الطاغية والشرّ المطلق: بوتين من سوريا إلى أوكرانيا

2022.05.07 | 07:02 دمشق

622dcf04c037f_araw-780x470.jpg
+A
حجم الخط
-A

تختلط الصور القادمة من أماكن الحروب، إلى درجة الالتباس بشأن مصدرها. أستطيع القول إن صور الدمار الهائل، والضحايا في الشوارع، والمجازر، والتهجير، التي تصل إلينا من أوكرانيا، تشبه كثيرا صور الأحداث في سوريا. أدوات التدمير والقتل هي نفسها، والمجرم هو نفسه.

ما بين سبتمبر 2015 وفبراير 2022، ليس عددا من السنوات المجردة فحسب. إنها سنوات من الخديعة والشر الكامن في سياسات قيصر الكرملين، الذي أصبح العالم ينظر إليه كشيطان أكبر، أشد خطورة على العالم من "الخميني" وكذلك "هتلر، وموسوليني". وربما يمكننا القول إن "البوتينية" تعني اليوم: الخراب الشامل. فهو مزيج من تلك الشخصيات الثلاث، بالغة الإجرام في تاريخنا المعاصر.

ربما لا يتذكر أحدٌ في العالم، على وجه الدقة، أن بوتين قد بدأ بالتدخل الروسي العسكري، ضد السوريين، في سبتمبر من العام 2015، دعماً لنظام الأسد، في مواجهة الانتفاضة الشعبية، التي تطالب بالحريات السياسية والاجتماعية، وحق التعبير، والمشاركة في بناء الدولة المدنية، وفي تداول ديمقراطي للسلطة. وحين كنا – كسوريين – نكتب ونتحدث في المؤتمرات، وعبر وسائل الإعلام، ونوجه رسائلنا ومناشداتنا إلى العالم الحرّ، بأن ما يحدث في سوريا، هو جرائم حرب، وإبادة جماعية منظمة، فإن أحداً في العالم، لم يكن ليهتم. هل كان المجتمع الدولي لا يريد أن يسمع أصوات الضحايا، وأنه لا يريد أن يرى حقيقة بوتين، وهذا ما سبب لنا كمواطنين سوريين نعاني من جرائم الأسدية – البوتينية، مرارة وآلاماً لا يمكن نسيانها.

كانت روسيا وإيران – ولا تزالان - تدعمان الأسد في استخدام العنف، والقوة المسلحة المفرطة ضد المدنيين، وهما شريكتان حاميتان له، تقدمان السلاح والمال والحماية السياسية الكاملة في مجلس الأمن.

سبع سنوات، كان العالم يغفو على وهم القدرة الكامنة لدى دول الأطلسي جميعها، بأنها تمتلك قوة الردع. وأنها تقود العالم، وتحافظ على استقراره وسلامة أمنه، وأن الهدف دائماً، يجب أن يبقى هو محاربة الإرهاب الذي يأتي من المنبع الكبير: الشرق الأوسط.

الصدمة والمشاعر الباردة

ثمة قناعة كبيرة، بأن الغزو الروسي لأوكرانيا، شكل صدمة للمجتمع الدولي، وحكومات العالم. وفي اعتقادي إن ذلك فيه قليل من الصواب، ولكن كثير من المبالغة. يتذكر الجميع جيدا، تصريحات الرئيس بايدن، وقادة دول الاتحاد الأوروبي، التي تحذر – بصرامة، وبوضوح تام – موسكو من مغبة القيام بغزو أوكرانيا. كان التعبير المستخدم هو "الغزو" وليس العدوان، أو التدخل الروسي. وكانت أجهزة المراقبة الدولية نشطة للغاية، في رصد كل شئ في روسيا، وعلى الحدود الأوكرانية، وبصورة خاصة قبل عدّة أشهر. لكن التهديد بالعقوبات، لم يكن له أي تأثير في تغيير قرار بوتين بغزو أوكرانيا. في الوقت الذي كانت فيه المشاعر جامدة بشأن سوريا، وبدرجة ما، باردة حيال الغزو الوشيك والمحتمل لأوكرانيا.

