الصراع الروسي الأوكراني إلى أين؟

2022.01.22 | 04:51 دمشق

resized_e26c5-99052ff2resized_b6f2db3a1ff70bayraktartb2ukrayna.jpg
+A
حجم الخط
-A

تشهد منطقة البحر الأسود توتراً غير مسبوق منذ زمن بعيد، فالحشود العسكرية من قبل الولايات المتحدة الأميركية وروسيا على الحدود الأوكرانية تنبئ بمؤشرات خطيرة ومقلقة ما لم يتم تداركها بشكل فاعل وواضح، فمن المحتمل جدًا أن يتحول هذا لصراع إلى صدام ساخن بين تلك الدول العظمى، وهذا ما يقلق تركيا والعالم بأسره، فدول العالم تتابع عن كثب التطورات في المنطقة لأن عواقب العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا ستكون كبيرة ولن يكون هناك خطوة للوراء لتلافي تلك العواقب، لأنها ببساطة ستغير من الخارطة الاستراتيجية في العالم بأسره، ولا شك أن الأزمة الخطيرة بين روسيا وأوكرانيا جعلت أوكرانيا تضع روسيا في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، وقد يتطور الأمر لتصبح المواجهة مع الناتو وهذا يعني أن تركيا ستكون منخرطة في هذا الصدام لأنها ملزمة وملتزمة بشروط الحلف، مما يربك المشهد السياسي الاستراتيجي التركي بشكل كبير وخاصة أن أنقرة على علاقة مهمة جداً مع روسيا وفق حسابات التوازن الاستراتيجي لتركيا.

الأسئلة المطروحة في حال حدوث صدام عسكري بين روسيا وأوكرانيا إلى أين ستتجه الأمور؟ وأي نوع من الحرب ستكون؟ وهنا تختلف الإجابات على هذا السؤال فهل ستكون حرباً محلية أم إقليمية أم عالمية؟ وهل ممكن أن تندلع حرب عالمية بسبب أوكرانيا أو من أجل أوكرانيا؟ هنالك الكثيرون ممن يعتقدون أن هذه الحرب ستكون حربًا محدودة محلية أو إقليمية. بمعنى آخر ووفقًا لوجهة النظر هذه يمكن أن يؤدي هذا التوتر إلى حرب حدودية وفق الرؤية الروسية، التي حشدت أعدادًا كبيرة من قواتها العسكرية من أجل "غزو" أو الاستيلاء على جزء من الأراضي الأوكرانية المتاخمة على الحدود، أو حتى "ضم" تلك المنطقة إلى أراضيها، كما فعلت في شبه جزيرة القرم في عام 2014.

الحسابات السياسية تختلف بين بلدان حلف الناتو تجاه روسيا وهذا سيربك المشهد داخل الناتو

في هذه الحالة والسؤال هنا ألن يتدخل الناتو أو الغرب ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية؟ وهل ستخاطر واشنطن بدخول حرب مع روسيا؟ وبعبارة أخرى هل سيخاطر الناتو بدخول تلك الحرب؟ لأن الحسابات السياسية تختلف بين بلدان حلف الناتو تجاه روسيا وهذا سيربك المشهد داخل الناتو، وروسيا بدورها تدرك ذلك وهنا من المرجح أن يتحول الأمر من حرب مدمرة إلى صراع ساخن محصور بين حدود روسيا وأوكرانيا مع الدعم الكامل للأخيرة من قبل الحلف والولايات المتحدة الأميركية.

وأما الخيار الثاني فهو أن يتوجه الرئيس بوتين لاستدراج الولايات المتحدة وأوروبا إلى "صفقة كبيرة" بشأن أزمة أوكرانيا، يُقدم فيه الغرب على تنازلات لصالح موسكو لتعزز نفوذها بشكل كبير على جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، ودول أوروبا الشرقية، وهذا أمر مستبعد نوعاً ما لأنه سيزيد التوتر على المدى الطويل بين الطرفين، أما فرضية العقوبات الاقتصادية فلا جدوى منها بل هي دليل على ضعف الغرب وعدم قدرته على الرد في حال تم استخدام هذا السيناريو.

تركيا دعت عبر رئيسها أردوغان قادة كل من روسيا وأوكرانيا لعقد اجتماع في تركيا لحل المشكلات بين البلدين

ورغم كل هذا التصعيد لكن هناك صورة مغايرة تتضح معالمها في الوقت نفسه لهذا المشهد، ألا و هو الجهود المبذولة من عديد الدول من أجل تهدئة هذا التوتر، حيث جرت بعض الاتصالات والمشاورات على الساحة الدولية لمنع تفاقم الأمر، وأيضا دول الصراع نفسها تغلب حتى الآن لغة العقل، فمحادثة الرئيس الأميركي بايدن عبر الهاتف مع الرئيس الروسي بوتين في الفترة القريبة الماضية ما هي إلا مؤشر إيجابي نحو فتح باب الحوار وإن كان صعباً، وهذا على عكس التهديدات المتبادلة بين الطرفين التي تم إجراؤها عبر استخدام لغة إبراز العضلات لكل منهما، حتى تركيا دعت عبر رئيسها أردوغان قادة كل من روسيا وأوكرانيا لعقد اجتماع في تركيا لحل المشكلات بين البلدين، لتجنب العالم كله تداعيات تلك الأزمة التي ستكون مدمرة على كل الصعد بين دولة تملك كل الأسلحة المدمرة وبين دولة تدعمها دول تملك ذات الأسلحة وربما أكثر.