السياسة وشعر بسمة قضماني

2021.04.08 | 06:28 دمشق

bsmt_qdmany.jpg
+A
حجم الخط
-A

أثبت التاريخ البشري صدق مقولة ونستون تشرشل الشهيرة: (في السياسة ليس هناك عدو دائم ولا صديق دائم، هناك مصالح دائمة)، فأعداء الحربين العالميتين هم حلفاء اليوم، وهم، عمليا، حكام العالم، أو على الأقل هم المقررون لسياسات العالم بشكل ما،  كان تشرشل بعيد النظر ومحقا في كلامه، السياسة أيضا لا تعترف بالقناعات الثابتة، ولا بالمبادئ، عليك، إن كنت تريد العمل في السياسة أو في شأن عام ( في عصرنا كل القضايا هي قضايا سياسية حسب جورج أورويل) عليك أن تدرك أنك ذات يوم سوف تضطر لتقديم تنازلات ما، أو تضطر لوضع مبادئك جانبا، كي تحصل على بعض المكاسب لصالح قضيتك السياسية التي تعمل لأجلها، ففي السياسة أيضا أعداؤك أكثر من محبيك، إذ إنك في المركز، في نقطة الضوء، حيث لن يرى الآخرون في عملك سوى غايتك الشخصية، التي لابد وأن تكون دافعا من دوافع عملك في السياسة، إذ إن السياسة ليست فعلا خيريا حتما، لكنك وأنت في سعيك ذلك تسعى لتحقيق مكاسب لقضيتك العامة ولك، هذا من الطبع البشري، بيد أن أعداءك لن يروا سوى مصلحتك،  لن يروا ما يمكن لك أن تنجزه للقضية العامة، عليك أن تحتمل هذه الطاقة السلبية الموجهة ضدك حين تعمل في السياسة والشأن العام، هذا لا يعني أنك محق وهم مخطئون، ولا يعني العكس أيضاـ هذا يعني مرة أخرى أن السياسة فعل متغير حسب المعطيات المحيطة بها، وبالتالي كل ما يتعلق بها سوف يتغير، هذا، مرة أخرى، ما أثبته التاريخ عبر العصور.

في المجال نفسه ثمة قول شهبر لإبراهام لينكولن:( إن كنت تريد أن تكسب أحدا لقضيتك عليك أولا أن تقنعه أنه صديقك)، أتذكر كلام لنكولن وأنا أفكر في عدد الأعداء الذين أفرزهم من تصدروا لقيادة الثورة السورية، عبر عشر سنوات، إذ لم يسبق أن استطاعت قضية عادلة خسارة أصدقائها وكسب مزيد من الأعداء كما حصل مع قضية الثورة السورية، التي بدأت بتفاعل وتعاطف عالمي غير مسبوق، وانتهت بابتعاد الجميع عنها واعتبارها شأنا داخليا، هذا عدا عن أطراف عديدة تراجعت حتى عن الدعم المعنوي للثورة السورية، ماذا يمكن أن يكون السبب غير الواجهة الفاشلة التي قدمت للعالم عبر هيئات المعارضة المصرة على قيادة الثورة، بدءا من الخطاب العام الموجه للسوريين والذي لم يكن يوما ما خطابا جامعا وموحدا، بل كان خطابا فئويا وتحريضيا ومبغضا وخادما لما أراده النظام السوري بالظبط، ابتعدت فئات عديدة من السوريين عن الثورة، لأنها لم تستطع أن تلقى في خطاب المعارضة ما يجعلها تشعر بالطمأنينة، هل هذا يعني تبريرا لمن وقف مع النظام؟! حتما لا، إذ لا يمكن تبرير الوقوف مع القتل والجرائم تحت أي ذريعة كانت، من يؤيد الإجرام هو مجرم هذه بدهية لا تناقش، لكن ما سبق هو نقد لخطاب المعارضة ومحاولة لفهم الأسباب التي كانت وراء الهزيمة الكبيرة التي أحاطت بالثورة السورية وبالقضية السورية عموما، خطاب المعارضة كان جزءا منها، ليس فقط الخطاب الموجه للسوريين، بل أيضا الموجه للرأي العام العالمي، إذ بررت قيادات المعارضة التسليح الممنهج وبررت الأسلمة وبررت التطرف، بل دافعت عن المتطرفين واعتبرتهم ركنا رئيسا من الثورة، فعل ذلك للأسف، العلمانيون، أو من كان يفترض بهم أن يتجهوا بالشعب الثائر نحو (غد مشرق) لا أن ينغمسوا في خطاب شعبوي، كان السوريون الثائرون مترفعون عنه في كثير من الأوقات لكنهم لم يجدوا من يأخذ بيدهم نحو ( الغد المشرق)، لم يجدوا سوى قيادات وشخصيات متهافتة نحو تحويل القضية السورية إلى قضية متسولة وبائسة، تتسول التعاطف والمال والسلاح، وتبيع الثورة لمن يدفع أكثر.

