الصوت الكردي سباق الشعب والأمة

2021.11.12 | 06:21 دمشق

5b279f6b95a59751108b45c3.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم يعد خافياً على أحد أهمية الصوت الكردي في الانتخابات التركية كإحدى نقاط ارتكاز النجاح والفوز بأي انتخابات قادمة، ومن الواضح أن الأحزاب في تركيا بدأت تدخل السباق الانتخابي وهذا ما تشير إليه زيارات كل من الحزب الحاكم والمعارضة للعديد من المدن في تركيا ذات الأغلبية الكردية لمد جسور التواصل بينها وبين أهالي المنطقة كخطوة استباقية قبل طرح البرامج الانتخابية لكلا الائتلافين المعارض والحاكم في تركيا لذلك بدأنا نسمع تصريحات نارية و قاسية متبادلة بين الطرفين كما هو الحال في كل انتخابات تركية.

في هذه الانتخابات ستقوم جميع الأحزاب السياسية بحملات جادة للحصول على أصوات الأكراد. وكان هذا واضحاً في الزيارة التي قام بها الرئيس أردوغان لمدينة باتمان والترحاب الكبير الذي لاقاه خلال زيارته للمناطق الكردية بينما على الطرف الآخر نجد أن أحزاب المعارضة لم تحظ بالترحاب نفسه وذلك لأسباب عدة (منها القومي ومنها الأتاتوركي ومنها الإسلامي) لكن هذا لا يعني أن التوجه نحو تلك الأصوات ليس قائماً على قدم وساق، عبر عدة عقود منذ تأسيس الجمهوية التركية حتى زمن وصول الرئيس توركت أوزال إلى سدة الحكم لم يكن يفكر أحد أو يحلم أن الصوت الكردي سيصل للأهمية إلى ما وصل إليه الآن حيث كان ممنوع تداول الحديث عن الأكراد حتى في أدنى سوية من سويات دوائر الدولة أو عن الهوية الكردية فناً، ثقافةً، سياسةً إلخ..

لكن في هذه المعادلة الكبيرة والصعبة يوجد لاعب آخر له وزنه في تلك المناطق الكردية حزب الشعوب الديمقراطية والذي هو تجمع عدة أحزاب كردية يسارية وهو الذي حصل على أكثر من عشرة في المئة في الانتخابات السابقة وأيضاً تحالفه غير المعلن مع حزب الشعب الجمهوري الذي كان له دور هام في خسارة حزب العدالة والتنمية انتخابات البلدية لصالح مرشح حزب الشعب الجمهوري وأيضاً لا يجب إهمال أن له نفوذاً كبيراً في الأوساط الكردية نوعاً ما وطبعاً لا ننسى أنصار حزب العمال الكردستاني وإن كانوا القلة القليلة.

 لكن ما يعيب هذين الحزبين أنهما وليدا الدولة التركية القديمة أي أنهما متكتلان على أنصارهم فقط دون التوسع نحو الآخرين وما زالا متشبثين بالأفكار القديمة دون تغيير أو تطور على عكس الأحزاب الأخرى (هنا يجب أن نذكر أن أنصار حزب العمال الكردستاني في تلاش لتطرف هذا الحزب نحو الإرهاب وانتقاله بشكل مسلح إلى خارج تركيا نحو العراق وسوريا).

حزب العدالة والتنمية يريد الاستفادة من نقاط ضعف حزب الشعوب الديمقراطية ومن أنصار الكردستاني (الذين ما زالوا مؤمنين ببعض أفكاره) وذلك أن أطروحته لا تقوم على أسس عرقية أو دينية أو قومية بل على أساس المواطنة والأخوّة بين الجميع أضف إلى ذلك عرض إنجازته العمرانية والثقافية والديمقراطية في البلاد فأصبحت اللغة الكردية إحدى اللغات الرسمية وأصبح هناك قناة حكومية ناطقة باللغة الكردية وحتى وزارة الثقافة راحت تطبع كثيراً من الكتب لمفكرين وعلماء أكراد بل إن الحزب لديه قرابة ثمانين نائباً كردياً في البرلمان كل هذه الأمور تصب لصالحه شريطة استمرارية هذه الإنجازات وتطويرها وأيضاً لا ننسى الأحزاب الكردية الإسلامية التي لديها عداوة سياسية كبيرة مع الأحزاب اليسارية الكردية هي بدورها تميل نحو التصويت للعدالة والتنمية.

