السويداء... الوجه الآخر للثورة

2018.09.03 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تمر محافظة السويداء في الجنوب السوري منذ العام 2011 بمراحل صعبة حالها كبقية الوطن الأم سوريا، فمنذ بداية ثورة السوريين ضد نظام رئاسي- ملكي يمارس كل أنواع الاستبداد والقمع ضد من يقول لا أو لا يقول نعم!

منذ ذلك الحين والنظام يمارس ألعابه القذرة في المحافظة التي تقطنها الأقلية الدرزية. كانت السويداء من أوائل المحافظات التي لبت نداء درعا مهد الثورة ولو على نطاق ضيق حيث شهدت أول مظاهرة ضد النظام في مدينة صلخد بتاريخ 21 أذار 2011.

كما شهدت أول اعتصام نقابيّ في سوريا أمام نقابة المحامين في مدينة السويداء في تاريخ 27 آذار/ مارس 2011

كانت السويداء من أوائل المحافظات التي لبت نداء درعا مهد الثورة ولو على نطاق ضيق حيث شهدت أول مظاهرة ضد النظام في مدينة صلخد بتاريخ 21 أذار 2011.

منذ ذلك الحين سعت سلطة الأسد جاهدةً لإخراج السويداء خارج دائرة الحراك، وعزلها عن بقيّة المحافظات السوريّة، فبدأت ماكينتها الإعلامية تروّج في السويداء أنّ الثورة السوريّة ذات طبيعة "سنيّة متطرّفة" وهي تستهدف أمن الأقليّات في الدرجة الأولى، مستفيدةً بذلك من حساسيّة شعبيّة درزيّة (ذات بعد تاريخيّ/ اقتصاديّ ترتدي الرداء الدينيّ وتتفاعل معه) من محيطهم السنّيّ، ولاسيّما محافظة درعا.

اتبعت سلطات النظام الأمنية خيار قمع الحراك في المحافظة عن طريق الاعتقالات التعسفيّة للناشطين، وتعريضهم لشتى أنواع التعذيب وصولاً لقتلهم في المعتقلات؛ حيث بلغ عدد الأشخاص الذين تعرّضوا للاعتقال حتى أواخر عام 2015، (520 شخصاً) بحسب مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية.

تضم فئات المعارضين في السويداء شرائح من المثقفين وطلاب الجامعات والأطباء والمهندسين والكثير من الإعلاميين في الخارج والناشطين بأسماء وهمية في الداخل.

واجه النظام هذه الشرائح وحراكها الثوري باعتماده على أشخاص من نفس المذهب ومعظم المنتمين إليه من العاطلين عن العمل ومن أصحاب السوابق الجرميّة، إضافة إلى أنّهم منبوذون اجتماعيًّا. وقام النظام وسلطاته الأمنية بإخراجهم من دائرة التهميش إلى دائرة المركز والفعل والتسيّد، حيث منحتهم امتيازات واسعة وتسهيلات واتخذتهم ميليشيات لها وجعلتهم يتغنون بالمناقبيات الموروثة التي يتخذها الموحدون الدروز مرجعاً لهم في كل أعمالهم كشعارات يغطون خلفها تبعيتهم وولائهم الأعمى.

ما لبثت تلك الميليشات أن اعتمدت على نفسها في التمويل من خلال عملها بتجارة الحرب من تهريب الوقود والإتجار بالممنوعات والخطف وطلب الفدية وهو ما أدى للكثير من حالات الفلتان الأمني، إضافة للعدد الكبير من العساكر الذين قضوا في معارك النظام السوري والكثير منهم كانوا يتلقون الرصاص من الخلف.

بدأ المجتمع في السويداء بالتململ والاتجاه نحو إفراز حالة أهلية تستطيع الحفاظ على المجتمع وأخلاقه من الانهيار على يد الميليشيات التي وظفها النظام ومخابراته لصالح تفكيك مجتمع السويداء وإخراجه خارج الحراك الثوري.

إضافة لاستقدام داعش ووضعها على حدود المحافظة الشرقية وعوامل اقتصادية متردية وحرمان المحافظة من الكثير من حقوقها من ناحية المشاريع الاقتصادية والتمثيل السياسي وعوامل أخرى، كل هذا أدى في نيسان 2014 لظهور حركة رجال الكرامة كحركة أهلية تهدف للحفاظ على الأرض والعرض والمعتقد في منطقة جغرافية يتواجد في شرقها داعش وجبهة النصرة من الغرب وأدوات النظام وعملائه في الوسط.

