السوريّون في الشتات بين القانون والواقع

2019.07.10 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تُقاس فعاليّة الدولة كجهاز عام على الصعيد الداخلي بمستوى الرفاهية التي تقدّمها لسكّانها من مواطنين وغير مواطنين من جهة، وبمدى سيادة القانون فيها من جهة ثانية. يخضع الاعتبار الأول لأسباب عديدة تصبّ في النهاية في خانة قوّة ونموّ الاقتصاد القومي للدولة، مما يؤثّر بشكل مباشر على مستوى الدخل الفردي ومستويات معيشة فئات المجتمع المختلفة فيها. أمّا الاعتبار الثاني - مبدأ سيادة القانون - فيخضع لمعايير عديدة أيضاً ومن أهمها مدى توافق الدستور والقوانين الداخليّة مع القانون الدولي وبالدرجة الأولى منه تلك الاتفاقيّات والأعراف المتعلّقة بحقوق الإنسان.

تنقسم مصادر القانون الدولي إلى مصادر اتفاقيّة مثل المعاهدات الدولية والاتفاقيات متعددة الأطراف، ومصادر عرفية تنشأ من رسوخ واستقرار القيم والتعاملات بين الدول مما يجعلها جزءاً لا يتجزّأ من القانون الدولي وهو ما يسمّى بالقانون الدولي العرفي، يضاف لها تفسيرات المحاكم الدولية للاتفاقيات والمعاهدات واجتهاداتها في القضايا المعروضة عليها، وكذلك يضاف لها شروحات اللجان المتخصصة

أهم مبادئ القانون الدولي المتعلقة بحقوق الإنسان مبدأ عدم التمييز الذي يقوم على فكرة بسيطة مقتضاها أنه لا يجوز التمييز بين مواطني الدولة وبين بقيّة المقيمين على أراضيها بصورة شرعيّة

بالقانون الدولي والتي أغلبها تكون تابعة لإحدى هيئات الأمم المتحدة. وتطبّق قواعد القانون الدولي على الدول الموقّعة على الاتفاقيات المذكورة، لكنّ قواعد القانون الدولي العرفي تطبّق على جميع الدول بلا استثناء لأنها ترسّخت واستقر التعامل بها حتى باتت ملزمة لجميع الدول والكيانات الدولية.

إنّ من أهم مبادئ القانون الدولي المتعلقة بحقوق الإنسان مبدأ عدم التمييز الذي يقوم على فكرة بسيطة مقتضاها أنه لا يجوز التمييز بين مواطني الدولة وبين بقيّة المقيمين على أراضيها بصورة شرعيّة، لهذا فإنّه يترتّب عليه قضايا فرعيّة لا يكتمل تطبيقه إلّا بمراعاتها، ومن هذه القضايا الحق بصيانة الكرامة والحق بالحماية والحق بالعمل وغيرها من الحقوق اللصيقة بالإنسان. لقد استقرّ التعامل بمبدأ عدم التمييز في العرف القانوني الدولي وأصبح معمولاً به وساري المفعول على الجميع وقد بات من واجب الدول مراعاته في دساتيرها وقوانينها كي تكون متوافقة مع قواعد القانون الدولي.

ينصّ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على:

((المادة الثانية

 ١ .تتعهد الدولة الطرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب.

 ٢ .تتعهد الدولة الطرف في هذا العهد، إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلا إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد، بأن تتخذ، طبقا لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد، ما يكون ضروريا لهذا الإعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية.))

في نظرة مقارنة ما بين أوضاع اللاجئين السوريين في دول العالم المختلفة نجد أنّ أكثرهم استقراراً وأماناً هم المقيمون في دول محكومة بسيادة القانون مثل كندا وأميركا وأوروبا الغربيّة. بينما تتراوح أوضاعهم بين مقبول وسيئ وأسوأ حسب البلدان التي يقيمون فيها من دول الجوار العربي والإقليمي. فالسمة الأساسية التي تميّز أوضاع المقيمين في الغرب هي تمتّعهم بالصفة القانونيّة التي منحتهم إياها العهود والمواثيق الدولية وقواعد القانون الدولي العرفي أي صفتهم كلاجئين إلى هذه الدول، بينما هم في دول الجوار ضيوف أو مهاجرون حسب بعض التعابير التي أطلقت عليهم والتي كان الهدف منها إنتاج خطاب شعبويّ يخفي وراءه امتناع هذه الدول عن الاعتراف بالصفة القانونية لأوضاع هؤلاء للتهرّب من الالتزامات القانونية المترتّبة عليها نتيجة ذلك.

