الصيادون السوريون يرمون شباكهم إثر خسارة البحيرات وتلوث الفرات

أحد الصيادين السوريين اليائسين على ضفة نهر الفرات

2023.07.28 | 15:38 دمشق

آخر تحديث: 28.07.2023 | 15:38 دمشق

نوع المصدر
Al-Monitor - ترجمة: ربى خدام الجامع

حول أكبر بحيرة اصطناعية للمياه العذبة في سوريا، يخبرنا الصيادون هناك بأن إنتاجهم اليوم بات أقل بكثير مما كان عليه بسبب المشكلات البيئية التي جعلت الأحياء النهرية تنفق.

إذ جلس إسماعيل هلال، 50 عاماً، على طرف قاربه المزود بمجاديف، والذي أصبح اليوم راسياً بشكل دائم عند ضفاف بحيرة "الثورة"، في الوقت الذي أخذت فيه موجات لطيفة تترقرق، وهو يحدثنا عن أسلوب الحياة الذي بات يفتقده اليوم.

بعد عمله بالصيد لمدة 37 عاماً، ألقى هذا الرجل شباكه أرضاً معلناً هزيمته بعدما ضعفت الثروة السمكية، وتراجع منسوب المياه، وازدادت حدة التلوث في نهر الفرات وبحيرة السد التي يغذيها.

 

سمكة نافقة عند شواطئ الفرات

يعلق هلال، وهو أب لسبعة أولاد، فيقول: "أمضيت كل حياتي في الماء، مذ كنت طفلاً، لكني اضطررت للتوقف خلال هذا العام، إذ لم يعد بوسعي أن أعيش على الصيد".

شهدت سوريا حرباً امتدت لأكثر من عقد، تحولت فيها مدينة الرقة إلى عاصمة لدولة لتنظيم الدولة إلى أن طُرد من المنطقة في عام 2017.

تعاني سوريا من تبعات التغير المناخي، بدءاً من درجات حرارة مرتفعة للغاية خلال الصيف، وصولاً إلى امتداد الجفاف لفترات طويلة.

تضرر جريان الماء في نهر الفرات الذي يعتبر أحد أهم الأنهار الكبرى في المنطقة، والذي أقيمت حوله أولى الحضارات في العالم، بسبب الجفاف وازدياد عدد السدود التي أقيمت على مجراه.

 

أحد الصيادين السوريين وهو يلقي شباكه في نهر الفرات

أنحى صيادو سمك آخرون باللائمة أيضاً على تراجع منسوب مياه النهر، وندرة الأمطار، وسوء حالة التلوث، والصيد الجائر، وذلك فيما يتصل بالتراجع الحاد في الثروة السمكية، ويخبرنا هلال بأن الصيادين اليوم: "بالكاد يحصّلون 5%" مما كانوا يصيدونه في السابق.

حالياً، يعمل هلال في مطعم بمدينة الطبقة القائمة على الطرف الشرقي للبحيرة، حيث يكدح طوال النهار أمام فرن متوهج الحرارة وهو يعد السمك ويشويه بدلاً من أن يصطاده.

دوامة تشد الوضع نحو الأسفل

طفل سوري وهو يحمل سمكة اصطيدت من نهر الفرات

 

يقال بأن نهر الفرات كان يمر بجنة عدن التي ورد ذكرها في الكتب المقدسة، إذ يبلغ طوله 2800 كم، ويجري في كل من تركيا وسوريا والعراق ومنها يصب في البحر.

فمن الحدود التركية، يتدفق الفرات نحو الجنوب الشرقي ليدخل سوريا ويروي المنطقة التي كانت سلة الخبز في البلد، ويملأ بحيرات صناعية أقيمت خلف ثلاثة سدود تؤمن مياه الشرب والكهرباء للملايين من الناس.

تعتبر بحيرة "الثورة" أكبر بحيرة صناعية في سوريا، فهي تمتد على مسافة 600 كم مربع، إلا أن منسوب مياهها انخفض بنسبة أربعة أمتار منذ العام الفائت، بحسب ما ذكرته منظمة PAX الهولندية المعنية ببناء السلام، وأنحت باللائمة في ذلك على دوامة الجفاف ونقص المياه.

 

أحد الصيادين السوريين وهو يمسك بشباكه التي رماها في نهر الفرات

 

ثم إن قلة المياه وازدياد التلوث تسببا بخسارة أكبر في التنوع البيئي داخل الأنهار والبحيرات في الشمال السوري وفي المنطقة الشرقية، بحسب ما أوردته منظمة ويم زويجنينبورغ  Wim Zwijnenburg.

لم يهطل من الأمطار في الرقة أكثر من 208 مم بالشهر خلال السنة الماضية، وذلك بحسب ما أعلنته منظمة الأغذية والزراعة لدى الأمم المتحدة، وقد شاهد فريق من وكالة فرانس برس زار بحيرة "الثورة" ظهور أوراق كبيرة للطحالب، في مؤشر واضح على التلوث بحسب ما أورده الخبراء، لكونها تمتص الأوكسجين من الماء وتتسبب بنفوق الأحياء المائية.

وضع كارثي

صيادون سوريون على ضفاف الفرات

 

عندما سحب الصياد ابن الصياد علي شبلي، 37 عاماً، شباكه الخضراء الطويلة، أتت خاوية إلا من قطع صغيرة من الأعشاب البحرية التي أصبحت تحجب الأجزاء الضحلة من النهر اليوم، وهذا ما دفعه للقول: "في الماضي، كنا نصطاد 50 كيلوغراماً من السمك يومياً، أما اليوم فبالكاد نحصل كيلو أو اثنين، وفي بعض الأحيان لا نحصل شيئاً.. بسبب انخفاض منسوب المياه والتلوث".

يخبرنا شبلي الذي يسعى جاهداً ليعيل زوجته وأولاده الثلاثة ووالده المريض بأن تراجع الثروة السمكية جعل وضع عائلته كارثياً على حد تعبيره، ولقد أثرت الأزمة على اقتصاد البلد بأكمله.

أصبحت الأسماك تعرض للبيع فوق قطع من الثلج في أسواق مدينة الرقة التي تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد".

 

أسماك معروضة للبيع فوق قطع الثلج في مدينة الرقة 

 

بيد أن تاجر السمك راغب إسماعيل، 45 عاماً، يخبرنا وهو ينظف الأسماك على منضدة بأن العرض اليوم أصبح أقل بكثير مما كان عليه في السابق عندما كان السمك يباع بالأطنان، ويعلق على ذلك بقوله: "اليوم لم يعد يعرض أكبر تاجر للأسماك أكثر من 200 كيلو غرام من السمك وذلك بسبب الجفاف ونقص المياه وارتفاع درجات الحرارة"، ثم يقول لنا وهو محبط أشد الإحباط بأن لديهم اليوم الكثير من الزبائن، بيد أن كميات السمك لم تعد كافية.

المصدر: Al-Monitor