الشرفاء صنّاع النصر المستحيل.. عن معركة اللواء 80 في ريف حلب (1)

2022.06.28 | 07:22 دمشق

مقاتلون من الجيش الحر
+A
حجم الخط
-A

المبدأ الحاسم الذي يحرك معظم المقاتلين في المعركة، هو الشرف، الذي يجعل المقاتلين حُماة للقيم المعنوية والمادية، هذا ما أكده الجنرال جان بيرييه صاحب كتاب "الذكاء والقيم المعنوية في الحرب"، والذي جعل المعنويات ركيزة أساسية وأولى لتحقيق النصر.

ومن هذه الزاوية لا سواها يُنظر إلى إرادة الثوار الصلبة في معاركهم الأولى مع قوات النظام التي تفوقهم بما لا يمكن تصوره عدة وعتادا. رغم ذلك، في كل ما كتبت وسأكتب لست في وارد تقديم تحليل عسكري، بل الهدف الرئيس، هو تفريغ رفوف الذاكرة عن تلك المآثر الأولى، بانتصاراتها وحتى في انكساراتها، عن أبطالها الشهداء الأحياء، والأبطال الأحياء الشهود.

وإذ تُلح عليّ الذاكرة أن استعيد منها وقائع شكلت واحدة من أكثر انتصارات الثوار جلالا، وهي المعارك التي أدت في النهاية إلى السيطرة على اللواء ٨٠. 

الموقع والأهمية

يقع اللواء ٨٠ على تلة صغيرة على يسار طريق حلب الرقة بالقرب من كازية المنارة، ويمتد على طول نحو 2 كم طول شرقا وغربا وعرض 700 متر.

يحده من الطرف الشرقي والشمال الشرقي بساتين الفستق الحلبي والكرمة حتى طريق جبرين نقارين، ومن الجهة الشمالية أرض مكشوفة حتى طريق الباب نقارين، التي تشرف تلتها عليه وتبعد عنه نحو 2 كم.

أما من جهة الغرب فتحده تلة مرتفعة وحاكمة سُميت تلة ال FM، وضع النظام عليها مفرزة حراسة مشددة لتأمين الحماية للواء من جهتي الغرب والشمال وتعتبر خط دفاع أول أو نقطة حراسة متقدمة.

من الجنوب مطار النيرب العسكري الذي يبعد عن اللواء فقط 3 كم، ومطار حلب الدولي وبينهما قرى المالكية وجبرين التي كانت تعج بأعداد كبيرة من الشبيحة.

مهمة اللواء 80 دفاع جوي هي حماية الأغراض والمنشآت الحيوية في محافظة حلب وخاصة مطار حلب الدولي ومطار النيرب العسكري ومعامل الدفاع ومراكز البحوث العلمية، ويتألف من أربع كتائب دفاع جوي فولكا (سام2) ومثلها بوتشورا (سام3)، موزعة حول المدينة أهمها كتيبة الواحة، وكتيبة عزان، وكتيبة المنطار، وكتيبة خناصر، وكتيبة جمعية الزهراء، وكتيبة الطعانة بالقرب من مدينة الباب، وكتيبة حندرات، بالإضافة إلى كتيبتين فنيتين واحدة في النيرب قرب المطار والأخرى في تل حاصل بالقرب من معامل الدفاع.

ملاك قيادة اللواء هي سرية صواريخ كوبرا (سام7) مضاد طيران محمولة على الكتف، تم نقلها مع بداية حصار اللواء خوفا من وقوعها بيد الجيش الحر، بالإضافة إلى سرية مضادات 23مم مؤلفة من سبع رشاشات أحدها مركب على عربة زيل، بالإضافة إلى مدفع 14.5 مم مثبت على قاعدة إسمنتية ومحمي بدرع واق، وهو بالأصل مخصص للطيران الحربي (حربي رشاش)، وأسلحة خفيفة ومتوسطة ومستودعات من الذخائر المختلفة.

المقدمات

حين بدأت بشائر التحرير في حلب عام ٢٠١٢، ودخول الثوار إلى أحياء المدينة الشرقية، واشتعال المعارك غير المتكافئة في جبهات صلاح الدين وسيف الدولة وصولا إلى هنانو مرورا بالسكري والعامرية وبستان القصر والكلاسة والمرجة، أوعز النظام لقواته الموجودة في الجهة الشرقية والشمالية الشرقية من المدينة، وهي اللواء 80 وكتيبة الدفاع الجوي في قرية الطعانة وكتيبة الرادار في الشعالة القريبتين من مدينة الباب، باستهداف أرتال الثوار على طريق حلب الباب القديم الذي كان الشريان الوحيد للثوار إلى المدينة.

