icon
التغطية الحية

الشعر الحلمنتيشي.. قصيدة الناس المظلومة

2021.06.15 | 16:26 دمشق

characteristics-of-arabic-poetry-in-the-modern-era.jpg
+A
حجم الخط
-A

صحيح أن الشعر العربي صحا من كبوته الطويلة مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وعاد ليكون ديوان العرب على يد شعراء تلك المرحلة، إلا أنه كان في الغالب أسير الصالونات و"النخبة"، إلى أن جاء شعراء الشعب وأنزلوه إلى الشارع، وكان لا بد لهذا الانقلاب من أدوات تعين أصحابه، فكتبوا في أوجاع الناس وآلامهم وطموحاتهم، وكانوا صوتهم في مواجهة الاحتلالات الأجنبية التي كانت جاثمة على البلدان العربية آنذاك، وانتقاد الحكومات المحلية الحاكمة بأمر المحتلين، ووصف أوضاع الناس الاجتماعية والاقتصادية والصدع بتغييرها..

النشأة والتسمية

ولأن الزمن كان أمرَّ من أن يُحتمل، ولَّد شاعر مصري نوعاً جديداً من الشعر يحقق أغراض النقد كلها وينفذ إلى قلوب الناس بلغة يسيرة ومعانٍ سهلة وألفاظٍ مشتقة من لغتهم التي يفكرون ويتوجعون ويحلمون بها..

أما الشاعر فهو حسين شفيق محمد نور الشهير بحسين شفيق المصري (1882- 1948) الشاعر المصري المولود بالقاهرة لأبوين تركيين، وأما النوع الشعري المُولَّد فهو "الشعر الحلمنتيشي".

ويمكن ببحث بسيط على الشابكة أن نقع على توقعات لسبب التسمية، فمنهم من قال إنها تعود إلى فرقة "حلمنتيش" التي كانت تغني أو تكتب هذا النوع من الشعر، ويقال أيضاً إن كلمة "حلمنتيشي" مشتقة من "حلا" أي حلاوة الشيء و"منتيشي" من نتش أي جذب، وكلمة النتاش في اللغة الدراجة المصرية هو الفشّار (الذي يسرح بخياله ويحكي قصصاً ومواقف غير واقعية) أو الكذاب.. وبهذا تكون "الحلمنتيشي" تعني النتش الحلو أو الفشر اللذيذ!.. وكلا الرأيين بعيدٌ عن المنطق والواقع، ذلك أننا لم نجد أثراً يُذكر لفرقة "حلمنتيش" المزعومة، وإن وُجدت فعلاً فمن أين جاء اسمها الذي منحته للشعر الجديد؟.

أما الرأي الذي يحلل الكلمة فبعيد جداً عن الواقعية، والأقرب أنه اسم لا معنى له، أطلقه مبدع هذا النوع الشعري شفيق المصري للدلالة على تمرد الفن الجديد وخروجه عن كل مألوف ومُقعَّدٍ ومنطقي، وإن الاسم يجب أن يطابق المسمى في المعنى ويكون جزءاً من غرضه، وغرض الشعر الحلمنتيشي النقد والسخرية والتمرد، ومن هنا كان الاسم/اللغز جزءاً من القصة.

محددات وأغراض الشعر الحلمنتيشي

ما من فن شعري ظُلم كما ظُلم الشعر الحلمنتيشي، فقد حُمل عليه ما لم يُحمل على غيره من أكداس الرداءة وأحمال التفاهة، حتى صار مطية لكل مدعٍ متطفل على كار الشعر، وبما أن النقاد أنِفوا –فيما يبدو- من إعمال أدواتهم النقدية في تشريح هذا الفن وتقعيده، حاولنا في برنامج "ضمائر متصلة" رسم ملامحه والوقوف على محدداته التي شخَّصها الشاعر المصري إسلام علوش في الآتي:

