الشيخ عكرمة صبري في تركيا.. أكثر من مجرد زيارة

2020.12.11 | 23:01 دمشق

thumbs_b_c_b9ae3581b5e978ea7e63bd50b3d41202.jpg
+A
حجم الخط
-A

قام إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك الشيخ عكرمة صبري بزيارة إلى تركيا الأسبوع الماضي التقى خلالها الرئيس رجب طيب أردوغان ومسؤولين آخرين. الزيارة بدت لافتة جداً نظرا لشخصية الضيف الكبير ومواقفه الدينية والوطنية، ومواقف البلد المضيف تجاه القضية الفلسطينية، كما لما حملته من دلالات ومعاني خاصة في مشهد صلاة الجمعة بمسجد آيا صوفيا، حيث أمَّ الشيخ صبري المصلين بحضور الرئيس أردوغان ومسؤولين كبار آخرين بما فيهم مسؤول الشؤون الدينية علي أرباش.

الشيخ عكرمة صبري إمام وخطيب المسجد الأقصى ورئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس شيخ الأقصى وقائد مقاومة الممارسات التهودية والاستيطانية في الحرم الشريف والمدينة المقدسة بشكل عام..

يقود الشيخ صبري أيضاً حركة مقاومة التطبيع - التحالف الإماراتي الإسرائيلي وتحديداً فيما يتعلق بالبعد أو الجانب الديني منه

يتموضع الشيخ عكرمة في مربع الرباط والمقاومة مع الشيخ رائد صلاح المعتقل الآن والذي قضى معظم السنوات الأخيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي. وعملياً حمل الراية بعده في معركة الحفاظ على المسجد الأقصى وهويته الإسلامية ورفض المساعي الإسرائيلية المتواصلة لتقسيمه زمانياً ومكانياً، ولا يقل أهمية عن ذلك دعمه الصادق والمبدئي للثورات العربية الأصيلة، ورفضه التماهي مع الطغاة وقادة الثورات المضادة، واستغلال القضية الفلسطينية العادلة للتغطية على جرائمهم البشعة في سوريا والعراق واليمن وعموم المنطقة. هذا يفسر كما في حالة الشيخ رائد صلاح "فك الله أسره" تجاهل الحشد الشعبي الإعلامي الإيراني الناطق باللغة العربية للشيخ عكرمة ومجهوداته دفاعاً عن الأقصى والقدس رغم كل الأكاذيب عن دعم فلسطين وقضيتها.

في الفترة الأخيرة يقود الشيخ صبري أيضاً حركة مقاومة التطبيع - التحالف الإماراتي الإسرائيلي وتحديداً فيما يتعلق بالبعد أو الجانب الديني منه، وسعي الإمارات لتنظيم رحلات تطبيعية للزيارة والصلاة في المسجد الأقصى من بوابة الاحتلال الإسرائيلي. اعتبرها الشيخ صبري متماثلة ومتماهية تماماً مع اقتحامات المستوطنين للحرم القدسي الشريف تحت حراب الاحتلال، وهو مستمر فى رفع الصوت عالياً ضدها، مذكراً بالرواية الإسلامية تجاه المسجد الأقصى بمساحته الكاملة -144  دونما – والمدينة المقدسة المحتلة والقضية الفلسطينية بشكل عام.

فيما يخص الشيخ عكرمة أيضاً لا بد من الإشارة إلى إقالة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس له من منصب مفتي القدس والديار الفلسطينية قبل سنوات بسبب رفضه التحوّل إلى بوق أو ذراع ديني للسلطة، وإصراره على التعبير علناً عن مواقفه وآرائه بما في ذلك رفض زيارة العرب والمسلمين للقدس في سياق تطبيعي وتحت حراب الاحتلال، تلك المواقف لم تعجب محمود عباس قبل أن يغيّر موقفه نسبياً في الفترة الأخيرة تحت وطأة هجمة التطبيع الإماراتية البحرينية الأخيرة.

عباس عيّن الشيخ محمد حسين بدلاً من الشيخ صبري في منصب مفتي القدس وفلسطين، ومع الاحترام الكامل للشيخ حسين إلاّ أنه يبدو كموظف وإداري لا يملك كاريزما وشعبية وقدرات الشيخ صبري الذي أصرّ عموماً على القيام بدوره الديني والوطني دون أي اعتبار أو اكتراث بالمناصب والأطر الرسمية.

