الصراع في سوريا وعليها

2019.07.24 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

اشتهر كتاب باتريك سيل "الصراع على سوريا" المنشور في الخمسينيات من القرن الماضي والذي سرد فيه الصراع بين المحاور العربية للاستحواذ على سوريا خاصة الصراع بين الهاشميين والسعوديين وصراع المحاور المصري – السعودي – العراقي في ذلك الوقت، أما اليوم فأعتقد أن صراع المحاور الدولية والإقليمية أصبح داخل سوريا وليس عليها، فالعامل الدولي، وهو عامل كان له وما زال دور رئيسي في تحديد مستقبل الحرب السورية وحتى في تحديد علاقة السوريين مع بعضهم البعض، فتغيير اهتمام الأطراف الدولية بالحرب السورية لم يدفع إلى انتهاء الحرب وإنما إلى تأجيجها يوما بعد يوم، صحيح أن المنتصر اليوم هو معسكر "الشر" متمثلا بالأسد وحلفائه روسيا وإيران، حيث لا قيم ديمقراطية أو احترام لحقوق الإنسان في أي منهما وبالتالي نموذج الأسد في الحكم يبدو مثاليا بالنسبة لهما، حكم دكتاتوري أقلوي يحكم عبر القتل والتعذيب دون أي اعتبار لحاجات الناس ومصالحها، إنه حكم القوة العارية.

بالمقابل يبدو المعسكر الذي دعم المعارضة السورية وخيار الثورة السورية من البداية مفككا مضعضعا ومهلهلا، فظهور داعش غيّر الأولويات الدولية وغيّر استراتيجية الولايات المتحدة تجاه سوريا خلال إدارة أوباما وبقي الشيء نفسه تحت إدارة ترمب مع جرعة زائدة من اللامبالاة وعدم الاكتراث حيث اختفت قيم نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان من أجندة الولايات المتحدة، ورفع شعار أميركا أولا الذي

مع اندلاع الربيع العربي اصطفت الأنظمة العربية في موقفها من الثورات العربية وتنحّت القضية الفلسطينية رويداً رويداً ليصبح التركيز على معالجة ظواهر المظاهرات والثورات العربية التي عصفت بثماني دول عربية

يركز فقط على الصفقات التجارية والأرباح ، وسوريا ليست صفقة رابحة بأي معنى من المعاني، وبالتالي ضاعف وصول ترمب إلى البيت الأبيض من سياسة اللامبالاة الدولية وهو ما جعل معسكر المعارضة يتشتت بشكل كبير حيث حدث الانقسام الخليجي الكبير في فرض حصار قطر، وحرب اليمن ليخلق انقساما وشرخا إقليميا يحتاج إلى عقود من أجل رأبه وتخفيف الصدوعات داخله. إنه أشبه بالحرب الباردة العربية الثانية.

بحلول سبعينيات القرن الماضي، ومع وفاة عبد الناصر، لم يتمكن الاتحاد السوفيتي من مواكبة الولايات المتحدة في دعم حلفائها العرب، والفشل المستمر في هزيمة إسرائيل، وصعود إيران كقوة إقليمية معادية للعديد من المصالح العربية، يمكن القول حينها إن الحرب الباردة العربية قد انتهت. أو على الأقل خمدت. مع اندلاع الربيع العربي اصطفت الأنظمة العربية في موقفها من الثورات العربية وتنحّت القضية الفلسطينية رويداً رويداً ليصبح التركيز على معالجة ظواهر المظاهرات والثورات العربية التي عصفت بثماني دول عربية على الأقل.

فالاصطفاف اليوم يبدو واضحا ولكن ليس على قاعدة الرأسمالية والشيوعية وإنما بين المعسكر الذي يؤيد الثورات العربية وحق الشعوب في اختيار حكامها وأنظمتها الديمقراطية، وبين المعسكر المؤيد للدكتاتوريات والحكم العسكري العربي رغم فشله في حكم البلاد العربية على مدى الخمسين عاما الماضية.

فالسعودية والإمارات ومصر السيسي تشكل تحالفا يبدو مؤثرا لجهة إعادة فرض الاستقرار عبر أشكال من الحكم العسكري عبر دعم حفتر والمجلس العسكري في السودان ونظام الأسد بشكل خفي على الأقل، في حين يبدو المعسكر الآخر من دون مركز ولا تدعمه سوى حركات الثورات العربية التي تعبر عن حاجة ماسة للتغيير في طرق الحكم في العالم العربي، وهو ما انعكس على سوريا بشكل أو بآخر مع تحول معسكر دعم الثورة ممثلاً في السعودية والإمارات إلى معسكر متصالح مع الأسد.

أما تركيا والتي تعتبر الداعم الأبرز للمعارضة السورية اليوم والأكثر ثباتاً في موقفها من

تشعر تركيا أكثر من أي يوم مضى بأن اللاجئين السوريين أصبحوا أشبه بالقنبلة الموقوتة التي ربما ستنفجر قريبا ويكون ثمنها خسارة الحكم

نظام الأسد، فقد دفعت التغييرات الداخلية فيها وخاصة فوز المعارضة في انتخابات الإعادة في إسطنبول التي رفعت شعارات طرد السوريين وتقييد حركتهم وإغلاق محلاتهم دفعت الحزب الحاكم ممثلا في العدالة والتنمية في صب جام غضبه على السوريين من أجل إعادة كسب الأصوات في المعركة الانتخابية القادمة وسحب البساط من تحت أقدم المعارضة في موقفها من اللاجئين السوريين.

وبالتالي تشعر تركيا أكثر من أي يوم مضى بأن اللاجئين السوريين أصبحوا أشبه بالقنبلة الموقوتة التي ربما ستنفجر قريبا ويكون ثمنها خسارة الحكم والانتخابات حيث لم يخسر حزب العدالة والتنمية أية انتخابات منذ وصوله إلى الحكم عام 2002 ولذلك تضع تركيا في صلب مصالحها الاستراتيجية شمال سوريا ليس فقط التخلص من قوات حماية الشعب ممثل حزب العمال الكردستاني في سوريا، وإنما فرض منطقة آمنة بأي شكل وإعادة السوريين لها مهما كانت ظروف هذه المنطقة وأحوالها المعيشية والخدمية، المهم بالنسبة لها أن تفرض واقعا على الأرض يحقق المعادلة الصعبة بالنسبة لها، عدم التعامل مع الأسد بشكل مباشر أو السماح له من الاقتراب من الحدود السورية – التركية وبنفس الوقت التخلص من ملايين السوريين اللاجئين على أراضيها بحيث تستطيع أن تسقط استخدام هذه الورقة من أيدي المعارضة التي على ما يبدو تعتبر هذه الورقة الوحيدة الرابحة بجيبها. كما تظهر الموجة العالمية للشعبوية والعداء للمهاجرين في أوروبا والولايات المتحدة.