ملخص:
- أم عماد وزوجها قررا الإجهاض بعد مناقشة استمرت لأكثر من 15 يوماً، نتيجة لعدم قدرتهما على تحمل تكاليف الحمل وتربية طفل جديد.
- أطباء التوليد أكدوا أن الطلب على الإجهاض زاد بشكل ملحوظ، خاصة بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، حيث تطلب حالتان من بين كل خمس حالات حمل الإجهاض.
- أسعار عمليات الإجهاض في المشافي الخاصة تتراوح بين مليون و 5 ملايين ليرة سورية، وتتم تحت مسميات طبية مختلفة لتجنب الملاحقة القانونية.
- القانون السوري يعاقب على عمليات الإجهاض غير القانونية بالسجن، سواء للأطباء أو للنساء اللاتي يجهضن أنفسهن من دون مبرر صحي.
- عمليات الإجهاض في سوريا تضاعفت خلال السنوات العشر الماضية، وازدادت بنسبة 1000% وفقاً لتصريحات أحد المتخصصين بالجراحة النسائية.
تجول أم عماد مع زوجها بين أطباء وطبيبات التوليد في دمشق، بحثاً عن أرخص سعر يمكن من خلاله إجراء عملية إجهاض في مستشفى خاص.
تبلغ أم عماد (طلبت عدم ذكر اسمها) 37 عاماً ولديها ثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم بين 4 و11 عاماً، وتقول لموقع تلفزيون سوريا إنها حملت من دون رغبة أو تخطيط مع زوجها، وهما غير قادرين على تحمل نفقات طفل جديد في العائلة التي بالكاد يستطيع زوجها إعالتها.
وفي شباط الماضي، كشف المكتب المركزي للإحصاء في حكومة النظام السوري عن انخفاض ملحوظ في نسبة الولادات في عموم المحافظات السورية خلال الأعوام الأخيرة، مشيراً إلى أن تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية يأتي في مقدمة أسباب ذلك الانخفاض.
ونقلت صحيفة "الوطن" المقربة من النظام عن مدير المكتب المركزي للإحصاء عدنان حميدان أن نسبة الولادات انخفضت في عام 2022 مقارنة بالعام السابق نتيجة للعديد من الأسباب، وكان العامل الحاسم فيها هو الوضع الاقتصادي وارتفاع تكاليف الحمل والفحوصات الطبية وتكاليف ما بعد الولادة.
ما الأسباب وراء قرار الإجهاض في سوريا؟
على الرغم من وجود وسائل منع الحمل وعمرها المتقدم نسبياً فيما يتعلق بنجاح الحمل، فإن أم عماد وزوجها فوجئا بما حدث، إذ لم يكن ذلك ضمن خططهما. وأكد الزوجان في حديثهما للموقع أنهما ناقشا القضية لأكثر من 15 يوماً قبل اتخاذ قرار الإجهاض، مشيرين إلى أن العديد من العوامل أجبرتهما على هذا الخيار.
العوامل التي ذكرتها أم عماد وزوجها تمثلت في الدرجة الأولى بعدم قدرتهما على تحمل تكاليف الحمل من تحاليل ورعاية طبية وأدوية وفيتامينات وطعام صحي طوال مدة 9 أشهر، بالإضافة إلى تكاليف الولادة ورعاية طفل قد يحتاج إلى شرب الحليب الصناعي الذي يصل سعر عبوته إلى أكثر من 100 ألف ليرة.
وأشارت إلى عدم قدرتهما على ضمان مستقبل تعليمي وصحي ومهني جيد للطفل في ظل واقع مرير ومستقبل مجهول في سوريا، ويضاف إلى ذلك عدم القدرة على توسيع منزلهما المستأجر.
معظم الأسباب التي ساقها الأبوان كانت اقتصادية، تتعلق بواقع سوريا المعيشي ومستقبل البلاد المجهول، وهو ما يؤكده أطباء التوليد الذين التقاهم الموقع.
وأكد أكثر من طبيب أن من بين كل 5 حالات حمل حالتين على الأقل تطلبان الإجهاض علناً داخل العيادة، وأحياناً 3، من دون احتساب عشرات الاستفسارات الأسبوعية حول طرق الإجهاض عبر الهاتف.