من هنا لم يترك الثوار هذا الخطر الكبير وراء ظهورهم رغم ما فيه من تفوق هائل للنظام لم يوفر فيه الإمكانيات ليبقى خنق الثوار هدفه، وعليه قرر الثوار التعامل مع هذا الخطر، بدءا من محاصرة كتيبة الطعانة، حيث تسللت مجموعة من الثوار في الثاني عشر من شهر تشرين الأول عام 2012 إلى الكتيبة وحرروها بعملية خاطفة وسريعة دون أي خسائر.

قبيل اقتحام كلية المشاة بأيام قليلة طلب قائد المعركة العقيد يوسف الجادر (أبو الفرات) من مقاتلي مدينة الباب بدء معركة تحرير كتيبة الرادار في الشعالة لتخفيف الضغط وإشغال قوات العدو وتشتيت قدراته الدفاعية والهجومية، فما كان منهم إلا السمع والطاعة لقائد أحبهم وأحبوه، وبتاريخ 13 كانون الأول ديسمبر 2012 انقضوا على الكتيبة كالصاعقة وسيطروا عليها، دون خسائر.

الطريق ممهد

بدأت كتائب الفوج الأول في لواء التوحيد وعلى رأسها كتيبة شهداء الباب بقيادة الشهيد محمد المحيو (أبو عبدو)، وكتيبة أحفاد عمر بقيادة محمود الحسون الجبلي (أبو جاسم) بحصار اللواء 80، وإقامة نقاط رباط في المعامل والمستودعات القريبة منه، وتم رصد تحركات عناصره، وآلياته دون التعرض لها رغم أنها كانت في مرمى القناصة، وذلك بتوجيه من قائد غرفة العمليات بهدف تحقيق عنصر المفاجأة عندما يحين موعد الهجوم.

بدأ التحضير لعملية اقتحام اللواء 80 ضمن الإمكانيات البسيطة والمحدودة المتوفرة ووضعت خطة الهجوم في غرفة عمليات لواء التوحيد بقيادة العقيد الركن عبد الرزاق محمد (أبو بلال)، يساعده المقدم فهد الجويد والنقيب الشهيد عبد الرزاق خليل والقيادي في اللواء ياسر الكرز (حجي الباب)، وكان لكتائب الباب الدور الرئيسي في المعركة بالإضافة إلى مجموعات أخرى من اللواء ذكرها واجب وهي:

كتيبة أحفاد عمر بقيادة محمود الجلبي (أبو جاسم)، والشرطي المنشق الشهيد محمد فياض (أبو بكر الحمصي) من مدينة الرستن، وكتيبة نور التوحيد بقيادة عبد الرزاق الواكي (الشرطي)، وكتيبة عمر بن عبد العزيز بقيادة عمر قشقوش (ميماتي)، وكتيبة الأنصار بقيادة عمر عثمان، وكتيبة شهداء التوحيد بقيادة محمد الطرابيشي (أبو عمر) ومعه حسن العجل، وكتيبة شهداء الباب بقيادة الشهيد محمد المحيو (أبو عبدو) والملازم قصي الأشقر، وكتيبة عمرو بن الجموح بقيادة الشهيد حسن مخيبر، وكتيبة خطاب بقيادة أبو شمسي البطوشي، بالإضافة الى مشاركة كتائب أخرى من خارج لواء التوحيد، وكتيبة القسام بقيادة عبد الله الأحمد المرعي الملقب (الفهمان)، ومعه الشيخ عبدو البطوشي والشهيد محرم علي الحساني، وكتيبة التوافق، وكتيبة أبناء عائشة، ومجموعة من لواء أنصار محمد بقيادة الملازم أول أحمد شبلخ (أبو يعرب) والملازم رضا حمود.

وخلال حصار اللواء وبتاريخ 23 كانون الأول 2012 أي قبل المعركة بأيام قليلة تمكن الثوار من تأمين انشقاق العقيد أحمد محمد الدعاس، الذي وفر لغرفة العمليات معلومات مهمة جدا عن تموضع القوى الرئيسية ومفارز الحراسة ومقار القيادة ونقاط الضعف والقوة في اللواء.

