الشعب يثير الشغب!

2022.10.04 | 05:54 دمشق

الشعب يثير الشغب!
+A
حجم الخط
-A

التهمة جاهزة أبداً، فكل شعب يطالب بحريته تتهمه حكومته بإثارة الشغب! أما الحكومات فهي راعية الحرية والديمقراطية والرفاه والمدنية وحقوق الإنسان! فهل تثور الشعوب ترفاً ومن أجل أن تُقتل بنيران أجهزة الحكومات الأمنية إذن؟

حدث هذا في سوريا التي ثار شعبها مطالباً بحريته، منذ منتصف آذار (مارس) عام 2011 وإلى اليوم، ويحدث هذا اليوم في إيران التي ينتفض شعبها مطالباً بحريته وكرامة نسائه.

الحكومتان، السورية والإيرانية، تسميان ثورة شعبيهما أعمال شغب، أما عمليات قمعهما ومصادرة حريتي الشعبين فهي عملية حفظ للنظام والسلم الأهلي وسيادة القانون!

بشار الأسد لم ير في ثورة الشعب المقموع غير تهديد لموقعه على رأس السلطة وتنغيصاً لصفو استبداده وتجبره

الحرية مطلب كبير على شعوب دول العالم الثالث لأنها تزعج حكامها المتسلطين وتعكر صفو أمزجتهم، لأنها تهدد سلطاتهم ومراتع بذخهم وترفهم. لم لا يستقيم أمر الحكام المستبدين إلا بمصادرة حرية شعوبهم وحكمهم بالحديد والنار وحرمانهم من حقوقهم المدنية والإنسانية؟

كل العالم يعرف ويشهد أن ثورة الشعب السوري كانت سلمية ولم تطالب بغير الحرية والعدالة الاجتماعية، لكن بشار الأسد لم ير في ثورة الشعب المقموع غير تهديد لموقعه على رأس السلطة وتنغيصاً لصفو استبداده وتجبره، فلم يجد غير أن يصف الشعب كاملاً بإثارة الشغب والعبث باستقرار البلد وتهديد سلامته، بدفع وتخطيط من أطراف خارجية معادية، وفق نظرية المؤامرة الخارجية الجاهزة تحت وسادة كل دكتاتور.

والشيء نفسه يحدث في إيران حكم الملالي ووليها الفقيه. فالشعب الإيراني الذي يرزح، منذ أكثر من أربعين عاماً، تحت دكتاتورية الولي الفقيه وميليشياته القمعية (الحرس الثوري وفيلق القدس وقوات الباسيج، وهذا من غير القوات الأمنية الرسمية طبعاً)، وهو ما يفتأ ينتفض، كل فترة، ضد دكتاتورية واستبداد علي خامنئي وبطش أجهزته القمعية، وفي كل مرة لا نسمع وصفاً لتلك الانتفاضات غير أعمال شغب وتحركات مشبوهة لعناصر ضالة، بدفع من قوى الاستكبار العالمي وشيطانها الأكبر، الولايات المتحدة الأميركية، من دون أن يشرح النظام الإيراني ووسائل إعلامه، كيف يمكن أن تكون ثورة سكان أكبر المحافظات الإيرانية مجتمعة مجرد أعمال شغب أو تحرك لبعض العناصر الضالة والمغرر بها، وهو يقتل من متظاهري كل انتفاضة الآلاف ويغيب في سجونه السياسية عشرات الآلاف منهم، وحتى جاء مقتل الشابة الثائرة (مهسا أميني) مؤخراً، ليجدد الشعب الإيراني ثورته ضد قمع واستبداد علي خامنئي وميليشياته، طلباً لحريته وكرامته، وليس طلباً للاقتصاص من قتلة مهسا من عناصر ما يسمى (الشرطة الأخلاقية) كما يحاول النظام الإيراني التدليس على أسباب ثورة الشعب الإيراني.