كل هذا دفع بحركة رجال الكرامة لتصدر المشهد وإظهار نوع من المقاومة تجاه كل ما يحدث هناك وسريعاً التفت الآلاف حول هذه الحركة وزعيمها أبو فهد وحيد البلعوس

حركة رجال الكرامة التي كان يُطلق عليها في البداية حركة مشايخ الكرامة جاءت في وقت مهم جداً وبخاصة بعد استياء الأهالي من موت أولادهم على جبهات قتال النظام في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل بحسب وصفهم، وكذلك استنزفت عمليات الخطف جيوبهم بسبب ضخامة المبالغ المادية التي دفعها أهل المحافظة لإخراج المخطوفين الذين تم اختطافهم من قبل جماعات متشددة بالتعاون مع ميليشيات النظام المحلية وبرعاية وفيق ناصر رئيس فرع الأمن العسكري في السويداء، كل هذا دفع بحركة رجال الكرامة لتصدر المشهد وإظهار نوع من المقاومة تجاه كل ما يحدث هناك وسريعاً التفت الآلاف حول هذه الحركة وزعيمها أبو فهد وحيد البلعوس، ومن أشهر القرارات التي اتخذتها الحركة ونفذتها هي منع سحب المطلوبين للخدمة الإلزامية والاحتياطية والفارين من الجيش وقد قالت قيادة الحركة جملة شهيرة حينها (إلي بدو يروح لحالو الله ييسرلو) وكانت تقصد بهذا الكلام بأنها فقط تدافع عمن لا يرغب بالالتحاق بالجيش ومنعت دوريات الأمن العسكري من أخذ المطلوبين عنوة وهو ما حدث فعلاً وتم مواجهة عدة دوريات في المدينة وبعض القرى ولم يسمحوا لهم باعتقال أي مطلوب للخدمة العسكرية.

زادت شعبية الحركة وبدأت بتشكيل ما يسمى نظام البيارق وهو تنظيم الشباب في مجموعات قتالية تتبع لقرية أو منطقة معينة.

من أعمالها أيضاً، علمت الحركة متأخراً بمحاولة النظام تفريغ صوامع الحبوب في المحافظة وهو ما استدركته لاحقاً ومنعته بشكل جذري وطلب زعيمها حينها بمنع بيع القمح خارج المحافظة.

استطاعت الحركة أيضاً إيقاف سحب السلاح الثقيل من المحافظة وإعادته إلى الثكنات العسكرية تحت إشرافها.

كل تلك الأعمال وزيادة شعبية الشيخ البلعوس جعلت السلطات تحاول تشويه سمعة الحركة وزعيمها، مرة من خلال اتهامه بالعمالة لإسرائيل ومرة أخرى بعمالته للنظام كونه كان شرطياً سابقاً، وحاولت الايقاع بين الحركة وعشائر البدو المقيمة في السويداء ولكن الحركة وزعيمها حينها تنبهوا للموضوع ورفض الأهالي الاتهامات الموجهة لهم.

استمر النظام الممثل بالعميد وفيق ناصر وزبانيته بالتخطيط لإفشال الحركة فقامت مشيخة العقل بإصدار بعد ديني بحق الشيخ البلعوس وشيوخ آخرين من الحركة بما معناه نبذهم اجتماعياً ودينياً وهو ما تم مواجهته بغضب شعبي وضغط كبير أدى إلى سحب البعد الديني.

دعا الشيخ البلعوس في ذكرى وفاة سلطان باشا الأطرش إلى مؤتمر إنقاذ وطني لسورية وهو أمر أقلق السلطات الأمنية

دعا الشيخ البلعوس في ذكرى وفاة سلطان باشا الأطرش إلى مؤتمر إنقاذ وطني لسورية وهو أمر أقلق السلطات الأمنية لتخوفهم من بروز قائد جديد من السويداء وتسرب دعوته لتنتقل من الإطار الأهلي إلى الإطار الوطني الجامع.

من آواخر خطابات البلعوس والذي قال فيها بما معناه بأنهم إن أرادوا الأسد يستطيعون الوصول إليه في القصر الجمهوري، كل هذا أدى إلى تدبير حادثة تفجيره.

نفذ النظام في يوم 4 من أيلول 2015 تفجيرين استهدفا موكب الشيخ البلعوس، وقضى على إثرهما مع قيادات من الحركة وعشرات المدنيين من نساء وأطفال.

نجح النظام بالبداية بكبح جماح الحركة واستطاع أن يقلل من الخطر الوجودي له داخل المحافظة، على الرغم من حالة الغضب الشعبي التي أعقبت التفجيرات والتي استطاع المحتجون خلالها أن يسقطوا تمثال حافظ الأسد ويسحلوه في شوارع المحافظة وكذلك سيطرتهم على المراكز الأمنية.

كان النظام قد جهز روايته للتفجيرات قبل حدوثها حيث تم اتهام 3 أشخاص من أهل السويداء بالوقوف خلفها ومنهم وافد أبو ترابة الذي كان معروفاً عنه بمعارضته للنظام وبدعمه للجيش الحر، ومن خلال إلباس التهمة لأشخاص معروفين ببراءتهم وكرههم لأدوات السلطة استطاع النظام تبريد حالة الغليان قليلاً وهدد بعدها بتدمير المحافظة إن لم يتم إعادة الأفرع الأمنية لعملها.

عادت الأفرع الأمنية للعمل وبدأ التخبط يصيب حركة رجال الكرامة ولكن سرعان ما استدركت الحركة ما تم التخطيط له وعادت بعد تعيين الشيخ الحجار لتشكيل البيارق والعمل ضمن المبادئ التي قامت عليها الحركة.

