icon
التغطية الحية

السياحة الدينية.. سلاح إيراني لمد النفوذ في سوريا ودعاية داخلية

2021.11.17 | 14:13 دمشق

1636391193294081716.jpg
إسطنبول - ضياء قدور
+A
حجم الخط
-A

يبدو أن الترويج الإعلامي الإيراني الضخم الذي رافق رحلة رئيس منظمة الحج والزيارة الدينية الإيرانية، علي رضا رشيديان، إلى سوريا، ذهاباً وإياباً، لم يكن موجهاً بدوافع استهلاكية للتخفيف من وطأة مطالب داخلية مكررة، أكثر من كونه إظهاراً لتناغم مع توجهات حكومة إبراهيم رئيسي، التي بدأت أولى تداعيات صعودها إلى السلطة في إيران تتجلى واضحةً على الساحة السورية من بوابات مد النفوذ الاقتصادي والثقافي والاجتماعي الإيراني، بالتوازي مع توافق في الشكل والمضمون مع سياسات إيران الخارجية وخريطة ميادين فيلق القدس العسكرية.

هذه التطورات لا تعني بطبيعة الحال أن إيران ستقلل من اهتماماتها العسكرية داخل سوريا مع الإعلان الأخير عن انتهاء مهمة جواد غفاري، قائد القوات الإيرانية في سوريا، على حساب سعيها نحو الاهتمام بتعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي داخل سوريا. بل على العكس، سيسير هذان المساران في اتجاه متواز ومتسق، رغم أن ضرورة المرحلة القادمة تحتم على الإيرانيين تسليط الضوء على نشاطاتهم المدنية داخل سوريا بشكل أكبر.

وحتى لو كان التسليط الإعلامي لنشاط إيران المدني في سوريا مخالفاً للمنطق ولا يتوافق مع ظروف المرحلة الراهنة، خاصة عندما يعلن رشيديان عن التوافق حول إرسال 100 ألف زائر إيراني إلى سوريا في المرحلة الأولى، فلا ضير في القليل من التضخيم والتهويل المعهود الذي يحبه المرشد الإيراني وقادة الحرس الثوري وفيلق القدس، ويستهلكونه دائماً في الداخل الإيراني المضطرب اقتصادياً وصحياً واجتماعياً.

نظرة على إحصائيات السياحة الدينية الإيرانية إلى سوريا
(السنوات العشر الماضية)

من الصعب جداً تحديد إحصائيات دقيقة لتعداد الزوار الإيرانيين الذين وطئت أقدامهم الأراضي السورية بقصد السياحة الدينية بعد حادثة أسر 48 إيرانياً جلهم من العسكريين على يد مجموعة من ثوار الغوطة الشرقية في عام 2012.

وبسبب هذه الحادثة بالتحديد، توقفت السياحة الدينية الإيرانية إلى سوريا بشكل كلي لعدة سنوات بقرار من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وذلك بعد أن كانت قوافل الزوار الإيرانيين القاصدين سوريا تصل أعدادها لملايين الأشخاص سنوياً قبل انطلاق الثورة السورية، بحسب الإحصائيات الرسمية لمنظمة الحج والزيارة الإيرانية في ذلك الوقت.

ورغم أن مطالبات قدمت من جانب وزارة السياحة التابعة للنظام لإيران بإعادة فتح باب السياحة الدينية في عام 2015، اشترطت إيران لتلبية الطلب تقديم حكومة الأسد مشروع خطة أمنية لها.
وفي العام ذاته، وقع رئيس منظمة الحج الإيرانية خلال زيارة له إلى سوريا مذكرة تفاهم مشتركة مع وزارة السياحة السورية، نصت على تشكيل لجنة مشتركة بين إيران وسوريا لتوفير التنسيق اللازم لاستئناف إرسال الزوار الإيرانيين إلى سوريا.

رغم ذلك، لم يتم تطبيق بنود هذه المذكرة، مما دفع وزير السياحة في حكومة النظام، بشر يازجي، في العام القادم 2016، لزيارة إيران، لمتابعة تنفيذ وتجديد مذكرة التفاهم السابقة.

في ذلك الوقت، أعرب بشر يازجي عن أسفه من عدم رؤية إحصائيات الزوار الإيرانيين في الإحصائيات السياحية إلى سوريا، وشجع مسؤولي منظمة الحج الإيرانية لإعادة تفعيل السياحة الدينية إلى سوريا من خلال إشارته لعدم وقوع أي حوادث أمنية لأي من السياح الذين قصدوا سوريا بين عامي 2013 و 2016.

زيارات غير رسمية صامتة بضوء أخضر حكومي إلى سوريا بعد عام 2018

رغم أن إحصائيات منظمة الحج الإيرانية لم تكن تشير لوجود أي برامج لديها لإرسال قوافل الزوار الإيرانيين قبل عام 2019، إلا أن رحلات غير رسمية كانت يتم تسييرها بضوء أخضر حكومي نحو سوريا من قبل وكالات سفر إيرانية مختلفة.