إذن، كيف للصدمة، أن تولد من الترقب؟ ربما كانت الاستهانة بقدرات بوتين، هي واحدة من أسباب الصدمة. فهو ديكتاتور، مستبد، وطاغية يعمل من أجل روسيا قيصرية جديدة، وهو لا يحلم فقط! لم يكن من الواجب أن يُنظر إليه كشريك دولي إيجابي. لدى موسكو سجّل حافل بعدم احترام القوانين الدولية، والقواعد الإخلاقية، للمجتمعات المتمدنة.

مجازر بوتين وجرائمه في سوريا

تدفق اللاجئين نحو الحدود البولندية، كان مرعباً للعالم! ولم تتأخر صور المجازر في الدخول إلى كل بيت، وفوق طاولة كل زعيم. بوتشا، كانت مجزرة مروعة بحق. ولكن يتوجب القول، لو أن العالم كان جاداً في تحذيراته لموسكو، ويمتلك الآليات الفعّالة لردعها، لما كنا نشاهد اليوم صور المجازر البشعة، والضحايا المدنيين في كل مكان، من المدن والأرياف الأوكرانية.

لقد استيقظ العالم، إذن! وأضحت المقارنة، بين ما تقوم به روسيا في سوريا، ضرورية لفهم الجنون الإجرامي للرئيس بوتين. بكل بساطة، ثمة درس كبير، قدمه الروس، ولكن المجتمع الدولي لم يأخذه على محمل الاهتمام والجدية كما يجب. سنوات التدخل الروسي في سوريا، هي بمنزلة التدريب عالي المستوى، ليس من أجل غزو أوكرانيا فحسب، ولكن أيضاً، لصعود الدب الروسي، نحو أهدافه، بالطريقة التي يريدها، في مواجهة العالم، دون خوف، أو اعتبار للسلم العالمي!

لقد نفذت القوات الجوية الروسية، عمليات عسكرية نوعية، وبتقنيات عالية جداً، اكتسب فيها القادة، والطيارون، وضباط الحرب، خبرة مهمة، بعد سنوات من سقوط الاتحاد السوفييتي. لا يمكن مقارنة العمليات الروسية في الشيشان وأفغانستان، بما قامت به في سوريا، وما يحدث اليوم في أوكرانيا، هو خلاصة لتلك التجارب، والتي اكتسبت بها روسيا خبرة واسعة في الإبادة الجماعية. ولم تكن موسكو، تخفي أنشطتها في تطوير وتحديث أسلحتها وقواتها. ففي مايو 2021 صرّح بوتين بأن الجيش الروسي، جرّب أحدث الأسلحة التي يمتلكها، وأثبت أن مواصفات هذه الأسلحة فريدة. وقبل غزو أوكرانيا بنحو ستة أشهر أعاد شويغو وزير الدفاع الروسي، تأكيده بأن القوات الروسية جرّبت أكثر من 320 نوعا من مختلف الأسلحة في سوريا. هذه مؤشرات مهمة جداً لصنّاع القرار في العالم، ولقادة الرأي العام، لم يجرِ  استثمارها بجدية!

الخطوط الحمر.

إن تهديد السلم العالمي، من أجل إشباع رغبات أنانية يحركها الجنون، لبلوغ العظمة، في دولة هشّة من الداخل، هو أمر يمكن توقعه من طرف دولي، مثل روسيا، والتي يزدان تاريخها المعاصر، بانتهاكات صارخة ومتعددة للقوانين الدولية، وللحقوق والحريات. ولم تكتف بذلك، وإنما شجعت دولاً على القيام بذلك، ومنحتها غطاء سياسيا، وعسكرياً للحيلولة دون المحاسبة والعقاب الدولي.

إن دولة مثل روسيا، عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، من واجبها حماية السلم العالمي. لكنها على النقيض من ذلك، تعتبر اليوم واحدة من أشد بلدان العالم خطورة، ومساندة للديكتاتوريات الدامية في العالم.

في الحالة الأوكرانية، لم تأبه موسكو للتحذيرات الدولية، التي رأت في أي عدوان روسي هو خط أحمر. ولكنها في الحالة السورية، ساعدت نظام الأسد في تجاوز جميع الخطوط الحمر، التي حددتها إدارة أوباما – آنذاك - وكذلك الأمم المتحدة.