على سيرة ( الغد المشرق)، قامت الدكتورة بسمة قضماني قبل أيام بزيارة إلى الشمال السوري، وفي إحدى محاضراتها وضعت شالا غطت به رأسها أسوة بالنساء الموجودات في الشمال، أو  ربما، وهو الأصح غالبا، التزاما بتعليمات الجهات الحاكمة للشمال السوري، وهي الميليشات الراديكالية المسلحة، التي كان لها الدور الأكبر في الخراب الذي لحق بالثورة السورية، بسمة قضماني، العلمانية الليبرالية التي حاضرت مرارا وتكرارا في نقد الإسلاميين، والنسوية التي طالبت مرارا بحق المرأة بالتصرف بجسدها وحياتها، اضطرت لوضع غطاء على رأسها أثناء زيارتها للشمال السوري، وألقت محاضرة وشعرها مغطى وفوق رأسها لافتة مكتوب عليها (نحو غد مشرق)، لا أعرف أي غد مشرق سوف تجلبه هذه الكتائب الجهادية، على الأقل حاضرها لا ينبئ بغير الخراب العميم، للمرأة بشكل خاص، وطبعا كالعادة قامت حملة شعواء ضد تصرف الدكتورة قضماني من قبل أطراف متعددة من السوريين، قد يكونوا محقين في حملتهم، غير أن الفعل السياسي في الظرف السوري الحالي يتطلب تنازلات مريرة، ومنها التخلي الظاهري عن قناعات ومبادئ مترسخة في الشخصية، هل هذه انتهازية؟ قد يسميها البعض كذلك، ولكنني، شخصيا، أراها من قلب العمل السياسي، سموها ما شئتم، انتهازية أو مرونة أو تنازلا أو أي شيء، لكن العمل السياسي في الظرف السوري يتطلب هذا التنازل، ولا أعتقد أن الدكتورة قضماني ستهتم كثيرا بهذه الحملة، فهي غير أنها معتادة على مثل هذه الحملات ضدها من قبل جميع فئات السوريين، فهي، على ما أعتقد، تعرف أنها سوف تتعرض لكل هذا، برأيي أن ما تفعله هو أنها تكمل ما بدأ به علمانيو الثورة من تنازل للإسلاميين وقبول بالعمل معهم، عل أمرا ما يتغير في الوضع الحالي، بالغ الاستعصاء، مع أن الإسلاميين هم الأقل مرونة أو موافقة على التنازل لمن يعتبرونهم خصوما في قلب الثورة، الإسلاميون لا يقبلون سوى بالواجهة أو الخراب، وهو ماحدث فعلا خلال سنوات عشر سابقة، ولسوء الحظ فقد انجر العلمانيون إلى البؤرة نفسها، البقاء في الواجهة أو الخراب، لا أحد يرضى بالابتعاد أو الاعتذار، قلة قليلة فقط من فعلت ذلك، لا تكاد تذكر، البقاء في الواجهة أو الخراب، بيد أن ما حصل هو أن هؤلاء  بقوا هم في واجهة الثورة بعد أن تعمم الخراب على كل مافيها، في مسار طويل ترافق تماما مع الأسد أو نحرق البلد، حيث احترقت البلد فعلا ومازال الأسد قابعا في قصره يراقب بانتشاء ما اقترفته يداه من جرائم بحق سوريا وشعبها.

شال الدكتورة بسمة قضماني الذي غطى شعرها في الشمال السوري، يشبه ورقة توت شفافة، لم تستطع أن تخفي عورة قيادات المعارضة السورية بل ربما كشفت مزيدا من الازدواجية والتناقض وعنق الزجاجة المغلق تماما في الوضع السوري الحالي.