الشباب السوريون بين المرايا المحدبة والمرايا المقعرة

2021.07.26 | 06:26 دمشق

20210313142435reup-2021-03-13t142317z_659279792_rc2eam9d3hnb_rtrmadp_3_syria-security-anniversary-turkey.h-730x438.jpg
+A
حجم الخط
-A

لقد بات المشهد السوري اليوم أشبه ما يكون بالمرايا المتكسرة التي لم تعد قادرة على عكس صورة واضحة لما يحدث للسوريين ولسوريتهم بأبعادها الحقيقية، فقد أضرَّ التشظي الحاصل على سطحها والانكسارات العميقة المتكررة في جودة الانعكاس والوضوح، والصورة اليوم مأخوذة من زاوية الحدود السورية – التركية والتي شهدت عبور حوالي 61 ألف شاب سوري متجهين نحو مناطق مختلفة في سوريا بقصد قضاء عطلة (عيد الأضحى) مع ما تبقى من ذويهم على رمال النزوح المتحركة، يحملون على ظهورهم حقائب من هم وتعب ويَصرّون في جيوبهم بعض النقود التي هدَروا في سبيلها الكثير من الجهد والعرق والصبر، لعلها تدخل السرور إلى قلوب منتظريهم وتعينهم على ظروف معيشتهم الطارئة والقاسية، ولعل بعضهم سيشتري لوالده أو لوالدته "أضحية" إيماناً وتقرباً واحتساباً، وعلى الطرف الآخر من الحدود تقف الأحضان والأيادي والعيون والتي أتعبها العناق المفقود، وأرهقها الانتظار وملأتها الحيرة وجمد أوصالها الفقد.

هؤلاء الشباب المغيبون خلف قضبان جلاديهم ما هم إلا رصيد مستقبلٍ مهدور، وحالة من حالات إنكار إنسانيتهم وإنكار قيمتهم الكلية

ما أصعب المرايا المتكسرة حين لا تتيح لك أن تتبين كيف تقوم الضحية بشراء الأضحية! وما هذه الطاقة المعطلة من الشباب السوري سوى ضحايا وقوة ديموغرافية مهدورة ورصيد المستقبل المنهوب، وماهم إلا عينة من الشباب السوري المهدور عموماً حيث يكون وحيث يموت وحيث يعيش، ما أتعس المرايا المقعرة والتي لا تتيح لنا رؤية واستبيان الذين روَت دماؤهم تراب سوريا من شبابها، حيث إنها – أي المرايا المقعرة – تُركز على فعل الموت وتشتت رؤيتنا حول كيف ولماذا ومن أجل من حدث كل هذا الموت المؤلم والناهي للطاقة الكلية لجيل الشباب. وما أقسى المرايا المحدبة فهي متباينة ومنحنية للخارج ولا تسمح لنا بمعرفة حقيقة الشباب السوري في داخل المعتقلات! فهي بطبيعتها تعكس صورة مصغرة وتركيزها يقع خلفها، وهؤلاء الشباب المغيبون خلف قضبان جلاديهم ما هم إلا رصيد مستقبلٍ مهدور، وحالة من حالات إنكار إنسانيتهم وإنكار قيمتهم الكلية، ولا انعكاس لهم سوى عبرات وحسرات الأمهات وما يعتمل في قلوبهن من أمل زاده الإيمان والصبر فقط.

ما أظلم المرايا المتكسرة حين تعكس لنا صورة الشباب السوريين الذين ما زالوا يحاولون متابعة الحياة من حارات دمشق وشوارع حلب وحدائق حمص وحماة الموحشة ومقاهي دير الزور المقفرة وشواطئ الساحل الكئيبة، ودرعا الشهامة وسويداء القلب وجزيرة الخير، ومن المناطق المحررة والمناطق الخاضعة لسيطرة مختلف سلطات الأمر الواقع، حيث العنوان المشترك للشباب هو الشعور بالإحباط واللا جدوى، وتتملكهم الرغبة بكسر القيود والتمرد على الانقسام الحاد في المجتمع بين قلة قليلة جداً تعبث في موارد البلاد وتهدرها وتسرف في الرفاهية والإنفاق والنفاق، وأغلبية ساحقة تبيت على الطوى وتخنقها الحاجة ويكبلها الكبرياء والتجبر على ماحل بها، تحاول بالكاد تأمين لقمة العيش التي باتت عزيزة جداً، وأصبحت خيارات الشباب بين مرٍ وأشد مرارة، كالانخراط في مجموعات العسكرة واللجان المسلحة ومجموعات التشبيح والتشليح، عوضاً عن انهماكهم بتحقيق طموحاتهم في التعليم والعمل، وبين ركوب أمواج الهجرة واللجوء بكل وعورتها ومتاعبها.

مهما كانت المرايا ومهما تنوعت فهي باتت عاجزة عن أن تعكس صورة ما حل من اعتداء سافر على قوافل الشباب السوري وأحلامهم المسروقة وحقوقهم المبتورة

ما أخدع المرايا المتكسرة، حيث إنها عكست لنا صوراً مختلفة عن الشباب السوريين في بلدان اغترابهم ولجوئهم، فمنهم من تفوق ونبغ في دراسته وتحصيله العلمي المتقدم، وأضحى حديث وسائل الإعلام الاجتماعي، ومصدر اعتزاز لكل السوريين، وكذلك هناك من تميز في ريادة الأعمال وسجل قصة نجاح وشكل قيمة مضافة في محيط وجوده، ومنهم من يصارع التغيرات ويقاوم الاندماج والانخراط في بيئة بعيدة كل البعد عن البيئة التي نشأ فيها، وانعكس ذلك بصورة صدمة ثقافية واجتماعية وضياع وهوية مشتتة، ومحاولات تقليد ومحاكاة المتغيرات المحيطة به في حياته الجديدة، ولكن بحدود وعيهم وأدواتهم المتاحة.

ومهما كانت المرايا ومهما تنوعت فهي باتت عاجزة عن أن تعكس صورة ما حل من اعتداء سافر على قوافل الشباب السوري وأحلامهم المسروقة وحقوقهم المبتورة الأطراف وواجباتهم التي ضلت طريقها بفعل مستثمرين، أما آن الأوان لعودة المرايا المستوية لتصويب الرؤية بأبعادها الحقيقية أم أن التصاق الزجاج المكسر ضرب من المستحيل؟!