وكانت هذه الرحلات تتم بشكل صامت تحت عناوين مختلفة، معظمها سياحي، وتقارب كلفتها 6 ملايين تومان إيراني (٢١٥ دولار أميركي للشخص الواحد)، وتحظى بمرافقة وكادر أمني كامل لحمايتها.

على سبيل المثال، أعلنت وكالة أنباء ايسنا الحكومية في تقرير نشر لها بتاريخ 5 مارس/آذار 2019 عن وجود عروض سياحية تقدمها وكالة إيرانية تسمى (جولة سوريا) لإرسال قوافل الزوار الإيرانيين إلى سوريا.

وقبل ذلك بعدة أشهر أيضاً، في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أعلن حسن بلارك، رئيس هيئة إعادة إعمار العتبات، في حديثه مع وكالة ايكنا الإيرانية، عن بدء إحدى وكالات السفر الإيرانية (يوتاب كشت) بتسيير رحلات جوية للزوار الإيرانيين إلى سوريا في إطار المعايير الرسمية، معلناً عن وجود مرافق جيدة للزوار من حيث الفنادق والحراسة الأمنية وغيرها في دمشق.

زيارات رسمية بأعداد محدودة في عام 2019

في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2019، غادرت أول قافلة رسمية مرخصة من منظمة الحج والزيارة الإيرانية متوجهة إلى دمشق جواً من مطار الخميني الدولي.

وأعلنت منظمة الحج والزيارة الإيرانية أن قرار استئناف الزيارات الدينية إلى سوريا في ذاك الوقت سيكون محدوداً، بحيث تم إرسال ما بين 10 إلى 12 قافلة مكونة من 45 إلى 50 زائراً إيرانياً شهرياً إلى سوريا. ( 600 شخص شهرياً، 7200 شخص سنوياً).

وبحسب الإحصائيات التي نشرتها منظمة الحج والزيارة الإيرانية، وصل عدد الزوار الإيرانيين إلى سوريا بين 400 إلى 500 زائر شهرياً، وفي المجموع وصل عدد الزوار الإيرانيين في عام 2019 إلى نحو 1300 زائر.

رغم ذلك، لا يمكن اعتبار هذه الإحصائيات دقيقة كلياً بسبب انتشار الأخبار المتفرقة حول استمرار الرحلات غير الرسمية، مما قد يرفع من عدد التقديرات السابقة إلى الضعف. لكن يمكن القول إن الأعداد الكلية للزوار الإيرانيين لم تتجاوز عدة آلاف موزعين بين رحلات رسمية وغير رسمية في عام 2019.

الزيارات غير الرسمية مرة أخرى من دون مراعاة للضوابط الصحية

في أحدث تقرير نشرته وكالة فارس الإيرانية في 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، انتقدت فيه عمل منظمة الحج والزيارة الإيرانية، وتساءلت عن الجهة الحكومية التي تقوم باستغلال علاقاتها القوية في الداخل لإرسال قوافل الزوار الإيرانيين إلى سوريا بشكل غير رسمي وبأجور باهظة الثمن.

وتطرق التقرير للحديث عن أن هذه الرحلات تتم عبر رحلات جوية على متن شركة ماهان إير التابعة للحرس الثوري الإيرانية أو شركة أجنحة الشام التي يملكها رامي مخلوف، من دون مراعاة للضوابط الصحية من خلال الاكتفاء فقط بإجراء فحص PCR للزوار الإيرانيين، من دون التأكد من وجود وثيقة تثبت حصولهم على جرعة أو جرعتين من لقاح كورونا.

توقعات بارتفاع أعداد "الحجاج" الإيرانيين إلى سوريا

إذا ما أخذنا عام 2019 كمثال، عندما تم فتح أبواب الزيارة الدينية الإيرانية إلى سوريا بشكل رسمي وغير رسمي، لم تصل أعداد الزوار الإيرانيين في أفضل الأحوال إلى عدة آلاف شخص. لذلك يعتبر إرسال 100 ألف زائر إيراني إلى سوريا في المرحلة الأولى مطلباً مرتفع التوقعات لا تؤيده وقائع الأرض والظروف الأمنية في مناطق سيطرة النظام.

ومع بقاء حادثة عام 2012 شاخصة أمام المسؤولين الإيرانيين، فليس من المتوقع أن تعود الرحلات الدينية الإيرانية إلى سابق عهدها، رغم رغبة مسؤولي نظام أسد زيادة أعدادها، وتأكيدهم المستمر على حمايتها من المطار إلى المطار، وستبقى المهاترات الداخلية حولها مشتعلة لتؤكد سيطرة طهران الشكلية على محيط أماكن الزيارات الدينية في سوريا، وزيف ادعاءاتها حول قدومها لحماية "العتبات المقدسة" في سوريا.