اللحظة المُنتظرة

استمرت عمليات التحصين من منتصف شهر تشرين الأول أكتوبر إلى أواخر شهر كانون الأول ديسمبر، وبعد تحرير كلية المشاة بأيام قليلة، ومع غروب شمس يوم ٢٨ كانون الأول ديسمبر ٢٠١٢ بدأ الهجوم.

كان من المقرر أن يكون الهجوم ضمن عملية مباغتة وسريعة على محورين، الأول من الجهة الجنوبية الغربية حيث الباب الرئيسي ومحطة رودكو القريبة منه، والمحور الثاني من جهة الغرب حيث تلة FM المطلة على اللواء، في حين تكون الجهة الشمالية والشمالية الشرقية لمشاغلة العدو وتطوير الهجوم في حالة السيطرة على الباب والتلة.

حمي الوطيس واندفع الثوار بسرعة البرق للسيطرة على التلة يتقدمهم قادة المجموعات كالأسود، لا تميز فيهم القائد من الأفراد، قلب صلب واحد، ومصير واحد، وهمة لا كلمات تصفها.

من ذلك، أن أصيب الأسد الهصور رشيد الرشيد (أبو الجبل) والذي بترت ساقه وهو يقول لمن حوله استمروا ولا تخبروا الآخرين حتى لا تتأثر معنوياتهم، بالإضافة الى إعلامي شاب كان أمام المقاتلين يحمل الكاميرا بيد والبندقية باليد الأخرى هو الشهيد عبد الجليل الجبلي.

سيطر الثوار في نحو نصف ساعة على تلة FM، وقتلوا عدداً من أفراد النظام في حين لاذ الآخرون بالفرار. وهنا ارتفعت صيحات النصر قبل أوانها، إذ إن مقر قيادة اللواء والباب الرئيسي كان شديد التحصين واستعصى على المهاجمين، وزادت المهمة صعوبة مع وصول تعزيزات كبيرة إلى اللواء، من بينها عدد ضخم من الحرس الجمهوري والشبيحة، تتقدمهم ثلاث دبابات تي ٧٢ المعدلة، التي لم تؤثر بها كل قذائف الآر بي جي التي أطلقها الثوار.

استراحة محارب

مشهد المعركة وتفاصيلها لم تكن توحي بأي أمل في تقدم الثوار أكثر، وخصوصا بعد أن تدخل الطيران، المروحي والمقاتلات، الذي كان له الكلمة الفصل في وقف تقدم الثوار، وقد أمطر حرفيا الثوار بقصف مهول أكثره تأثيرا القنابل العنقودية، فما كان من الثوار سوى الانسحاب من تلة FM، بعد معركة طاحنة، وتوجهوا إلى المعامل المجاورة محافظين على خطوط الرباط حول اللواء.

ارتقى في هذه المعركة شهداء أذكر منهم: الملازم تامر إسماعيل سليمان، أسامة العلبي بن أحمد، محمد نور العسلي بن خالد، وليد الشحادة بن محمد، حسين محمد سعيد بن أحمد، عبد اللطيف درباس بن عبد المنعم، إبراهيم أبو زيد بن أحمد، عقيل صالح حجي عقيل بن محمد، عماد جميلي بن عبد اللطيف، أحمد أمين الصغير بن محمد، محمود المحيو بن أحمد، محمد علي عقيل الصالح بن كامل، خالد الأبرزي، عبد الحميد همشري بن أحمد.

 وكما بدأت مقالي، وأستعين من المصدر ذاته، عبارة "إرادة الانتصار"، فقد كان الثوار وهم منسحبون عليهم ملامح المنتصرين، وهي إرادة تصنعها الحماسة، والتعود على الخطر، والإحساس بالشرف، خليط يشكل القوة المعنوية، والطاقة النفسية التي تتغلب على أسباب الانهيار التي تولدها الحرب.

ليبقى اللواء ٨٠ في عين إرادتهم الصلبة، الذي عادوا إليه سيلا جارفا، مُحررا، مكبدا النظام خسائر رهيبة، وصلت إلى مقتل ٧٦ من أفراد قواته، بينهم عشرة ضباط، وبطبيعة الحال بين القتلى قائد اللواء ونائبه ، وتمام هذه الملحمة سيكون موضوع المقال القادم.