في قضية استخدام السلاح الكيمياوي ضد المدنيين السوريين، حاولت التأثير على نتائج التحقيقات الدولية، وتزوير الأدلة. وفي ظل الدعم الروسي، استخدم نظام الأسد الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين 17 مرة بين عامي 2013- 2019. وقد أثبتت تحقيقات منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية، مسؤوليته التامة في ذلك. وعلينا ألاّ ننسى أن مصدر السلاح هو روسيا، ولا يمكن لقوات الأسد، أن تستخدم أي سلاح استراتيجي من دون موافقة موسكو!

عام 1982 ارتكب حافظ الأسد وشقيقه رفعت الأسد مجزرة حماه الشهيرة، والتي نتج عنها 40 ألف ضحية، تمّت بأسلحة روسية، وبغطاء سياسي وأمني سوفييتي آنذاك. وبالمقابل، لم تسمح موسكو لدمشق استخدام صواريخ جو – جو ضد الطائرات الإسرائيلية، عندما قامت الأخيرة بغزو لبنان في حزيران 1982. هذا مجرد مثال فقط. إذن المسؤولية عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، هي مشتركة بين موسكو ودمشق، وطهران بالطبع.

المسؤولية الروسية – السوفييتية عن جرائم الحرب والإبادة المنظمة، يشير إليها بوضوح مقال الغارديان حول مجزرة التضامن: أجهزة المخابرات، والمجموعات العسكرية الخاصة، والجيش، تلقوا تدريبات مهمة من موسكو، وخاصة في العهدين السوفييتي والروسي.

من حلب إلى بوتشا: أوجه التشابه

مضى الآن أكثر من شهرين على الغزو الروسي، وكان واضحاً منذ البداية، حجم الدمار الذي خلفته العمليات العسكرية الجوية، في أماكن كثيرة من أوكرانيا. بوتشا، أضحت اليوم رمز المدن والأحياء التي دمرها بوتين، وقتل المدنيين فيها بوحشية لم نشهد لها مثيلاً سوى في مدينة حلب، والتي دمرها عام 2016. وقد أعاد بوتين تطبيق استراتيجية التدمير والقتل عبر السلاح الجوي، بأسلحة وذخائر فتّاكة شديدة الفاعلية. كما دفع بالطيارين والضباط الذين دمروا سوريا، ليقوموا بتدمير أوكرانيا، وعيّن مؤخراً الجنرال دفورنيكوف المعروف باسم "جزار سوريا" قائدا جديداً لعمليات الغزو في أوكرانيا.

أوجه التشابه، تكاد تكون متطابقة. تدمير الأحياء السكنية، تهجير الناس، تدمير البنى التحتية الأوكرانية، بما فيها مرافق المياه والكهرباء، المشافي والمطارات والمدارس، وإحراق المزارع، ومنع وصول الإمدادات الإنسانية للسكان المحاصرين.

ذلك ما فعلته - أيضاً - قوات بوتين في سوريا. خلال خمس سنوات، ارتكبت 182 مجزرة موثقة، ودمرت 70 مشفى ومركزاً طبياً، واستهدفت مخيمات اللاجئين 23 مرة.

نحن بحاجة لسرد هذه الأرقام، وللتذكير بالصور، لكي نقدّر حجم الكارثة البوتينية على المجتمع الدولي. إذ ليس في حسابات موسكو العمل على تعزيز التعاون الدولي، وإحلال السلام. وقد تمكنت حتى اليوم من تعطيل الجهود السياسية من أجل الحل في أوكرانيا، وما تزال تقوم بالشيء نفسه في سوريا منذ عشر سنوات.

يمكننا أن نقول، بأن موسكو تجرأت على غزو أوكرانيا، لأنها لم تخضع لأي مسائلة دولية، عن دورها وجرائمها في سوريا. وإذا لم يستطع المجتمع الدولي فرض وقف العدوان على أوكرانيا، وإجبار موسكو على الانسحاب لحدود ما قبل 24 فبراير، فإنها سوف تظل تشكل خطرا على دول الجوار، وخاصة دول البلطيق. وسوف يصبح من الصعب – خاصة مع خسائر روسيا الكبيرة -  إخراج الخنجر المسموم، من قلب أوروبا.