السياق الزماني للنزاع في سوريا وإضعاف روح التضامن

2022.05.06 | 07:08 دمشق

62717d9d843e5.image_.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد مرور عقد من الزمن على قيام ثورة السوريين واحتجاجاتهم على الظلم ومطالبتهم بالحرية والعدالة والحق بالعيش الكريم والتي جابهها النظام الحاكم بواقع غير مسبوق من القمع والعنف وتحويلها إلى نزاع مسلح مفتوح ومد يد من خلال استخدام كل قدراته الأمنية والعسكرية وعبر استقدام الاحتلال الروسي والميليشيات الإيرانية والطائفية المساندة، ما يزال المدنيون السوريون والذين يشكلون الغالبية العظمى من ضحايا العنف والانتهاكات التي تصل إلى جرائم حرب وإبادة جماعية عبر سلسلة من المجازر المستمرة مع تبدل شكل ونوع الأداة المستخدمة في الاستهداف من حصار وتجويع وقتل وتضليل إعلامي وإذكاء الفتن والمكائد بين مكونات المجتمع السوري.

ولابد من الإشارة إلى أن للوقت أهمية قصوى لا يمكن الاستهانة بها في سياق النزاعات المديدة الأجل، ولا يغيب عن بالنا حقيقة أن الإنسان يكتسب مفاهيمه وأفكاره عن كل ما يدور حوله من خلال السياق الزماني واستحضار المقاربات والمقارنات في كل فترة زمنية من الصراع، ويحاول تفسير الدوافع والمسببات وفق ما يصل إليه من حقائق ومشاهدات تساعده في فهم واستيعاب ما يحدث في محيطه، ويستعين بقدرته على التكيف والتأقلم مع النتائج ويستكين إلى ما يتفق مع ميوله واتجاهاته وقيمه في تفسير ما يحدث في ظل الأعباء الحياتية الصعبة التي تفرضها سياقات النزاع.

استراتيجية إطالة أمد النزاع وفقدان الأمل

تستخدم الأطراف الفاعلة في النزاع وفي مقدمتها النظام السوري عامل الوقت وإطالة زمن الصراع للوصول إلى حالة فقدان الأمل واللاجدوى لدى الناس، حيث يتجسد المشهد بالدمار والاقتتال والموت واللجوء والنزوح وتدني مستويات المعيشة والقهر واليأس وغياب الخدمات والاستمرار بالحد الأدنى من مقومات الحياة، ترافق ذلك مع أداء بائس وهزيل لمؤسسات المعارضة الرسمية وارتهانها لمشروعات دولية وانشغالها بخلافات جانبية، ويتشارك معها هذا الأداء عمل منظمات العمل الإنساني والإغاثي التي باتت تعتاش على آلام واحتياجات السوريين أينما وُجدوا، وتسترزق من مشاريع الاستجابة الإنسانية لحالات الطوارئ التي باتت سمة مرافقة لكل سوري سواء كان في خيمة النزوح أو في بلدان اللجوء ولم يسلم من مشروعاتهم من يقيم في مناطق سيطرة نظام الحكم ويقاسي أصعب الظروف لتأمين لقمة العيش لأطفاله.

مجزرة حي التضامن وكيف يكون التضامن مع الضحايا؟

لم تكن مجزرة حي التضامن أولى ارتكابات النظام بحق شعبه المدني الأعزل ولن تكون الأخيرة، مازال هذا النظام جاثماً على صدور السوريين ومالكاً لزمام الحكم ومتحكماً بالموارد ومنتهكاً للإرادة الشعبية، فمنذ مذابح حماة وتدمر وحلب في ثمانينيات القرن الماضي ومروراً بمجازر رسم النفل وجامعة حلب ونهر قويق وباب عمرو ودرعا والصنمين وجسر الشغور والحولة والبيضا ودير الزور وحي غويران في الحسكة واليرموك والتضامن وغيرها من المجازر الصامتة التي لم توثق، بالإضافة لما يحدث في المعتقلات وفي أقبية السجون.

