السوري في الرمق الأخير

2021.02.28 | 00:01 دمشق

word-image-109.jpeg
+A
حجم الخط
-A

تقول الممثلة هدى شعراوي إنها شاهدت أحد المواطنين في منطقة "باب سريجة" بدمشق، يعرض ابنه البالغ من العمر ستة أعوام للبيع، وذلك بسبب عدم قدرته على تأمين الطعام له ولإخوته. وقبل يومين من ذلك جاء في تقرير لصحيفة نيويورك تايمز أن سيدة سورية باعت شعرها للحلاق بخمسة وخمسين دولارا، وقالت إنها اشترت دجاجة مشوية، وبعض المازوت للتدفئة، ومعاطف للصغار. ومنذ عدة أسابيع تحفل وسائل الإعلام بقصص وتفاصيل كثيرة يرويها السوريون تتعلق بتدبير الشأن الحياتي اليومي الخاص بالطعام والتدفئة والدواء، ومثل موجة تعلو شيئا فشيئا في كل يوم تنظم أصوات جديدة إلى حملة الذين قرروا الحديث عن الانهيار الاقتصادي بصوت عال، وكان لافتا في الأسبوع الماضي أن بعض القريبين من النظام، والذين وقفوا معه ضد الثورة، أخذوا يتحدثون بعلنية بعد أن صاروا يحسون باقتراب الخطر منهم، في وقت تزداد فيه المسافات بين الغالبية العظمى من الشعب الذي بات تحت خط الفقر، وفئة قليلة لا تزال تعيش في انفصال تام عن الواقع. ووصف وائل رمضان، وهو زوج الفنانة سلاف فواخرجي، من بقي في سوريا إلى الآن بالـ "حمير" بعد عشر سنوات من وصفه لللاجئين الهاربين من بطش الأسد بـ"الحمير لأنهم غادروا سوريا في البحر"، معتبرا أنه أخطأ في حقهم.

ما جنته عائلة الأسد وبطانتها على سوريا يتجاوز كل وصف. فلم يشهد هذا البلد عبر تاريخه الطويل ما يعيشه اليوم من مجاعة جماعية

وثمة قصة قريبة من الخيال، وتصلح أن تتحول إلى مشروع فيلم عن الجوع، وهي تتعلق برب أسرة من الطبقة الوسطى في دمشق وصل إلى الفقر، ولكنه لا يزال قادرا على تأمين الاحتياجات الأساسية، واستغنى عن كثير من المواد الغذائية ومنها الفواكه، ولأن الأطفال يلحون عليه قرر أن يقوم باستئجار الفواكه من البائع بأسعار رمزية من أجل عرضها في البيت ليلا، ومن ثم إعادتها إلى الدكان في الصباح، الفرجة هنا تكسر حاجز الرغبة المستحيلة. من لا يستطيع أكل تفاحة بوسعه أن يراها قريبة منه يمسكها ويشمها. وغير بعيد عن هذا الوضع المأساوي دعا بشار الأسد إلى وقف برامج الطبخ في قنوات التلفزيون كي لا يتعذب السوريون من الفرجة على طعام لا يمكنهم الحصول عليه. وما هذه الوجبات التي تتحدث عنها التلفزيونات، غير التي تخص فئات أقل من متوسطة؟ وهذا يعني اعترافا رسميا بأن حصول العائلة على وجبة خضراوات بلحم الدجاج صارت أمرا بعيد المنال.

حولت إيران سوريا واليمن والعراق ولبنان إلى ساحات مواجهة من أجل تمرير مشاريعها الخاصة، وضربت في سبيل ذلك الدولة، وأقامت ميليشيات طائفية تعمل لصالحها

ما جنته عائلة الأسد وبطانتها على سوريا يتجاوز كل وصف. فلم يشهد هذا البلد عبر تاريخه الطويل ما يعيشه اليوم من مجاعة جماعية. حتى المغول لم يعاملوا دمشق هذه المعاملة. والأسد ليس وحده طبعا وإنما يقف إلى جانبه الروس والإيرانيون، ولكن لا يبدو أن هؤلاء مكترثين بالوضع الاقتصادي الرهيب، وهم منشغلون بالعمل على الأهداف التي جاؤوا من أجلها. روسيا تريد قاعدة كبيرة في الشرق الأوسط وساحة لتجريب الأسلحة، وإيران تعمل هي الأخرى على استخدام سوريا والسوريين في حروبها كما هو الحال في اليمن، حيث تستثمر ورقة الحوثيين في مفاوضات المشروع النووي، وهدفها في هذه الفترة دخول نادي الدول النووية على حساب العرب، ولا تكتفي إيران باستغلال إمكانات البلدان العربية كما هو حاصل مع نهب النفط العراقي، بل تقوم بتدمير طاقات البلد كي لا ينهض على قدميه ويستعيد قراره المستقل، ويتجلى ذلك بصورة فاقعة في العراق، حيث دمرت إيران بنى الدولة العراقية وخلقت دولة للميليشيات الشيعية، ونتيجة للنهب المستمر لثروات هذا البلد النفطي يعيش العراقيون فقرا لا نراه في إقليم كردستان العراق رغم الفساد، وتعكس التحركات التي شهدتها مدينة البصرة مدى التغلغل الإيراني على حساب العراق، ونقلت كاميرات التلفزة منذ أسبوعين مظاهرات على المعابر الحدودية ضد دخول الخضر الإيرانية إلى العراق، ومنافستها لمنتوج هذا البلد الزراعي.

حولت إيران سوريا واليمن والعراق ولبنان إلى ساحات مواجهة من أجل تمرير مشاريعها الخاصة، وضربت في سبيل ذلك الدولة، وأقامت ميليشيات طائفية تعمل لصالحها، ونتيجة للانهيار تتقدم المجاعة التي تشكل السلاح الأخير في حرب الإبادة.

كلمات مفتاحية