خارج مؤسسات التعليم، وعمالة الأطفال، والتفسخ الاجتماعي العام، وظاهرة العنوسة وفقد الأزواج أو غيابهم، والطلاق الذي ترتفع نسبته بشكلٍ ملحوظٍ، سواء في الداخل السوري، أو في بلدان اللجوء، ولأسباب متنوعة.

ففي بلدان اللجوء الأوربية على وجه الخصوص، حيث تحظى أي سيدة بحقوقٍ تساوي حقوق زوجها، وتحظى بحمايةٍ قانونيةٍ كافية، وبدعم مالي مساوٍ لما يحظى به زوجها، يتلاشى الخوف من فكرة الطلاق، التي قد تلح على الكثيرات منهن، ويعيقها العجز المالي أو الإلزام الاجتماعي، الذي كانت تعيشه في بلدها الأول سوريا، وبالتأكيد فإنَّ الطلاق ليس خروجاً إلى الجنة، لكنه في كثير من الحالات يكون فراراً من الجحيم.

إضافة للحقوق المصونة في حقها، في حضانة أطفالها وتوفير الدعم المالي لحياتهم، لو أنها أقدمت على الانفصال، الأمر الذي كان مفقوداً كلياً في حياتها السابقة، وكم من سيدة بقيت مكرهةً لسنواتٍ، في بيت زوجٍ تعاني فيه من التعنيف وسوء المعاملة، حفاظاً على رعايتها لأولادها، ولسمعة عائلتها.

في مدن اللجوء الأوربية على وجه الخصوص، تصطدم الأسرة بذلك التأثير السلبي للأشهر الأولى، التي تمضيها الأسرة اللاجئة في المبيتات الجماعية، حيث ضيق المكان والبطالة، والإحساس بعدم الاستقرار، كل هذا يخلق بيئةً نفسيةً سيئة، تسهم في الكثير من الحالات بالدفع باتجاه الانفصال.

ما سبق سوقه من ظواهر في المجتمع السوري، في الداخل أو في دول المهجر، ينطبق إلى حدٍ كبيرٍ، على المجتمعات الليبية والعراقية واللبنانية، والمصرية والمغربية واليمنية، والسرد يطول، فظاهرة تفكك الأسرة وارتفاع معدلات الطلاق، ليست حكراً على السوريين أو سمة من سماتهم، إنما هي طبيعة الواقع المأزوم، ونتاج التفكيك العولمي للبنى الاجتماعية، وتجريد المجتمعات الإنسانية من صيغ ترابطها الذاتية، التي تكفل لها حداً من الحماية "العائلة مثلاً" ليغدو الفرد في أي مترٍ مربعٍ من هذا العالم، مجرد برغي متناهي الصغر، في مواجهة أنظمة عولمية مفرطة في تغولها، وإن اختلفت طرائق الإخراج الفني.

وبالنظر إلى ارتفاع نسب الطلاق عالمياً، فإن المؤشرات الإحصائية تؤكد، أن ارتفاع نسب الطلاق في المجتمعات عامةً، إنما هي سمة من سمات العولمة، أو إحدى تداعياتها، فبالقدر الذي يضغط فيه الإلزام الاجتماعي على المرأة بالدرجة الأولى، للتمسك بمؤسسة الأسرة وجعل كل المعاناة التي تعتريها أمراً ثانوياً، فإن الانفتاح والمؤازرة النفسية، الذي تتيحه وسائط التواصل الاجتماعي، يدفع المرأة لأن تكون أقوى بقدرتها على اتخاذ قرار الانفصال، ويمكن أن نلاحظ المجتمع الافتراضي الحميم، الذي خلقته تطبيقات مثل "الفيس بوك" أو "الواتساب" والذي أتاح للمرأة التواصل بشكل يومي، مع عشرات أو ربما مئات النساء، اللائي يحكين قصصهن ويعبرن عن غضبهن، ويقترحن على بعضهن حلولاً، ليست بالضرورة هي الأصلح أو الأحكم، لكنها بكل تأكيد هي الأمضى تأثيراً، لكونها تقدم خطاباً بسيطاً، يزعم من ناحيةٍ أنه يستند إلى تجربةٍ ناجحة، ومن ناحيةٍ أخرى يغازل صبوات مكبوتة في النفس.

تؤكد تقارير منظمة الصحة العالمية، أن ثلثي نساء العالم يتعرضن للعنف، والضرب من أزواجهن، وفي كتابه "المرأة بحث في سيكولوجية الأعماق" يؤكد الفرنسي بيير داكو "أن المرأة في العالم الغربي أشد اضطهادا منها في المجتمعات الشرقية، إلّا أن الفخ هناك مخفي بإحكام".

خلاصة القول إن أشكالاً غاية في التنوع، والتي يجمعها شيوع العنف والاستغلال، الذي تتعرض له المرأة في هذا الكوكب، مع توفر بعض الحماية القانونية والقدرة على الاستقلال الاقتصادي، ستفضي بالضرورة، إلى شيوع حالات الانفصال والتي تشكل خلاصا من فضاءات سيئة، لكنها بكل تأكيد ليست حلاً أمثلاً، لاستمرار مجتمعات سوية.

وإن كان هناك بصيص أملٍ في تغير هذا الواقع الرديء، فإنه يكمن في تطوير القوانين التي تحمي المرأة عامةً، من كل صنوف العنف والاستغلال، وتعزيز سلطة تلك القوانين.

ولا تخفى في هذا السياق، الآثار الملحوظة لتفشي فيروس الكورونا، في ارتفاع معدلات الطلاق، مقارنةً بما كان عليه قبل انتشاره، وأن الأزواج يقدمون على خطوة الطلاق بسبب النقاشات الحامية التي تدور فيما بينهم، وقد لوحظ ارتفاع نسب الانفصال في الصين، وهناك توقعات بكوارث عائلية في بريطانيا وأميركا وتركيا بعد هذه العزلة المنزلية.