هذا فيما يخص الضيف. أما المضيف ونتحدث هنا عن الدولة التركية الداعمة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة في مواجهة التحديات الثلاثة المطروحة أمامه خلال الفترة الماضية والمتمثلة بصفقة القرن الأميركية وخطة الضمّ الإسرائيلية والتطبيع - التحالف الإماراتي الإسرائيلي، علماً أن دعم تركيا "وحدها" تقريباً شجّع القيادة الفلسطينية على الصمود أمامها ورفض قبولها أو تغطيتها بأي شكل من الأشكال.

تركيا داعمة كذلك لجهود المصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني، وكانت استضافت خلال شهر أيلول/ سبتمبر الماضي حواراً ثنائياً بين حركتي فتح وحماس دون تطفل أو تدخل مع عدم إخفاء مواقفها الداعمة لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الفلسطينية.

تركيا تدعم كذلك الشعب الفلسطيني إغاثياً وإنسانياً، وعلى مستويات عدة تعليمية وصحية وخدماتية ليس في غزة المحاصرة فقط كما يظن البعض، ولكن أيضاً في الضفة الغربية والقدس والأراضي المحتلة عام 1948.

كان الاحتفاء التركي ملحوظاً وكبيراً جداً بالضيف الفلسطيني الكبير بصفته وشخصه ما اعتبره هذا الأخير احتفاءً بالأقصى والقدس وفلسطين

وفي هذا الصدد أشارت تقارير إعلامية إسرائيلية عديدة خلال السنوات الماضية إلى انزعاج الدولة العبرية وللأسف بعض الدول العربية المتحالفة معها من النشاط والحضور التركي في غزة والقدس وفلسطين بشكل عام مع تنسيق أو سعي لتحجيمه، وهو ما لم ينجح حتى الآن نظراً لدعم الشعب الفلسطيني الواسع لتركيا وحضورها، تحديداً في مدينة القدس كما يقول دوماً الشيخ صبري.

بناء على ما سبق  كان الاحتفاء التركي ملحوظاً وكبيراً جداً بالضيف الفلسطيني الكبير بصفته وشخصه ما اعتبره هذا الأخير احتفاءً بالأقصى والقدس وفلسطين، وليس بشخصه الكريم، رغم أنه يستحق ذلك طبعاً.

في لقاءات الشيخ عكرمة مع الرئيس أردوغان والمسؤولين الأتراك تم الاتفاق على تقديم تركيا مزيد من الدعم للفلسطينيين على كل المستويات تحديداً فيما يتعلق بتعزيز رباطهم في الأقصى ضد محاولات تهويده وتقسيمه كما صمودهم في القدس بوجه الخطط الاستيطانية والتهويدية بشكل عام.

عموماً بدا مشهد الصلاة في آيا صوفيا وكأنه يختصر الزيارة كلها. حضور الشيخ عكرمة صبري كان تعبيراً عن تأييده لإعادة آيا صوفيا مسجداً بدلاً من متحف في تماهٍ طبيعي وغير مستغرب مع المزاج الشعبي الفلسطيني العربي الإسلامي المؤيد للخطوة التركية الشرعية والقانونية.

أما إمامة الشيخ للصلاة بمشاركة الرئيس أردوغان ومسؤولين آخرين فبدت تعبيراً عن الاحترام والتقدير والاصطفاف إلى جانب الشيخ والفلسطينيين، ودعماً لهم في جهادهم ورباطهم حتى نيل حقوقهم المشروعة.

في الأخير وكي يكتمل المشهد لا بد من قول شيء ما وباختصار عن العلاقات التركية الإسرائيلية التي تتعرض لحملة تشوية متعمدة من إعلام المطبّعين العرب والثورات المضادة، علماً أن تركيا لا تخفي علاقاتها الرسمية مع الدولة العبرية ولكن على مستوى منخفض دون سفير وحتى قائم بالأعمال، بعدما جرى تخفيض التبادل الدبلوماسي ردّاً على الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين المنتفضين في ذكرى النكبة قبل عامين. وتركيا الجديدة بقيادة الرئيس أردوغان تؤيد حلّ الدولتين وفق الشرعية الدولية وقراراتها، وجعلت التحالف مع الدولة العبرية شيئا من الماضي، وتربط الآن العلاقات معها بكيفية تعاملها مع الفلسطينيين وحتى لو تم رفع العلاقة أو إعادتها إلى مستواها العادي في حالة استئناف عملية التسوية مع تسلّم الإدارة الأميركية الجديدة مهامها فلن يحول ذلك أبداً دون المضي قدماً في دعم الشعب الفلسطيني وعلى كافة المستويات حتى نيل حقوقه المشروعة في الاستقلال والسيادة وتقرير المصير.