الضفة الغربية عشية تطورات أمنية جديرة بالمتابعة

2021.10.08 | 06:02 دمشق

2021-09-26t112507z_2000307972_rc2lxp9c2rnr_rtrmadp_3_israel-palestinians-violence.jpg
+A
حجم الخط
-A

تطورات متلاحقة تشهدها الضفة الغربية المحتلة تمثلت آخرها بوقوع عدد من الاشتباكات المسلحة بين مسلحين فلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، بجانب عملية خلاص الأسرى الفلسطينيين الستة من سجن جلبوع الإسرائيلي، وما أحدثته من دور كبير في ضخ جرعات كبيرة لمشروع المقاومة في الأراضي الفلسطينية عموماً، وهذه أحداث لم تشهدها الضفة الغربية إلا مرات قليلة خلال السنوات الماضية، مما أثار كثيراً من التساؤلات حول من يقف خلف هذه الاشتباكات، وأسبابها، ودورها في التحضير لاندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة.

ليس سراً أن جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين يمارسون أبشع الانتهاكات والخروقات لحقوق الفلسطينيين، سواء مصادرة الأراضي، وحرق الحقول، وهدم المنازل، وصولا إلى حملات الاعتقالات اليومية، والاستدعاءات الأمنية، وانتهاءً بتنفيذ عمليات إعدام ميدانية ضد عشرات الفلسطينيين، ولأتفه الأسباب وأقل الشبهات، حتى وصل الأمر بقائد جيش الاحتلال أفيف كوخافي لإصدار أوامره لضباطه الميدانيين بالتشديد في تعليمات إطلاق النار، وعدم جعل أصابع جنودهم "رخوة" في الضغط على الزناد، طبعا ليس حرصا على دماء الفلسطينيين، وصونا لحياتهم، ولكن عقب تزايد الضغوط الدولية، في ظل تصاعد أعداد الشهداء الفلسطينيين في الضفة الغربية أمام حواجز الاحتلال ومواقعه العسكرية.

لم يكن ممكنا للفلسطينيين، لا سيما فصائل المقاومة الملاحقة في الضفة الغربية، أن يبقوا مكتوفي الأيدي إزاء هذه الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية، صحيح أنهم لا يملكون كثيرا من الوسائل والإمكانيات في ظل ما تقوم به السلطة الفلسطينية بالتعاون مع جيش الاحتلال من ملاحقة أمنية مكثفة لأي نواة عمل مقاوم في الضفة الغربية، لكن في الوقت ذاته، كان من الصعب عليها أن تبقى صامتة، ولذلك فقد بدأت بعض هذه البنى المسلحة بالعمل بجهود ذاتية، يمكن القول إنها أقل من صفرية، حتى تكونت لديهم شبه حالات عسكرية، بعيداً عن التنظيم الهرمي المتعارف عليه.

شكلت الاشتباكات الأخيرة في الضفة الغربية، وما أسفرت عنه من ارتقاء عدد من الشهداء، واستخدام أسلحة نارية، واستمرار هذه الاشتباكات ساعات طويلة، عن صدور تقييمات إسرائيلية قلقة من تنامي هذه البنى العسكرية الفلسطينية في الضفة الغربية، رغم انتهاج ما تعرف باستراتيجية "جز العشب" التي تنفذها قوات الاحتلال والسلطة الفلسطينية ضد المقاومة، وباتت المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية تطرح تساؤلات جادة حول جدوى سياساتها تلك ضد الفلسطينيين، بدليل أنهم استطاعوا أن يشكلوا بعض الخلايا المسلحة تحت سمع وبصر الرادار الإسرائيلي.. فكيف حصل ذلك إذن؟

يصعب التماهي مع التقديرات الإسرائيلية حول وجود بنى عسكرية فلسطينية متكاملة في الضفة الغربية، لأنها قد تصدر بغرض التضخيم للضغط على الجيش والمخابرات لممارسة مزيد من الضغط على الفلسطينيين من جهة، ومن جهة أخرى يصعب أيضا نفي هذه التقديرات على اعتبار أن الحديث يدور عن شؤون عسكرية سرية بالطبع، وبالتالي لا يعلم بحقيقتها سوى أصحابها أنفسهم، فقط، وليس سواهم.

