icon
التغطية الحية

الشعر العربي بين القديم والحديث (4).. الشعر في العصر الأموي

2021.08.03 | 05:47 دمشق

الشعر العربي بين القديم والحديث (ج4)..
الشعر العربي في العصر الأموي (إنترنت)
+A
حجم الخط
-A

بلغ الأدب العربي عموماً أوجه في العصر الأموي، إذ احتضنته بيئات ومجتمعات جديدة تخطّت بيئة جزيرة العرب (الشام وخراسان والعراق ومصر والأندلس والمغرب..) ما أكسب هذا الأدب سمات تلك البيئات وألوانها. وأثّرت تلك البيئات ومجتمعاتها بقوة في تطوّر الحياة الأدبيّة، ولعلّ من أبرز المؤثرات الاجتماعية ظهور طبقة الموالي (المسلمين من غير العرب) ومشاركتهم الحياة الأدبية، فظهر منهم الكتاب والشعراء والخطباء.

الملامح العامة للشعر في العصر الأموي

تغيّرت حياة العرب السياسية والاجتماعية كثيراً خلال العصر الأموي، فكان لها انعكاساتها الواضحة على الأدب عموماً وعلى الشّعر العربي بصورة خاصة. وبالمقابل، اختفت بعض أغراض الشعـر الجاهلي وشعر صدر الإسلام  .واهتمّ الشعراء في العصر الأموي بتنقيح شعرِهم وتهذيبه والعناية أيضًا بالبناء الفني لقصائدهم، غير أنّهُ في جُلّه يخلو غالبًا من الصدق؛ لأنّ الدافع إلى قوله كان في أغلب الأحيان بدافع الترف والعطاء.

إلا أن كثيراً من الباحثين والأدباء يرون أن الشعر الأموي يكمل ما كان ناقصًا في الشعر الجاهلي وشعر صدر الإسلام؛ إذ أن العصر الأموي مثّل عصر حضور ودفق السيولة العاطفية والانفعالات الإنسانية الأعمق والأرقى من بين مراحل تاريخ الشعر العربي، فبلغ الذروة في النمو والتحولات، مضموناً، في ذلك العصر وما لحقه في شعر العصر العباسي. وأدّى وضوح ألفاظ وتعابير الشعر الأموي واستمرار تأثره بالقرآن الكريم والحديث الشريف -كما هو حال الشعر في صدر الإسلام- إلى تفوقه في الجانب الشكلي أيضاً.

وبرز من شعراء العصر الأموي كلّ من:

  1. الأخطل
  2. الفرزدق
  3. الوليد بن عقبة
  4. جرير
  5. جميل بثينة
  6. عمر بن أبي ربيعة
  7. مجنون ليلى 
  8. أبو صخر الهذلي

السمات العامة للعصر الأموي وأثره على الشعر العربي

  1. بروز "الشعر السياسي"

اتسم عصر الدولة الأموية (661- 774م) بظهور الملامح الأولى للأحزاب السياسية والمذاهب الفكرية- الدينية والعصبيات القبلية والقومية، وانقساماتها المتعدّدة (خوارج- شيعة- أمويين- هاشميين- قيسيين- يمانيين.. إلخ). خصوصاً بعد خلافة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان (680- 683م) ثاني خلفاء بني أمية، نتيجة الأحداث المفصلية التي جرت في عهده بدءاً من مأساة (كربلاء) وما تمخّض عنها من صراع سياسي- طائفي ما زال يُستثمَر حتى اليوم، ومعركة (الحَرّة) التي تعرضت فيها المدينة المنورة للاستباحة، بالإضافة إلى أحداث عديدة أخرى، ما أسهم بانتشار "الشعر السياسي".

واختلط في هذا النوع من الشعر، المدح والفخر والهجاء والإقناع، وكان شعراؤه يدعون إلى مذاهبهم الفكرية وأحزابهم السياسية. فالشاعر "الأخطل" مثلًا كان يدعو لبني أمية، أما "الكميت بن زيد" فكان يدعو لبني هاشم، و"عبد الله بن قيس" يدعو الى الزبيريين (فريق عبد الله بن الزبير) و"قطري بن الفجاءة" يدعو إلى الخوارج.. وهلم جرّا.