حزب العدالة والتنمية يريد الاستفادة من نقاط ضعف حزب الشعوب الديمقراطية ومن أنصار الكردستاني الذين ما زالوا مؤمنين ببعض أفكاره

التكتيك مختلف عند حزب الشعب الجمهوري الذي اختار التواصل مع حزب الشعوب الديمقراطية والتفاهم معه وبهذا الشكل يختصر على نفسه كثيرا من المشقة والعناء ويضمن نوعاً ما أصوات أنصار حزب الشعوب وهذا ما نجح به سابقاً ويحاول أن ينجح به الآن، طبعاً المعوق الأساسي له اتفاقه مع حزب الخير القومي كما هو حال اتفاق العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية وبهذا التحالف فكلا الحزبين مهددان بتراجع رصيدهما من أصوات الناخبين الأكراد.

ما زال هناك متسع من الوقت لدى كلا الائتلافين من أجل جمع أوراقه القوية للدخول في الانتخابات ومن أجل تجميع أكبر عدد من مناصريه من الأصوات الكردية لينتقل بعدها بشكل قوي وثابت نحو الأصوات العربية التي أيضاً لها دور مهم يأتي بعد الصوت الكردي في تركيا.
تلك الدولة القديمة قد تغير هيكلها بشكل جذري خلال فترة حزب العدالة والتنمية فباتت وزارة الثقافة تنشر كتب مشاهير العلماء الأكراد وباتت قناة TRT الرسمية للدولة تبث باللغة الكردية عبر قناة TRT الكردية التي أنشأتها. كل هذه الأمور لم يكن لأحدٍ أن يحلم بها  قبل 25 عامًا في تركيا.

ومع ذلك، كان هناك شيء آخر يجب تغييره؛ لقد كان طغيان حزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي، الذي ولد من تلك الدولة القديمة، هو الذي أرهب المنطقة بعنف وأظهرت الصورة التي ظهرت في باتمان الأحد الماضي، تدمير وطغيان هذه المنظمة التي تجاهلت كل الخطوات الديمقراطية التي تم إنجازها في البلاد. في ذلك اليوم، تلك الفتاة الكردية لم تخرج وتتحدث بثقة فحسب بل وقف في ذلك اليوم عشرات الآلاف في باتمان لدعم الرئيس أردوغان وإنجازاته.
كان رد الرئيس أردوغان على هذا الولاء للشعب صادقا أيضا في قوله: "يسعدني جدا أن أتشرف بحب إخواننا من مدينة باتمان هذا الحب الكبير الذي لا تسعه الطرقات ولا الساحات، يمكنني القول إننا اليوم عقدنا اجتماعاً من أروع الاجتماعات التي عقدناها على الإطلاق. اليوم ومرة أخرى لجميع سكان باتمان الذين رحبوا بنا بكل حب وود، أريد أن أعبر عن امتناني لإخوتي وأخواتي أدام الله أخوتنا".

باختصار، يبدو أن أصوات الشعب الكردي تميل نحو الرئيس أردوغان في الانتخابات المقبلة في تركيا. ولا يزال تحالف الأمة بقيادة حزب الشعب الجمهوري وحزب الخير، وهما حزبا المعارضة المهمان في تركيا يمتنعان عن قبول حزب الشعوب الديمقراطي في التحالف الانتخابي القادم رغم وقوفه إلى جانبهما في الانتخابات الأخيرة. من ناحية أخرى، الواضح أن حزب الشعوب الديمقراطي سيرسم مساره الخاص خارج تحالف الأمة في الانتخابات القادمة.