يجزم الأطباء بأن معظم النساء السوريات المتزوجات أجرين عملية إجهاض مرة واحدة على الأقل خلال سنوات الحرب.
يشير الأطباء إلى أن أسباب الإجهاض اقتصادية في الغالب، وتتبعها أسباب أخرى لا يمكن إهمالها، مثل عدم اتفاق الزوجين نتيجة لكثرة الخلافات، لكن معظم تلك الخلافات تكون مادية أيضاً. وقد أشارت العديد من الأبحاث مؤخراً إلى أن أهم أسباب الطلاق في سوريا كانت اقتصادية، منها تأمين مسكن مستقل وما إلى ذلك.
سوق سوداء للإجهاض في سوريا
بالعودة إلى أم عماد، فقد تمخضت جولتها مع زوجها بقرار تناول حبوب الإجهاض، التي قد لا تكون فعالة بما فيه الكفاية، على حد تعبيرهما، لكنها خيار أرخص إلى حد ما، حيث بالكاد تصل كلفتها إلى بضعة آلاف من الليرات، وإذا نجحت، فقد توفر عليهما ملايين الليرات. تصل نسبة نجاح الإجهاض بالأدوية (تحت إشراف طبيب) إلى 60% تقريباً.
يقول أبو عماد (طلب عدم ذكر اسمه كاملاً) إن هناك تجارة وجشعاً في إجراء عمليات الإجهاض، في استغلال واضح لمنعها قانونياً، ولا يوجد أي مبرر لارتفاع كلفتها إلى ملايين الليرات. "شعرت وأنا أبحث عن طبيب يجري العملية بسعر معقول أنني أتجول في سوق سوداء، فقد أنفقت مئات الآلاف من الليرات من دون جدوى، حيث تتراوح كلفة معاينة الطبيب بين 50 و100 ألف ليرة".
تتراوح كلفة إجراء عملية الإجهاض في المستشفيات الخاصة بين مليون و5 ملايين ليرة، بفارق كبير جداً بين طبيب وآخر، بشكل مثير للاستغراب. ويؤكد طبيب توليد لموقع تلفزيون سوريا أن أسعار هذه العملية لا تخضع لأي رقابة، فهي عملية ممنوعة وتعرض الطبيب لخطر السجن والمستشفى للإغلاق. وبالتالي، هناك أطباء يطلبون مبالغ ضخمة إما استغلالاً لحالة المريضة، أو في محاولة لثني الزوجين عن قرار الإجهاض.
الإجهاض أو "الكورتاج" كما يسميه بعضهم، لا يتم في المستشفيات الخاصة بشكل علني، وإنما تحت مسميات مختلفة تتعلق بأمراض نسوية في الرحم. ومن الصعب على الرقابة اكتشاف ذلك من دون دخول غرفة العمليات أو من دون شكوى موثقة. وتتم معظم تلك العمليات تحت مسمى "تجريف الرحم". مدة العملية قصيرة جداً، وقد يتم تخريج المريضة خلال ساعتين بعد العملية التي تتضمن الإجهاض وكحت الرحم.
الإجهاض والقانون السوري
يعاقب القانون السوري على الإجهاض من دون سبب صحي يعرض المرأة الحامل للخطر، حيث يعاقب بالسجن من 6 أشهر إلى 3 سنوات من أقدم بأي وسيلة كانت على إجهاض امرأة أو محاولة إجهاضها برضاها. في حين تتراوح العقوبة بين 4 و 7 سنوات إذا أدى الإجهاض أو الوسائل المستعملة في سبيله إلى موت المرأة.
ويعاقب القانون المرأة التي تجهض نفسها بالحبس من 6 أشهر إلى 6 سنوات، سواء بما استعملته من وسائل أو استعمله غيرها برضاها.
في العام الماضي، كشف المتخصص بالجراحة النسائية في جامعة دمشق الدكتور هيثم عباسي أن عمليات الإجهاض في سوريا تضاعفت خلال السنوات العشر الماضية، وازدادت بنسبة ألف في المئة.