 

 

الأخطل (640- 710م)

الشاعر الأخطل التغلبي، ويكنى بـ "أبي مالك". من قبيلة تغلب العربية ومسيحي الديانة، مدح خلفاء بني أمية في دمشق وأكثر في مدحهم، وهو شاعر مصقول الألفاظ، حسن الديباجة، وفي شعره إبداع. وهو أحد الثلاثة المتفق على أنهم أشعر أهل عصرهم: جرير والفرزدق والأخطل.

ومن قصائده في مديح بني أمية:

ما الفراتُ إذا جاشتْ حوالبهُ      في حافتيهِ وفي أوساطهِ العشرُ

وذَعْذعَتْهُ رياحُ الصَّيْفِ، واضطرَبتْ       فوقَ الجآجئ من آذيهِ غدرُ

مسحنفرٌ من جبال الروم يسترهُ   مِنْها أكافيفُ فيها، دونَهُ، زَوَرُ

يوماً، بأجْودَ مِنْهُ، حينَ تَسْألُهُ      ولا بأجهرَ منهُ، حين يجتهرُ

ولمْ يزَلْ بكَ واشيهِمْ ومَكْرُهُمُ      حتى أشاطوا بغَيْبٍ لحمَ مَنْ يَسَرُوا

فلَمْ يَكُنْ طاوِياً عنّا نصِيحَتَهُ       وفي يدَيْه بدُنْيا دونَنا حَصَرُ

فهو فداءُ أميرِ المؤمنينَ، إذا       أبدى النواجذَ يومٌ باسلٌ ذكرُ

مفترشٌ كافتراشِ الليث كلكلهُ     لوقعة ٍ كائنٍ فيها لهُ جزرُ

مُقَدِّماً مائتيْ ألْفٍ لمنزِلِهِ           ما إن رأى مثلهمْ جنّ ولا بشرُ

يَغْشَى القَناطِرَ يَبْنيها ويَهْدِمُها       مُسَوَّمٌ، فَوْقَه الرَّاياتُ والقَتَرُ

قَوْمٌ أنابَتْ إليهِمْ كلُّ مُخْزِية          وبالثوية ِ لم ينبضْ بها وترُ

 

 

  1. شعر "الغزل"

كما تدفّقت الأموال من جميع أنحاء الدولة الأموية، التي امتدت من السند وبلاد ماوراء النهر شرقاً حتى فرنسا غرباً، إلى الشام، ما أدّى إلى اتساع حياة الرخاء والتّرف لتعمّ سائر الولايات والبقاع بما فيها أرض الحجاز التي خُصّص لها الكثير من الأموال بعد استباب أمرها للأمويين عقب انتزاعها من عبد الله بن الزبير في زمن الخليفة عبد الملك بن مروان (646- 705م) فشاع الترف أيضاً في الحجاز لدرجة صاحب كتاب "الأغاني" (أبو الفرج الأصفهاني) عدّد أربعين مغنية بالمدينة وحدها. ونبغ في الغناء محترفون كـ "معبد" و"الغريض" وغيرهما، فشاع بذلك شعر الغَزَل بشكل واضح في ذلك العصر.

ونستطيع تمييز شكلين في شعر الغزل من حيث مضامينه:

الأول- الغزل العذري: ويطلق عليه أيضاً "الغزل البدوي"، وهو غزل عفيف وصادق وطاهر لا يهتم بجمال المرأة بقدر ما يهتم بشفافية روحها وعفافها ومن رواده: جميل بثينة، وقيس بن الملوح (مجنون ليلى)، وكثير عزّة.