في الوقت ذاته، أثبتت تجارب الماضي أن المقاومة الفلسطينية تمتلك إمكانيات وقدرات ذاتية بعيدة عن التنظيم والتأطير المتعارف عليه، تجعلها تخرج من تحت الرماد، وتقوم بتشكيل نفسها وبناها وخلاياها، وتعيد تموضع نفسها بسرعة نسبية، ولعل ما حدث عشية اندلاع انتفاضة الأقصى التي نحيي ذكراها السنوية الحادية والعشرين هذه الأيام خير مثال على ذلك، فقد كان مئات المقاومين معتقلين في سجون السلطة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، وليس لديهم أي طرف خيط يربطهم ببعض، ولكن ما إن اندلعت الانتفاضة حتى استغرق الأمر فقط بضعة أسابيع لعودة المقاومة في أقوى صورها وتشكيلاتها وأدائها اللافت.

اليوم، لم تعد الضفة الغربية التي تعاني الأمرين وحدها، فالتقارير الإسرائيلية التي لم يتم التأكد منها تزعم أن المقاومة في قطاع غزة ومناطق أخرى تشكل لنظيرتها في الضفة الغربية "أنبوب الأوكسجين" الذي تتنفس من خلاله: مالاً وتدريباً وتجهيزاً وإمداداً، الأمر الذي يختصر على المقاومين هناك نصف الطريق، ويحرق أمامهم مسافات طويلة كي لا يبدؤوا من الصفر، وهذا تحدٍ حقيقي أمام منظومة الاحتلال والسلطة الفلسطينية، وجدت بعض آثاره في الاشتباكات الأخيرة التي أقلقت مضاجعهما معاً، ويا للمفارقة فعلا!

أثبتت تجارب الماضي أن المقاومة الفلسطينية تمتلك إمكانيات وقدرات ذاتية بعيدة عن التنظيم والتأطير المتعارف عليه، تجعلها تخرج من تحت الرماد

يتحدث الواقع الجغرافي القائم في الضفة الغربية عن شبكة أهداف تبدأ ولا تنتهي يمكن استهدافها من قبل خلايا المقاومة، في حال تم تشكيلها فعلا، لعل أهمها انتشار مئات الحواجز العسكرية في مناطق مختلفة من الضفة الغربية، بجانب عشرات المستوطنات والبؤر الاستيطانية، والطرق الالتفافية التي تسلكها مركبات المستوطنين، وهي مواقع في معظمها ثابتة يسهل استهدافها، رغم أن الأمر ليس بهذه البساطة في ظل ما يتخلل أي تحضير لعملية عسكرية مقاومة من تجهيزات، تتطلب بالأساس بيئة أمنية مواتية، ليست موجودة بالمرة في الضفة الغريبة.

ربما يجدر الربط بين هذا الواقع المتنامي للمقاومة في الضفة الغربية من جهة، والبيئة السياسية الفلسطينية التي تشهد حراكا متلاحقا منذ أشهر من جهة أخرى، وتعطي في معظمها مؤشرات متصاعدة على انتكاسات تمنى بها السلطة الفلسطينية من حين لآخر، سواء بعد إلغاء الرئيس محمود عباس للانتخابات العامة خشية من خسارة متحققة له ولفريقه، مرورا بالملاحقة السياسية الفجة للمعارضين السياسيين، ومشاهد السحل في الشوارع للناشطات النسويات، وما حصل بينهما من اغتيال سياسي مكتمل الأركان بحق المعارض نزار بنات، مما ساهم بدوره في وصول شعبية السلطة الفلسطينية إلى أدنى مستوياتها، وفي الوقت ذاته تزايد الدعوات الفلسطينية بتنحي عباس وإقالته.

"وإذا كانت الأشياء تعرف بضدها"، فإن الصحوة التي تشهدها المقاومة في الضفة الغربية من جهة، والتراجع المريع الذي تعيشه السلطة الفلسطينية من جهة أخرى، وحالة الترقب الإسرائيلي لهذين الوضعين معاً، وفي آن واحد، من جهة ثالثة، يدفعنا بكثير من الثقة للحديث عن حقبة جديدة قد تكون الضفة الغربية بصدد استقبالها في قادم الأيام، لا أحد يعرف تفاصيلها الدقيقة واليومية، لكن مشهدها العام باتت تتجسد بعض معالمه الأساسية من خلال استقراء وقائع الفترة السابقة والحالية، وإنا لمنتظرون!ِ