الصراع الروسي الأميركي حول إيران من فنزويلا إلى لبنان

2019.02.08 | 00:02 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لفت وزير الخارجية الأميركي إلى أن إيران وحزب الله يملكان نفوذا في فنزويلا وفي جميع أنحاء أميركا الجنوبية، وأن هذا العنوان سيكون مطروحا في قمة بولندا التي تعنى بمواجهة الخطر الإيراني والتي تعقد في منتصف هذا الشهر.

تكشف تصريحات بومبيو أن الصراع مع إيران وحزب الله لم يعد محصورا في المنطقة، أو مرتبطا بالأزمات التي تفرزها، بل تحول إلى كباش عالمي على النفوذ والسطوة بين أميركا وروسيا والصين.

في كل مفصل تحضر فيه إيران يبدو التضارب في المواقف بين الأميركيين والروس جليا وواضحا، وينعكس على كل الخيارات الميدانية والسياسية للطرفين، فقد كان مشروع الانسحاب الأميركي من سوريا قائما على استراتيجية توريط روسيا

في الوقت الذي تهتم فيه روسيا بسوريا يحتل العراق وفنزويلا مكانة مهمة في المشروع الأميركي للسيطرة على الموارد في العالم

في مشكلة مع إيران لإجبارها على تمكين نفوذها عبر الحد من نفوذ إيران والسعي إلى إخراجها من سوريا. سرعان ما تحول الانسحاب الأميركي المزعوم إلى إعادة انتشار، ولكن البارز أن الانتقال الأميركي من سوريا إلى العراق اتخذ شكل مراقبة إيران، كما عبر عن ذلك الرئيس الأميركي وهو ما فتح أفق الصراع والمقايضات بين أميركا وروسيا.

في الوقت الذي تهتم فيه روسيا بسوريا يحتل العراق وفنزويلا مكانة مهمة في المشروع الأميركي للسيطرة على الموارد في العالم، وهي تعمل على إجبار روسيا على حصر حضورها ونفوذها في سوريا، مستفيدة من عدم قدرتها على حسم الملفات الكبرى التي تحتاجها لتثبيث هذا النفوذ إلا من خلال مداخل تمسك بتفاصيلها مباشرة أو عبر حلفها المتين مع الدول الممولة لمشروع إعادة الإعمار، وهو المشروع الذي تعول عليه روسيا لإنقاذ اقتصادها وتمكينه وزيادة حجم قدراتها في المجالات كافة.

من هنا يبدو الصراع القائم على فنزويلا وتضارب المواقف الأميركية والروسية من ما يجري فيها حاملا لبنية رسم خريطة العالم من خلال السيطرة على بلد غني بالنفط، ولكن المسألة لا تقتصر على ذلك وحسب فنزويلا بلد شاسع للغاية بعدد سكان قليل لا يتجاوز ال30 مليون نسمة مقارنة بمساحته التي تبلغ حوالي 900 ألف كيلو متر.

يسمح هذا الواقع بتحويله إلى مستودع لإيواء الجماعات المسلحة وإخفائها وللنشاطات التي تزعزع الأمن في العالم، والتي تصب في خانة الإرهاب وتهديد الأمن في العالم وتجارة المخدرات.

 الاستثمار الإيراني في مثل هذه المناخات ليس جديدا، ولكنه بدأ يبرز إلى العلن بقوة بوصفه المدخل الذي يمكن أن يؤمن لها التحايل على العقوبات الأميركية والدولية المفروضة عليها وفك عزلتها الإقتصادية، كما يساعدها على تشكيل جماعات مرتبطة بها، وتدريب الجماعات المسلحة التي تدور في فلكها من قبيل حزب الله بعيدا عن أعين العالم.

تدخل كل من روسيا وأميركا الميدان الفنزويلي بالطريقة نفسها التي وسمت مقاربتهما للشأن السوري، إذ ترى روسيا أن حضورها يجب أن يكون ماديا وميدانيا، بينما تعتمد أميركا سياسة العزل السياسي والعقوبات الاقتصادية.

بين مسار الأمور أن المنطق الروسي يتطلب دفع أثمان باهظة بشكل مسبق قبل الشروع في قطف أي حصيلة، وبذلك تكون منهكة على الدوام وغير قادرة على فرض مشروعها، فالأزمات التي تفتح في وجهها تجعلها تميل إلى حسم مباشر وعبر استخدام القوة العسكرية وتزويد التيارات التي تدور في فلكها بالعتاد والسلاح، وهي مقاربة أثبتت أنها تحول منطقة النفوذ المتنازع عليها إلى أرض محروقة تمثل عنوانا لنفوذ ليس سوى أزمة مفتوحة ومتواصلة وممتدة.

تعمل أميركا على إغراق روسيا في مستنقعات ضخمة فلقد أغرتها بالدخول في الفخ السوري واعترفت بها كمرجع لإدارة الأمور فيه، بعد أن تحولت سوريا وفق المقاربة الروسية التدميرية إلى مشكلة تتطلب من أي طرف يسعى إلى إمساك ناصية القرار فيها تدبير شؤون أزمات عاتية وشائكة وبالغة التعقيد.

الأمر نفسه صالح للتكرار في فنزويلا، حيث تغري أميركا الروس باعتماد المنطق نفسه الذي سبق واعتمد في سوريا، فلا أحد من الطرفين يهتم بتمكين رئاسة غوايدو زعيم المعارضة أو مادورو الرئيس الحالي الذي يدعي أنه فاز بولاية ثانية تنظر اليها المعارضة بوصفها تزويرا.

فنزويلا على شفير حرب أهلية ويعمل الطرفان على استمالة الجيش

يبدو الميدان الفنزويلي جاهزا لاحتضان معركة السيطرة على الموارد وتمكين النفوذ في العالم بين الأميركيين والروس الذين يحظون بدعم الصين في هذه المعركة

الذي استعرض مؤخرا الرئيس المنتهية ولايته عرضا لأسلحة روسية مقدمة له في حين تتسارع وتيرة اعتراف الدول بشرعية زعيم المعارضة الشاب غوايدو.

يبدو الميدان الفنزويلي جاهزا لاحتضان معركة السيطرة على الموارد وتمكين النفوذ في العالم بين الأميركيين والروس الذين يحظون بدعم الصين في هذه المعركة، في الوقت نفسه الذي تجري فيه أميركا مباحثات اقتصادية مهمة مع الصينيين قد تنجح في تغيير مقاربتهم للعديد من الشؤون الدولية، وتضبط الصراع معهم على حساب وضع النفوذ الروسي.

تعيش المنطقة انعكاسات هذا الصراع وتجلياته، ففي حين كانت أميركا تريد عدم تشكيل حكومة في لبنان في سابقة لافتة، بدا أن روسيا كانت تسعى إلى تشكيل حكومة وقد نجحت في فرضها، ولكن تثبيث العناوين المرجوة منها وتمكينها وربطها بمشروع النفوذ الروسي في المنطقة يتطلب لجم الطرف المسلح في البلد أي حزب الله الذراع الإيرانية الأبرز.

لا يمكن لجم حزب الله من خلال معادلات سياسية بل من خلال فعل مباشر وميداني يتصل بتحجيم إيران في المنطقة وهي مهمة قد تبدو ممكنة، ولكن إيران ترد على ذلك بتحويل عملية تحجيمها إلى حروب أهلية، قد تكون روسيا قادرة على حسمها بالقوة ولكن بعد أن تتحول ساحة نفوذها المرجوة إلى أرض خراب.