ويُنسب الغزل العذري إلى قوم "بني عُذرة" الذين سكنوا وادي القرى في شمال المدينة المنورة، ورُوي أنَّ أحدَهم سأل أعرابياً: ممَّن الفتى؟ قال: من قوم إذا عشقوا ماتوا. أمّا بدايات هذا الغزل ترجع إلى العصر الجاهلي التي نراها واضحة في القصائد الشعرية التي وصلتنا، إلّا أنّه ترعرع وبرز وتم تحديد ملامحه الشعرية في أوائل العصر الأمويّ.

 

 

من الغزل العذري: قيس بن الملوّح (مجنون ليلى) 645 م – 688 م

الشاعر العاقل المجنون، من أروع شعراء العرب وأكثرهم إبداعاً في الفترة التي عاشها، ابتُلي بعشق ابنة عمه "ليلى العامرية". ولشدة حبه لها، لقب بـ مجنون ليلى، ومات وهو يردد اسمها.

رفض أهل ليلى أن يزوجوها به، فهام على وجهه ينشد الأشعار ويأنس بالوحوش ويتغنى بحبه العذري، فيُرى حيناً في الشام وحيناً في نجد -موطنه- وحيناً في الحجاز.

 ومن قصائده في ليلى:

أَظُــنُّ هَـواهَـــا تـارِكـــي بِمَضَـلَّــةٍ        مِــنَ الأَرضِ لا مــالٌ لَدَيَّ وَلا أَهـلُ

وَلا أَحَــدٌ أُفـضـــي إِلَــيــهِ وَصيَّتــي       وَلا صـاحِـبٌ إِلّا المَطــيَّةُ وَالرَحـلُ

مَحـا حُبُّها حُبَّ الأُلى كُـــنَّ قَبلَهـا           وَحَــلَّت مَكاناً لَم يَكُن حُلَّ مِن قَبلُ

فَحُبّي لَها حُبٌّ تَمَكَّنَ في الحَشــا            فَـمَــا إِن أَرى حُـبّاً يَكــونُ لَــهُ مِــثلُ

الثاني-  الغزل الماجن/ الصريح: أو الغزل "الحضري"، وهو غزل يُؤمن باللهو في الحب ولا يعرف الخلود، كما يُغرق في وصف جسد المرأة والعلاقة معها، ويُعدّد فيه الشاعر أسماء محبوباته؛ حيث إنّه لا يكتفي بامرأة واحدة كما هو الحال في العذري، وإنما يتنقل من واحدة إلى أخرى، وأحياناً يذكر وقوعه في حبّ مجموعة من النساء في وقت واحد. والأبرز في هذا النوع من الشعر هو عمر بن أبي ربيعة، وهناك أيضاً الأحوص والعرجي وغيرهما.

من الغزل الصريح: عمر بن أبي ربيعة (644- 711م)

شاعر من بني مخزوم، قُرشي الأصل، عُرف عنه أنه كان وسيمًا جميلًا حسن المحيا، إضافة إلى أنّه ذا جاه ونسب ومكانة.

اتّصل شعر عُمر بن أبي ربيعة بالمرأة اتّصالًا عميقًا وصريحاً، حتى صار شاعر الغزل العاشق من دون مُنازع، وعاش حياته كلّها وهو ينظم الغزل الصريح، وممّا ساعدهُ على ذلك ثراؤه وترفه، وألف ديواناً كاملاً اقتصر على شعر الغزل، واتّخذ في علاقاته مع النّساء شخصيّة الشاعر المُغامر العاشق. ومن شعر عمر بن أبي ربيعة في الغزل، قوله:

فَقَعَدتُ مُرتَقِبًا أُلِمُّ بِبَيتِها           حَتّى وَلَجتُ بِهِ خَفِيَّ المَولَجِ

حَتّى دَخَلتُ عَلى الفَتاةِ وَإِنَّها       لَتَحُظُّ نَومًا مِثلَ نَومِ المُبهَجِ

