السويداء على حافة حرب طاحنة

2019.06.22 | 00:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في الفترة الأخيرة تصاعدت حدة العداء بين بعض الفصائل المحلية في السويداء وبين قوات النظام الجاثمين على عدة بقع من المحافظة، ولا ينسى كثير من أهالي السويداء موقف بشار الجعفري مندوب النظام في الأمم المتحدة حين قال بأن هناك إرهابيين في السويداء، وكذلك لم ينسَ الأهالي حين جاء الروس محملين بتقارير من قيادة النظام تشير إلى وجود عدة فصائل إرهابية في المحافظة.

فشل النظام في محاولاته لإيجاد أرضية لاقتحام المحافظة وخاصة أن السويداء ذات أغلبية درزية ولا وجود للتشدد فيها وحتى سكانها من السنّة فهم يمثلون بغالبيتهم الإسلام الوسطي، ونتيجة عدم التحاق شباب السويداء بالخدمتين الإلزامية والاحتياطية، حقَد النظام على المحافظة وأهلها وحاول بدايةً إشعال الفتنة بين السهل والجبل ولكن العقلاء من الطرفين كانوا له بالمرصاد وقالها معظم أهالي السويداء متمثلين بحركة رجال الكرامة بالمقام الأول: "نُحرم التعدي منّا والتعدي علينا"، وأكدوا بأنهم لم ولن يخرجوا شبراً واحداً خارج حدود المحافظة، فمن يدافع عن قطعة من الوطن يدافع عن الوطن كاملاً.

قرر النظام القضاء على الحالة الأهلية المسلحة التي تشكلت في العام 2014 والتي سُميت حركة رجال الكرامة ووقف الأمن العسكري خلف عملية اغتيال قائدها الشيخ وحيد البلعوس في العام 2015 وامتص غضب الشارع بأن أفرغ مقراته الأمنية لفترة محدودة قبل أن تسمح له بعض الرموز المتآمرة في المحافظة من عودته إليها.

استكمل النظام المخطط وأقحم المحافظة في مواجهة مع داعش فقام بترحيل مقاتلي داعش مع أسلحتهم من مخيم اليرموك إلى تلول الصفا في البادية الشرقية المتاخمة للسويداء  وبتاريخ 25 حزيران من العام 2018 ترك الحدود الشرقية المتاخمة للبادية دون قوات من جيشه

استكمل النظام المخطط وأقحم المحافظة في مواجهة مع داعش فقام بترحيل مقاتلي داعش مع أسلحتهم من مخيم اليرموك إلى تلول الصفا في البادية الشرقية المتاخمة للسويداء  وبتاريخ 25 حزيران من العام 2018 ترك الحدود الشرقية المتاخمة للبادية دون قوات من جيشه، وكانت تشكيلات كبيرة جداً من داعش تتخذ من تلول الصفا مركزاً لها، ولم يكتفِ بسحب قواته بل أوعز لميليشياته في المحافظة بسحب السلاح الفردي من السكان في القرى النائية، وهذا كله كان تمهيداً لدخول أكثر من 500 مقاتل من داعش إلى منازل المدنيين ليلاً، كان المخطط أن يستغيث الدروز وأن يطلبوا من جيش النظام التدخل، ولكن أهالي المحافظة تكاتفوا واستطاعوا رد الدواعش دونما حاجة للنظام وسقط منهم حوالي 300 شخص، وجاء تدخل جيش النظام بعد 36 ساعة من الأحداث ولكنه قوبل بامتعاض أهل المحافظة وفقد هذا الجيش رمزيته لديهم.