لم تكن مجزرة حي التضامن أولى ارتكابات النظام بحق شعبه المدني الأعزل ولن تكون الأخيرة مازال هذا النظام جاثماً على صدور السوريين ومالكاً لزمام الحكم ومتحكماً بالموارد ومنتهكاً للإرادة الشعبية

ووفق استراتيجية إطالة الأمد واستحضار اليأس يبدأ التفاعل مع هذه المشاهد المرعبة والمخيفة بزخم عاطفي كبير وتسيل من الأقلام والأفواه شلالات الإدانة والاستنكار وتنتهي إلى تفسير رغبوي مستند إلى رؤية وخبرة المتحدث أو الكاتب، ثم وحسب الطبيعة الإنسانية تهدأ الحالة الانفعالية ويستقر الألم في صدور أولياء الدم وأصحاب الجرح ووفق دوائر المصاب المحدودة، وتصل الحالة العامة إلى ما هو مرسوم لها وهو اليأس والشعور باللاجدوى، ويعزز هذه الحالة الصمت الدولي والعربي المخيف والرهيب إزاء كل هذه الجرائم الموصوفة، وجميعنا لاحظ كيف تعاملت وسائل الإعلام الدولية والعربية مع الفيديوهات المنشورة والتي توثق جريمة حي التضامن التي تدمي قلب كل صاحب ضمير إنساني حي.

كيف نكسر دائرة اليأس؟

لابد من تحويل شكل الاستجابة من الغضب العارم والإدانة والاستنكار إلى آليات ذات أثر مستدام ، ومن هذه الآليات :

1–بذل مجهود قانوني مكثف والتقدم بدعاوى قضائية ضد الجناة أمام جميع المحاكم الدولية والمحلية والرمزية، وذلك من ذوي الضحايا أو من جهات ومنظمات تستطيع تمثيلهم، بالإضافة إلى توجيه خطابات ورسائل حقوقية إلى جميع منصات الدفاع عن حقوق الإنسان والمنظمات الدولية التي تتبنى شعارات العدالة والإنسانية ومكافحة الجرائم ضد الإنسانية تشرح من خلالها حقيقة الموقف وتطالب بالعدالة والمحاسبة.

2–تشجيع كل من يملك دليلاً مادياً مكتوباً أو مصوراً أو شهادة حية على جرائم النظام ليقدمه إلى الجهات القانونية ذات الصلة ضمن ظروف التحوط والحماية وذلك من أجل خلق تراكم للأدلة والبراهين التي سيكون لها دور في جلب الأسد ونظامه للعدالة عاجلاً أم آجلاً.

3– دعوة مراكز البحوث والدراسات /الاجتماعية والإنسانية/ للقيام بدراسات وبحوث تحلل وتفسر العوامل التي أتاحت للإنسان هذه القدرة الرهيبة على ارتكاب الجريمة بدم بارد والكشف عن برامج تغذية العنف التي يعتمدها النظام طوال فترة حكمه واستبداده حتى أوصل الإنسان السوري إلى هذه الصورة البشعة، وبالعودة للتعليقات والآراء المنشورة لبعض الذين أيدوا مجزرة حي التضامن وغيرها من مجازر النظام حيث تكشف للسوريين حجم الدمار المجتمعي وسعة الفجوة بين مكونات الشعب السوري، وهذا يستدعي المزيد من الدراسات والتحليل للوصول إلى تحليل معمق للأسباب مما يساعد في الوصول لحلول مستدامة تحمي تصدع وتشظي المجتمع السوري.

4–حض منصات الإعلام المعارض والمتحدثين والمؤثرين على التوجه للرأي العام السوري والإشارة وضوحاً وصراحة بأن عدوهم واحد، وذلك بغض النظر عن اصطفافاتهم الحالية المؤقتة وتوضيح حقيقة أن معاناتهم مستمرة طالما استمر هذا النظام في اغتصاب الحكم والسلطة في سوريا.

إذاً.. لا لليأس بالرغم من سوداوية المشهد وعلى جميع السوريين كلٌّ من موقعه ومن مساحة تأثيره أن يبادر برد فعل يتضمن قيمة مضافة مهما كانت متواضعة فهي تصب في أمل السوريين في الخلاص.