وَإِذا أَبوها نائِمٌ وَعَبيدُهُ             مِن حَولِها مِثلُ الجِمالِ الهُرَّجِ

 فَوَضَعتُ كَفّي عِندَ مَقطَعِ خَصرِها        فَتَنَفَّسَت نَفَسًا فَلَم تَتَلَهَّجِ
 

  1. شعر "النقائض/ الهجاء"

ويمثله ثلاثة شعراء هم: جرير والفرزدق والأخطل، ويعدّون من أهم شعراء. والمقصود بـ "النقائض" أن ينظم الشاعر قصيدة في الفخر أو الهجاء على وزن وقافية، فيرد عليه شاعر آخر بقصيدة أخرى مناقضة لتلك القصيدة سواء في الفخر أو الهجاء، وعلى ذات الوزن والقافية أيضاً.

وأول اشتباك في النقائض جرى بين جرير وشاعر يقال له "غسان السُّليطي". فلما انتصر جرير، تصدّى له شاعرٌ آخر من قوم "الفرزدق" يدعى "البُعيث المجاشعي" فانتصر لـ "السليطي" وهجا جريرًا.

وهنا، شنّ جرير حرباً هجائية شعواء، تعرض فيها لقوم الفرزدق ولنساء "مجاشع" التي ينتمي لها "العيث". فاستغاثت النساء بالفرزدق الذي هبّ يناقض جريرًا ويهجوه.

وظل الهجاء مستعرًا بين جرير والفرزدق، فانظمّ الأخطل إلى الفرزدق، ما دفع جريراً إلى أن يهجوه أيضاً لدرجة أنه عيّره بـ "الكفر" و"أكل لحم الخنزير" كون الأخطل مسيحي الديانة.

ولم تقف القصة عند الأخطل، إذ أوقع سوء الحظ شاعراً آخر يدعى "الراعي النميري" حين وقف مع الفرزدق في عداء جرير، فهجاه الأخير بقصيدة نال فيها من هيبة وشرف قبيلته، كقوله:

إذا غضبت عليك بنو تميم         حسبت الناس كلهم غضابا

فغض الطرف إنك من نمير       فلا كعبًا بلغت ولا كلابا

 

 

من نقائض جرير والفرزدق

والشاعر الأول هو جرير بن عطية الكلبي اليربوعي التميمي (653- 728 م)، من أشهر شعراء العرب في فن الهجاء وكان بارعًا في المدح أيضًا، وكان أشعر أهل عصره. ولد ومات في نجد، وعاش عمره كله يناضل شعراء زمانه ويساجلهم فلم يثبت أمامه غير الفرزدق والأخطل. كان عفيفاً، وهو من أغزل الناس شعراً. بدأ حياته الشعرية بنقائض ضد شعراء محليين ثم تحول إلى الفرزدق، واستمر الهجاء بينهما نحوًا من 40 سنة.

أما الفرزدق (641- 732م)، فاسمه همام بن غالب بن صعصعة الدارمي التميمي. وكنيته أبو فراس وسمي الفرزدق لضخامة وتجهم وجهه، ومعناها الرغيف، اشتهر بشعر المدح والفخر وَشعر الهجاء. والفرزدق يشبّه بزهير بن أبي سلمى وكلاهما من شعراء الطبقة الأولى، زهير في الجاهلية والفرزدق في الإسلام.

قال جرير في الفرزدق:

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعًا

فأبشر بطول سلامةٍ يا مربعُ

إنَّ الفرزدقَ قدْ تبينَ لؤمهُ

حيثُ التقتْ حششاؤهُ والأخدعُ

ومما قال الفرزدق مناقضاً جريراً ومفاخراً:

إنّ الــذي سَـمَـكَ السّـمـاءَ بَـنـى لَـنَـا

بَـيْـتــاً، دَعَـائِـمُــهُ أعَــــزُّ وَأطْـــــوَلُ

بَيْـتـاً بَـنَـاهُ لَـنَـا المَلِـيـكُ، ومَــا بَـنـى

حَــكَــمُ الـسّـمَــاءِ، فــإنّــهُ لا يُـنْـقَــلُ