السيرة الذاتية للمرشح الرئاسي صاحب القبو القذر

2021.04.24 | 06:09 دمشق

hjvgg-538x330.jpg
+A
حجم الخط
-A

ذات يوم صيفي عام 2003 اتصل بي رئيس تحرير المحليات في صحيفة يسارية لأمر مستعجل كما وصفه، وبالفعل التقينا وسلمني ملفاً وصفه بالخطير، وأنه تم اختياري بالاسم لكتابة تحقيق حول جهة حكومية فاسدة، وهذا الاختيار جاء بناء على تاريخي – كما قال- النظيف في التصدي لملفات الفساد بقلم شجاع، وخبرتي الطويلة في كتابة التحقيق الصحفي، وهذا ما صدقته حينذاك لأن النفس أمارة بالسوء.

عدت إلى منزلي على وجه السرعة، وبدأت بنهم قراءة الملف الذي يتحدث عن شخص واحد يرأس مؤسسة رسمية لها علاقة بمواد التموين، وحجم ما يملكه الرجل الذي لا يتجاوز عمره الوظيفي 20 عاماً حيث يمتلك مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية في الساحل، وبناءً، عبارة عن (فيلا) قدر التقرير الصادر عن التفتيش قيمتها بنحو 50 مليون ليرة سورية، وعددا من البيوت والشقق في دمشق وقريته الفقيرة في اللاذقية.

إن جهة ما تريد أن يتم فضح الرجل لأنه مدعوم من جهات عليا، ووصول الأمر إلى الصحافة يعني أنهم سيرفعون يدهم عنه

التقارير المدعومة بوثائق رسمية، وصور عن السجلات العقارية مضافاً إليها تقرير موسع من الهيئة العامة للرقابة والتفتيش يؤكد قيام الرجل بعمليات فساد واسعة بملايين الليرات، واتهامات واضحة ببيع سلع رئيسية تخص لقمة الناس وأمنهم الغذائي كان يجب أن تأخذ طريقها إلى القضاء وليس إلى الصحافة وهذا ما دفعني لطرح السؤال على رئيس تحرير المحليات الذي قال إن جهة ما تريد أن يتم فضح الرجل لأنه مدعوم من جهات عليا، ووصول الأمر إلى الصحافة يعني أنهم سيرفعون يدهم عنه، ولكن يبقى السؤال لماذا صحيفة يسارية ولها علاقة ما بتسمية معارضة في ذاك الزمن البعثي برمته.

بعد إصراري على معرفة تفاصيل أكثر عن الأمر تم دعوتي للقاء مع الشخص الذي أوصل الملف إلى الجريدة اليسارية، وكانت المفاجأة أنه (أحمد عبد الغني) صاحب ترخيص ورئيس تحرير جريدة القرار، وهذا ما أثار ذعري لماذا أنا بالذات، وأية تصفية حسابات بين جهات أمنية سأكون قربانها.

 في مكتب أحمد عبد الغني في المزة – شيخ سعد توضحت لي أنا ابن المهنة وكاتب التحقيقات كيف تدار الصحافة وفضائحها، ومن أين تأتي الملفات، وأما المكتب الصغير الذي لا يتعدى غرفة واحدة في قبو البناء وسكرتيرة فقيرة فبدا كأنه وكر لإدارة الملفات القذرة، وأما الدكتور عبد الغني فلا يثير الراحة في منطقه أو شكله-رجل قصير وأصلع ومتذاكي- وعلى الجدار خلف المكتب صور الرئيس وكذلك أمامه شعارات وطنية، وصور للرئيس أيضا تحت زجاج المكتب.

لا بد من تسليم الملف عبر عرّاب خفي في حال لم تنجح خطة الإطاحة بالفاسد الذي لا يعني اسمه هنا أي مدلول في دولة تسيدها الفاسدون وأهلكوها

بعد عشر دقائق من وجودي حضر ضباط بلباسهم العسكري ومعهم مدني أنيق هو من تولى إدارة الحديث عن أسباب اختياري واختيار الجريدة الرئيسية لهكذا ملف، ويتضح تماما أنه رجل المخابرات المعني، والبقية مجرد استعراض أمني، وفي تبريرات اختيار الجريدة كان مطب الفريق في إقناعي فصحف البلاد الثلاث (تشرين والثورة والبعث) أولى بالثور الضحية، ولكن حتى يتسنى لهذا الجهاز لصق التهمة بصحفي محسوب على هامش المعارضة والصحافة اليسارية لا بد من تسليم الملف عبر عرّاب خفي في حال لم تنجح خطة الإطاحة بالفاسد الذي لا يعني اسمه هنا أي مدلول في دولة تسيدها الفاسدون وأهلكوها.

انتهى اللقاء الوحيد دون اتفاق وعاد الملف إلى أصحابه وطويت فضيحة فساد لم أوافق على المساهمة فيها، ولكنه كان درساً جيدا للسؤال الدائم ماذا يريد أي مصدر من الصحافة عند تمرير أي وثيقة ومن يقف خلفها.

كل ما تقدم من المقال مرده إلى خبر قرأته بالأمس عن المرشح السابع لانتخابات رئاسة الجمهورية الدكتور أحمد عبد الغني الذي كتب في سيرته الأولى مناصب لا تحصى من بينها ـ مدير عام ورئيس تحرير جريدة القرار السياسية، وعضو اتحاد الكتاب العرب، مدير صفحة حاجتكم فساد تخنت.. هو الرجل الأصلع المتذاكي نفسه صاحب مكتب القبو الذي تدار فيه الملفات القذرة.