الطرق الدولية أم القضية السورية؟

2020.03.19 | 23:02 دمشق

download.jpg
+A
حجم الخط
-A

مع إطلالة الذكرى التاسعة لانطلاقة الثورة السورية، يزداد المشهد السوري قتامةً، ويزداد مسار القضية السورية تشعّباً، بسبب ازدياد وطيس صراع المصالح الدولية والإقليمية على الأرض السورية من جهة، وبسبب الغياب الكلّي لأي دورٍ وطني سوري فيما يجري من جهة أخرى، وكلّما تقادم عهد الثورة، غابت ملامحها الوهّاجة، وانزوت أهدافها الناصعة، لتتتصدّر واجهتها قضايا وأحداث لم تكن من صميمها ولا من أجنداتها في يوم من الأيام، فبعد الحديث عن عملية الانتقال السياسي وحق السوريين في التغيير الديمقراطي، انحرف المسار نحو أستانا، وتشاغلت جميع الأطراف النافذة في الشأن السوري بملهاة ( اللجنة الدستورية)، وعندما وصلت إلى طريق مسدود، كما هو مُتَوقَع، باتت اليومَ مسألة السيطرة على الطرق الدولية ( حلب – دمشق – اللاذقية ) هي الشغل الشاغل للأطراف ذاتها.

مع إطلالة الذكرى التاسعة لانطلاقة الثورة السورية، يزداد المشهد السوري قتامةً، ويزداد مسار القضية السورية تشعّباً

لعل التدافعات السياسية والعسكرية بين تركيا وروسيا منذ السابع والعشرين من شباط الماضي وحتى الآن، حول أحقية كل طرف بالسيطرة والنفوذ على تلك الطرق، جعلت البعض يعتقد أن مَن يظفر بالسيطرة عليها، سوف يظفر بالتحكّم بمفاصل التجارة العالمية، في حين أن واقع الحال يشير إلى أن أهميّة تلك الطرق، في ظل تقطّع أوصال الجغرافية السورية، نتيجة لتقاسم النفوذ الدولي، وكذلك نتيجة للحصار الأمريكي على نظام الأسد، تكاد تكون معدومة الأهمية من الناحية الاقتصادية، بل تكاد تنحصر أهميتها بالجانب الحربي، وقد تمكّن بوتين من تجاوز العقبات الميدانية على الأرض، من خلال طائراته التي تحمل حمم الموت وتطوف بها في الأجواء السورية، لتقذف بحمولتها الجهنمية على رؤوس من تشاء من السوريين.

فحتى نيسان من العام 2019 ، كانت فصائل المعارضة تُحكم سيطرتها على القسم الأعظم من طريق حلب دمشق، وتوازياً مع انعقاد لقاء أستانا الرابع عشر،تمكّنت قوات النظام مدعومةً من الروس، من السيطرة على عدد من المدن والبلدات الهامة المحاذية للطريق ( ريف حماة الشمالي – خان شيخون)، وبعد أشهر لم تخل من عمليات القضم التي لم يتوقف نظام الأسد عن ممارستها، ها هو بوتين يعلن عن تجاوز ممارسة دبيب النمل، ليتحول إلى القفز، فتصبح أهم مدينتين على طريق حلب – دمشق ، تحت سيطرته، وأعني معرة النعمان وسراقب، فضلاً عن العشرات من البلدات والقرى الأخرى في ريف إدلب الجنوبي، تزامناً مع اجتياح العديد من البلدات والقرى في ريف حلب الغربي.

السيطرة على الطرق الدولية لعبة روسية يريد لها بوتين أن تغدو هدفا عسكريا إستراتيجياً بأعين خصومه، بينما هي في حقيقة الأمر هدف موهوم، ولو كانت هدفاً  نهائياً بالنسبة إليه، لكانت المسألة قد حُلّت وانتهت منذ زمن، بفضل التفاهمات التي أُبرمت بين الروس والأتراك منذ ربيع العام 2018 .