انتقل النظام لمخطط جديد مستغلاً عبر أجهزته الأمنية حالة الفقر والفوضى في عموم البلاد، فقام بدعم عصابات الخطف والتهريب والتشليح واشترك كبار ضباطه في الاستفادة من العمليات، وجد النظام من خلال إيجاده لهذه الحالة مبرراً لدخول قوات جديدة من جيشه إلى السويداء مُدعياً بأنه يريد القضاء على هذه العصابات فأدخل حوالي ألفي عنصر مدججين بالسلاح ووزعهم على حواجز متفرقة، ولكن هذه القوات اكتفت بالمشاهدة، حيث زادت حالات الخطف والقتل والتهريب، وازدهرت تجارة مادة الحشيش المخدر التي تأتي من خلال ميليشيات حزب الله اللبناني، وبعدها حاول تأليب العائلات على بعضها فأجج خلافات بين فصائل محلية من صلخد وفصائل من أهل المحافظة تتبع للأمن العسكري فسقط قتلى وزادت حدة التوتر وقام المطبلون بالحديث عن تفرقة بين أهالي صلخد وأهالي السويداء وتكلف أحد شعراء السويداء عناء التهديد بأن حيطان السويداء عالية أمام أبناء صلخد مع بعض التحسينات اللغوية حتى يترك منفذاً للتراجع، ولكن المخطط فشل وعادت الأمور لطبيعتها، فلجأ النظام مجدداً لعمليات تصفية فوقف خلف مقتل وسام العيد القيادي في قوات شيخ الكرامة من خلال إغراءات مادية لمقربين منه بوساطة إيرانية.

هل يريد النظام التصعيد داخل السويداء؟

لطالما حاول النظام عدم زج نفسه في معركة ضد أهالي السويداء حتى لا يدمر مقولته الشهيرة بأنه حامي الأقليات وحتى لا يحرق أوراقه أمام المجتمع الدولي، لكن هذه المرة يبدو أن ملف السويداء لم يعد يحتمل التأجيل ويريد النظام حل الملف لصالحه وتطويع المحافظة قبل أن يخف الدعم الإيراني نتيجة المتغيرات الدولية، فأصبح يستفز الفصائل المحلية حتى تبادر بالهجوم على مراكزه الأمنية ليجد مبرراً لاقتحام المحافظة وسحب السلاح من الفصائل المحلية، وفجأة أصبح الأمن العسكري والأمن السياسي ومبنى حزب البعث ضمن الأهداف التي أصابت جدرانها قذيفة هاون أو قذائف آر بي جي وتم إلصاق التهمة بالفصائل المحلية.

لطالما حاول النظام عدم زج نفسه في معركة ضد أهالي السويداء حتى لا يدمر مقولته الشهيرة بأنه حامي الأقليات وحتى لا يحرق أوراقه أمام المجتمع الدولي، لكن هذه المرة يبدو أن ملف السويداء لم يعد يحتمل التأجيل ويريد النظام حل الملف لصالحه

الفرقة الرابعة من جيش النظام في الواجهة!

بعد مقتل ضابط أمن الفرقة 15 داخل السويداء على أيدي مسلحين واستهداف المقرات بالقذائف زادت حالة التوتر وتصاعدت الأمور تدريجياً لتقوم الفرقة 15 باستحداث حاجز على مدخل مدينة السويداء وتشيع بأنها تبحث عن شخصين متهمين بمقتل الضابط جمال الأحمد السابق ذكرهُ، ولكن الغريب كان وجود الفرقة الرابعة التي تتبع لماهر الأسد المدعومة إيرانياً ضمن هذا الحاجز، وبعد مشاحنات مع الفصائل المحلية تم إخلاء الحاجز.

وُجه الاتهام للفرقة الرابعة مؤخراً بالوقوف خلف اختطاف مهند شهاب الدين من أمام محله الكائن على طريق المحوري في قلب مدينة السويداء من خلال مجموعة مسلحة تستقل فانH1  أبيض اللون من غير نمر، وهذا الفان تمتلك منه معظم الجهات الأمنية وحتى الفصائل المحلية وظن قسم كبير من الفصائل أن الأمن العسكري وراء اختطافه ولكن الشبهات تحوم حول الفرقة الرابعة.