الشعوب الحية لا تثور إلا على القهر ومن أجل استرداد حرياتها وحقوقها، وعليه فمن المعيب والمهين وصف ثورات الشعوب وتظاهراتها بأعمال الشغب

ومثلما قدحت ثورة الشعب السوري (المقموع والمصادرة حريته منذ استيلاء حافظ الأسد على السلطة في سوريا عام 1970) مظاهرة شباب مدينة درعا وكتابة الصبي حمزة الخطيب لشعار معادي للنظام على جدار إحدى مدارس المدينة، قدحت عملية القتل الوحشي لمهسا أميني، الفصل الجديد من ثورة الشعب الإيراني ضد استبداد وتسلط ولي إيران الفقيه، نجد أن النظامين يتوافقان على توصيف الثورتين بأعمال الشغب، فكيف لحكومة تمثل سلطة دولة أن تسمي مظاهرات شعب بكامله بأعمال شغب وتصف مواطنيها بالمجاميع الضالة والمغرر بها من الخارج؟ كيف ترتضي هذه الأنظمة لنفسها أن تحكم وتمارس سلطاتها على مجاميع من المشاغبين إذن؟ وماذا لو قلنا لبشار الأسد الآن أن أبيك لم يورثك سوى مجموعة من المشاغبين لتحكمهم؟ ونفس الشيء ينطبق على علي خامنئي، إذ لم يورثه وليه الذي سبقه في حكم إيران، الخميني، سوى مجاميع من صناع الشغب وعناصر ضالة يحركها الشيطان الأكبر من خارج الحدود؟ فهل أمضى الخميني سنوات ثورته، كما كان يسميها، في حكم زمر من صناع الشغب؟

ثورات الشعوب على جلاديها أكبر وأجل من كل الحكام على كوكب الأرض. الشعوب الحية لا تثور إلا على القهر ومن أجل استرداد حرياتها وحقوقها، وعليه فمن المعيب والمهين وصف ثورات الشعوب وتظاهراتها بأعمال الشغب. والأكثر إهانة هو إحاطة الحكام لأنفسهم ومراكز طغيانهم بأجهزة أمنية قمعية تحت مسمى شرطة مكافحة الشغب، وهي في الحقيقة ليست سوى أجهزة وحشية، مدربة بإحكام وحرفية، على قمع المواطنين والتنكيل بهم عندما يثورون على طغيان واستبداد حكامهم.

وفي حسابات أرض الواقع وما جرى ومازال يجري في سوريا، فهل يعقل أن يكون الأحد عشر مليون سوري الذين أجبرتهم مدافع ميليشيات بشار الأسد وبراميله المتفجرة على الهجرة من بلادهم، مثيري شغب وعناصر مضللة، بعد أن قتل من عوائل هذا العدد الضخم، الآباء والأمهات والأبناء والزوجات؟ ما يقرب من نصف تعداد الشعب السوري أجبره القتل الوحشي والتنكيل الاجرامي والجوع على ترك بلاده، فهل يعقل أن يكون نصف الشعب السوري مجرد صناع شغب ويهدف لإزعاج نظام بشار الأسد، أو كما يسميهم هو وإعلامه، خارجين عن القانون؟

والشيء ذاته حصل ويحصل منذ عام 2009 في إيران، (عام تزوير الانتخابات التي فاز فيها مير حسين موسوي المعارض، لصالح محمود أحمدي نجاد، الموالي لعلي خامنئي) عام بدء انتفاضات الشعب الإيراني المتسلسلة (تكاد تكون انتفاضة لكل عامين ونصف) على سلطة الولي الفقيه، وحتى انتفاضته الحالية، التي جاءت على إثر قتل شرطة علي خامنئي الأخلاقية لمهسا أميني، بحجة عدم مطابقة حجابها لمعايير شريعة خامنئي. فكلما جدد الشعب الإيراني تظاهرات انتفاضته ضد دكتاتورية وبطش علي خامنئي، تم توصيف تلك الانتفاضات بأعمال الشغب وتمت مكافحتها بالنار والقتل والتغييب في السجون السياسية. فهل يعقل أن يكون غالبية الشعب الإيراني من المشاغبين وأن يكون علي خامنئي وبطانته وأجهزته القمعية وحدهم الصالحين والحارسين للقانون؟

ثورات الشعوب على حكامها دائماً تكون على حق ولا يحق لأي كان أن يشكك في نزاهة دوافعها أو نبل مقاصدها وأهدافها. فهي لا تأتي من فراغ بالقطع، بل تأتي كنتيجة لما يقع عليها من ظلم وقمع ومصادرة للحريات وحرمان؛ وعليه فلا تأتي (أعمال الشغب) إلا من الحكام وأجهزة مكافحتهم للشعب، تحت مسميات قوات أمنية وشرطة حفظ النظام والقانون.