  • الشعر الحلمنتيشي شعر ناقد ساخر يأتي في قالب الشعر العربي العمودي وتُدخل كلمات عامية أو أجنبية ضمن السياق بما لا يُخرج النص عن الوزن أو قواعد القصيدة العمودية الخليلية.
  • الشعر الحلمنتيشي يقوم على السخرية، والسخرية هنا ليست موضوعاً فقط، وإنما تستهدف الألفاظ العامية التي يتم إدخالها على النص السخرية وتكون موظفة بشكل مدروس.
  • شعر ناقد، فهو في أساسه قائم على النقد السياسي والاجتماعي، وإن كان قد تطور على يد الأجيال اللاحقة وتعرض لأغراض ذاتية.
  • قائم على المعارضة الشعرية، فقد تميز بأنه شعر معارضات ساخرة لأشهر قصائد العرب، ومن هنا انطلق مؤسسه شفيق المصري بقصائده "المشعلقات" التي هي معارضة ساخرة للمعلقات السبع، فنسج على منوالها وزناً وقافية في أغراض النقد السياسي والاجتماعي للراهن آنذاك، وقد تبعه المؤسس الثاني بيرم التونسي، وكتب سيد حجاب ملتزماً بذلك، إلى المعاصرين المتخصصين بهذا الفن الشعري مثل "ياسر قطامش" و"د. مصطفى رجب" وغيرهم الذين كتبوا في المعارضات وخرجوا عنها أيضاً ليمنحوا أنفسهم وقارئهم فضاء أرحب.

واستناداً إلى هذه المحددات المأخوذة من شعر شعراء الحلمنتيشية والمستندة إلى تجاربهم عبر أجيالهم المتعددة، نخلص إلى أن الشعر الساخر الفصيح كلياً أو العامي كلياً ليس من الشعر الحلمنتيشي، فأشعار صلاح جاهين أو أحمد فؤاد نجم أو عبد الرحمن الأبنودي وغيرهم ليست من هذا النوع، وكذلك القصائد الساخرة الفصحى لحسيب كيالي أو وليد قنباز أو وجيه البارودي وغيرهم ليست منه أيضاً.. فهو يقتصر على القصائد التي تمزج بين الفصحى والعامية أو لغة أجنبية في قالب القصيدة العمودية العربية.

 قصائد حلمنتيشية

يقول حسين شفيق المصري معارضاً أبا العتاهية:

ألا ما لسيدتي مالها؟    أدلاً فأحمل إدلالها
أظن الوليّة زعلانة     وما كنت أقصد إزعالها
أتى رمضان فقالت هاتولي زكيبة نُقل فجبنا لها
ومن قمر الدين جبت ثلاث لفائف تتعب شيّالها
وجبت صفيحة سمن وجبت حوائج ما غيرها طالها
فقل لي على إيه بنت الذين بتشكي إلى أهلها حالها؟
تقولهم جوزي هذا فقير كأني أضعت لها مالها

ولبيرم التونسي معارضاً الشريف الرضي:

حطوا الغفير على الدكان يحرسهُ     فباعهُ "جملةً" لا بيعَ "قطاعي"‏

جاء الحرامي له ليلاً وقاوله‏        على الذي فيه من مالٍ وأبضاعِ‏

والصبح جاء إلى الدكان صاحبه‏     فلم يجد فيه غير السقف والقاع‏

قال المعاون شغل ليس نعرفه‏      فاللص لا يسرق المستيقظ الواعي

ولسيد حجاب في معارضة أحمد شوقي

سلوا قلبي وقولوا لي الجوابا .. لماذا حالنا أضحى هبابا

لقد زاد الفساد وساد فينا ..    فلم ينفع بوليس أو نيابة
وشاع الجهل حتى أن بعضاً ..  من العلماء لم يفتح كتابا
وكنا خير خلق الله صرنا .. في ديل القايمة وفي غاية الخيابة
ونهري مصر حباً بالأغاني .. فتملؤنا أغانينا اغترابا
زمان يطحن الناس الغلابة .. ويحيا اللص محترماً مهابا
أمير الشعر عفواً واعتذاراً .. لشعرك فيه أجريت انقلابا
وما نيل المطالب بالطيابة .. دي مش دنيا ياشوقي بيه دي غابة