من هو مهند شهاب الدين؟

مهند من الشباب الناشطين والمعارضين لنظام الحكم في سوريا، من سكان مدينة السويداء، عُرف عنه مواقف كثيرة دعماً لكل الأحرار في سوريا، حمل لافتات تطالب بإطلاق سراح ياسر السليم من سجون النصرة في الشمال السوري، ظل معتصماً لأيام أمام بناء المحافظة في السويداء مطالباً بعودة المختطفات على أيدي تنظيم داعش، بينما كان كثيرون يتفرجون خائفين من تقرير أمني أو مساءلة وعتب  أذناب النظام، مهند ردّ على كسر فنجان القهوة في قصر رأس النظام حين تم دعوة المختطفات وذويهم إلى بيت الطاعة بعد تحريرهن، رد بكسر الفنجان في ضريح سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى وقال بأن فنجان العز لا يُكسر إلا هنا باعتبار سلطان الأطرش يمثل السوريين جميعاً دون تفرقة، وعادة كسر الفنجان من العادات القديمة تعبر عن أهمية الشخص، وبعد هذا العمل أصبح مهند يُعتبر حالة شعبية فريدة فهو لم يحمل السلاح وبقي على أفكار ثورة 2011 كما بدأت ولم يهادن ولم يتبع جهة سياسية، وكان جوابه دائماً: أبشر.

مهند ردّ على كسر فنجان القهوة في قصر رأس النظام حين تم دعوة المختطفات وذويهم إلى بيت الطاعة بعد تحريرهن، رد بكسر الفنجان في ضريح سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى

ماذا لو تم قتل مهند شهاب الدين؟

في مقطع فيديو ظهرت والدة مهند وأخوه يناشدان الفصائل المحلية وحركة رجال الكرامة بالتدخل لإعادته لبيته، ولكن معظم الأجهزة الأمنية نفت علاقتها بالحادثة، ولكن الفصائل المحلية وبالأخص ما يعرف بالشريان الواحد والذي يعتبر مهند مقرباً منه لم يصدقوا رواية النظام وأجهزته الأمنية وقاموا باحتجاز عدد من الضباط والعناصر حتى يتم الإفراج عن مهند.

يعمل النظام على اختبار ردود فعل الفصائل في السويداء فيواصل إخفاء مهند بشكل مباشر أو عن طريق ميليشيات تتبع له، ويستمر بالمماطلة والإنكار، ولكنه يتحين لحظة الصفر ليقوم بمخطط بدأت ملامحه واضحة من خلال نقل عساكر دروز يخدمون في السويداء داخل قطع الفرقة 15 إلى خارج المحافظة رغم أنه تم الاتفاق على خدمتهم داخل حدودها، وهو ما جعل عدد منهم ينشق ويعود إلى داخل السويداء، ويعلم جيداً النظام بأن شباب السويداء سيكونون أعواناً لأبناء محافظتهم ضد قطعات الجيش في حال تنفيذ أي عمل عسكري وسيقومون بتهريب معلومات عن واقع ومخططات هذه القطع العسكرية.

الآن وبعد الاعتصامات واحتجاز عدد من ضباط النظام وعناصره سيكون رد الفصائل كبير جداً على الأفرع الأمنية والقطع العسكرية في حال تبين تصفية مهند شهاب الدين وسيقوم النظام بالرد القاسي والذي بكل تأكيد سيوقع ضحايا كثر من شباب السويداء، وكل ما سقطت ضحية كلما زادت حدة المواجهات والحنق الشعبي، وسيكون النظام أمام حربٍ مفتوحة ستفتح الباب على مصراعيه أمام دول كثر وعلى رأسها إسرائيل لتقديم الحماية للمحافظة التي تُعتبر على رأس مخططات الصهاينة منذ العام 1967

فهل يفتح النظام على نفسه هذه المعركة؟ هذا تساؤلي كفردٍ من هذه الجماعة.