وصلت روسيا إلى السويداء من خلال وفود عسكرية وهي تحمل تقارير من النظام عن وجود مجموعات إرهابية من ضمنها حركة رجال الكرامة، وهو أمر نفته جميع الأطراف في المحافظة حتى المؤيدين للنظام منهم وكان قد طلب الروس من الحركة تسليم سلاحهم مقابل تسوية أوضاعهم و إلحاق 50 ألف مطلوب للخدمة بالفيلق الخامس الروسي، وهو أمر تم رفضه بشكل قاطع من الحركة.

طلب الروس من الحركة تسليم سلاحهم مقابل تسوية أوضاعهم و إلحاق 50 ألف مطلوب للخدمة بالفيلق الخامس الروسي، وهو أمر تم رفضه بشكل قاطع من الحركة

لم يتوقف النظام عن حياكة مؤامراته على الرغم من نقل العميد وفيق ناصر من المحافظة، فعمل النظام على سحب قواته من بادية السويداء الشرقية وسحبت ميلشياته السلاح من أهالي القرى الحدودية حيث سهلوا عملية دخول داعش في صباح 25 تموز 2018 بالتعاون مع أفراد من عشائر البدو إضافة لتسلل 10 انتحارين إلى المدينة بتسهيل من حواجز الميليشيات، وكانت نتيجة دخول الدواعش 500 مدني بين قتيل وجريح، الأمر الذي أدى إلى تفازع الأهالي من كافة قرى المحافظة ومن جبل الشيخ وجرمانا لمساندة أهلهم وتم تحرير قرى السويداء التي دخلها تنظيم داعش، وكان رجال الكرامة سباقين لاختراق تحصينات الدواعش في القرى التي سيطروا عليها وقاموا مع الأهالي بالانتصار في معركة ضد تنظيم تتكاتف دول العالم لقتاله دون مشاركة جيش النظام الذي وصل بعد 36 ساعة من انتهاء المعارك،

انسحب التنظيم وأخذ معه أكثر من عشرين طفلا وامرأة ليدخل لأول مرة بعملية تفاوض لا أحد يفهم آليتها أو الجهة المخولة بالتفاوض فيها، ويعتقد الكثير من أهل المحافظة بأن هذه العملية تمت بإشراف النظام والروس لكسر شوكة الجبل ورجال الكرامة وجعلهم يركضون للاحتماء في حضن الفيلق الخامس، وكما قال أحد الغاضبين في مراسم تشييع بعض الشهداء المدنيين (زلم ما بدنا، بدنا شوية سلاح).

يزداد التوتر في محافظة السويداء وتزداد النقمة على الأسد ونظامه وهو الذي يفصل بحسب لجنته الأمنية في السويداء (الشهادة في سبيل الله على قياسهم) فلا يقبلو اعتبار 5 شبان قضوا بعبوة ناسفة شهداء وذلك أثناء تمشيطهم لمناطق حدودية كان يسيطر عليها تنظيم داعش، حيث تُركت جثثهم في المشفى الوطني بالسويداء دون وضعها بالبراد أو تكفينها أو حتى وضعها في صناديق خشبية وعند السؤال عن السبب رد أحد الأطباء بأن اللجنة الأمنية أخبرتهم آلا يكفنوهم أو يضعوهم بالبراد لأن أحدهم متخلف عن الجيش وشخص آخر فار منه وعليه لا يمكن اعتبارهم شهداء.

سارع الأهالي الغاضبون بعدها بيومين في إحدى قرى السويداء الشرقية لاعتراض موكب قيل إنه يضم وزير الدفاع وضباطا كبارا وأطلقوا النار في الهواء ولم يسمحوا للموكب بالمرور إلا بعد أن أهانوا من وُجد فيه ووجهوا الشتم والسباب لبشار الأسد وعملائه.

هناك مشروع لإقامة هلال أقليات يصل شمال سوريا والعراق بجنوبها ويكون مكوناً من الأكراد والمسيحيين والإيزيديين والدروز وذلك ليكون هذا الهلال حاجزا يفصل النظام عن إيران

مصير المحافظة يبدو مجهولاً حتى الآن وربما يكون سيناريو طرحه أحد القادة الدروز على صحيفة ذا ديلي بيست الأمريكية أثناء تحقيقها بأحداث 25 تموز بأن هناك مشروع لإقامة هلال أقليات يصل شمال سوريا والعراق بجنوبها ويكون مكوناً من الأكراد والمسيحيين والإيزيديين والدروز وذلك ليكون هذا الهلال حاجزا يفصل النظام عن إيران.

وفي جهة أخرى يراهن الروس على الطرق الدبلوماسية حتى الآن لإلحاق المطلوبين للخدمة بالفيلق الخامس.

 لكن يبدو أن الروس لم يقرؤوا جيداً عن جماعة كل ما تملك هو أرضها وعرضها ومعتقدها وترفض منذ مئات السنين المال السياسي أو الوقوع تحت سلطة مستعمر، وكما قال أحد قادة حركة رجال الكرامة "ربما سنضطر لإعادة الجهاد ضد المستعمر الجديد".