ما يريده الروس هو أمر في غاية الوضوح، ولم يك يعتريه أي غموض، لا سابقاً ولا لاحقاً، ولكن يبدو أن الضامن التركي، لا يوجعه ما يوجع السوريين، وما هو أولوية عند السوريين، ليس هو كذلك لدى تركيا، ولعلّ فهمَ هذه المعادلة ليس بالأمر الصعب، إلّا أن مكمن الصعوبة في القدرة على إدارة المصالح من قبل أصحابها، ولئن كان الطرفان الفاعلان في إدارة الصراع (تركيا – روسيا) يدركان ما يريد كلٌّ منهما بدقة، وبناء على هذا الإدراك تتحرك بوصلة المواجهات العسكرية والسياسية، فإن الفراغ الذي ينطوي على الدهشة والحيرة والخذلان بآن معاً، إنما يكمن في معرفة ما يريده السوريون – أصحاب الأرض والقضية – إذ لقد أدّى التصعيد الروسي منذ شهر تشرين ثاني 2019 ، وحتى نهاية شهر شباط 2020 ، إلى نزوح ما يقارب المليون مواطن، بعد أن اقتحمت قوات نظام الأسد بلداتهم وقراهم ومدنهم، وجاء لقاء الخامس من آذار الجاري في موسكو بين الرئيسين ( أردوغان وبوتين) الذي تمخض عن هدنة غامضة التفاصيل، إلّا أن هذا الغموض بدا يتكشف رويداً رويداً، وكان أهم ما تمّ الإفصاح عنه والمبادرة إلى تطبيقه، هو قيام دوريات مشتركة روسية – تركية، على طريق m4 ( حلب – اللاذقية)، في حين ما تزال العديد من التساؤلات الممزوجة بالخوف مطروحة دون جواب، ولعلّ أبرزها:

1 – هل مازالت المطالب التركية بعودة قوات النظام إلى حدود اتفاق سوتشي قائمةً، أم أن اتفاق الخامس من آذار قد أُبرمَ بناء على المعطيات الميدانية الراهنة؟

2 – ما مصير النازحين ( المليون) الذين أصبحت بلداتهم وقراهم تحت سيطرة قوات الأسد، ولئن ورد في مقدمة الاتفاق الروسي التركي إشارة إلى ضرورة عودة هؤلاء إلى بيوتهم، فكيف ستكون هذه العودة آمنة؟

3 – إن الضفة الجنوبية لطريق m4 ، والتي ستكون خاضعة للإشراف الروسي بحسب الاتفاق آنف الذكر، تضم ما يقارب الستين بلدة وقرية، أي معظم بلدات وقرى جبل الزاوية، فما هو مصير سكان هذه البقعة الجغرافية التي ستؤول للسيطرة الروسية؟ وهل من ضامن بعدم دخول قوات النظام إلى هذه المناطق؟ وهل ستكون ضمانة الشرطة العسكرية الروسية كضمانتها حين دخلت حلب الشرقية، ودرعا ؟.

السيطرة على الطرق الدولية لعبة روسية يريد لها بوتين أن تغدو هدفا عسكريا إستراتيجياً بأعين خصومه

وإن كنا لا نجد إجابات صريحة من مصادر رسمية للأطراف الفاعلة في الصراع، إلّا أننا نجد الكثير مما نبحث عنه فيما يقوله الروس جهاراً: ( وحدة وسيادة الدولة السورية) والتي تعني – وفقاً للروس – أحقية نظام الأسد بالسيطرة التامة على كامل الجغرافية السورية، ولا أعتقد أن الجانب التركي يعترض – من حيث المبدأ – على ذلك، ولكنه يريد ان لهذه السيطرة – إن كان لا بدّ منها – أن تأخذ بعين الاعتبار، المصالح التركية، كما يريدون أن تكون أي إعادة انتشار لجيش النظام في الشمال السوري مقترنة بالتنسيق مع الجانب التركي، عبر الوسيط الروسي.

ربما كان لتركيا كامل الحق والمشروعية بالدفاع عن أمنها ومصالحها، طالما أن واقعها الجغرافي أوجب عليها أن تتحمّل المزيد من التداعيات الإنسانية لما جرى ويجري في سوريا، فضلاً عن كونها ليست الدولة الوحيدة ذات الوصاية على قضية السوريين، إلّا أن ممارسة هذا الحق المشروع سيعتريها الكثير من الخلل حين يغيب أصحاب الأرض عن المعادلة، وهنا يتوقف الحديث عما تريده تركيا، ويبدأ الحديث عمّا يريده السوريون.

كلمات مفتاحية