لاشكّ بأنّ دولاً مثل الأردن ولبنان وتركيا تتحمّل أعباءً كثيرة جرّاء أزمة اللجوء السوري إليها، لكنها بالمقابل تتلقّى مساعدات هائلة من منظمات الأمم المتحدة المختلفة ومن الدول العالم القادرة وخاصّة من دول الاتحاد الأوروبي، وعلى سبيل المثال يقول "ديفيد بيزلي" المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي WFP أمام مجلس العموم البريطاني في مناقشة آثار اللجوء السوري على الاقتصاد اللبناني:

(إنّ الوجود السوري كان داعماً للاقتصاد اللبناني من خلال المساعدات المالية المقدّمة لهم هناك، وأستغرب تصريح بعض مسؤولي لبنان من أن وجود السوريين أدى إلى أن يصبح اقتصاد لبنان على حافة الانهيار، وأشير إلى أنّ:

  1. ثلث أموال المساعدات ينفقها السوريون لشراء المنتجات الزراعية اللبنانية.
  2.  ثلث آخر ينفقها السوريون لشراء منتجات عالمية في سوق لبنان.
  3.  يدفع النازحون السوريون سنويا 400 مليون دولار أجار منازل يسكنوها.
  4. يساهم النازحون السوريين يوميا بمليون ونصف المليون دولار في اقتصاد لبنان.
  5.  ووجودهم أمّن 12 ألف وظيفة عمل للبنانيين وهو رقم يفوق ما أمّنته حكومة لبنان لمواطنيها.)

ويمكننا الإشارة هنا إلى أنّ الدولة التركية قد عقدت مع الاتحاد الأوروبي اتفاقاً يوم 18-2-2016 يهدف لمعالجة آثار تدفّق اللاجئين إلى أوروبا، وإذا التفتنا عن مسألة تحرير تأشيرات دخول المواطنين الأتراك إلى دول الاتحاد الأوروبي وعن مسألة المفاوضات بشأن انضمام تركيا إلى هذا الاتحاد، فإنّ من أهم بنود الاتفاق تلك التي تتعلّق بالمساعدات المالية والتي بموجبها تلتزم دول الاتحاد الأوروبي بتسريع دفع مبلغ 3 مليارات يورو لتركيا لتحسين أوضاع معيشة اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ السوريين المقيمين في تركيا والأردن ولبنان ومصر وغيرها من الدول يعملون في جميع

من أبسط الحقوق التي يجب أن يتمتّع بها السوريّون في هذه الدول تلك التي لا تتعارض مع مبدأ عدم التمييز المنصوص عليه في القانون الدولي العرفي

المجالات المسموح لهم العمل بها ولا ينتظرون المعونات، فإنهم يسهمون بشكل إيجابي وفاعل في تنشيط اقتصاديّات هذه الدول، هذا كلّه دون حساب رؤوس الأموال السوريّة المتدفقة والتي تمّ من خلالها فتح مئات بل آلاف الشركات والمعامل والمشاغل الكبرى والمتوسطة والصغيرة في هذه البلدان.

إنّ من أبسط الحقوق التي يجب أن يتمتّع بها السوريّون في هذه الدول تلك التي لا تتعارض مع مبدأ عدم التمييز المنصوص عليه في القانون الدولي العرفي، ومن أبسط الأمثلة على ذلك مسألة التنقّل والإقامة والعمل والحماية من الأعمال الانتقاميّة والتحريض العنصري. فعلى سبيل المثال تثير قرارات بلديّة إسطنبول بشأن وجوب إلغاء تسمية المحلات باللغة العربيّة التمييز بينهم وبين أقرانهم من الأتراك، الذين لم يشملهم القرار، كما أنّ الدولة التركيّة لا تقوم بواجباتها المفروضة علها بموجب دستورها وقوانينها إضافة إلى القانون الدولي بتوفير الحماية للسوريين ولممتلكاتهم من موجات التخريب التي يتعرّضون لها جرّاء عمليات التحريض العنصري التي تقوم بها جهات معروفة في تركيا ضدّهم وعبر وسائل التواصل الاجتماعي وعبر الصحف والمجلات والتلفزيونات، وكان آخرها تلك المناظرات التي قام بها مرشحو الأحزاب المتنافسة في الانتخابات البلديّة الأخيرة.

ينص الدستور التركي على:

((المادة 10 - جميع الأفراد متساوون أمام القانون دونما تمييز، بصرف النظر عن اللغة، أو العِرق، أو اللون، أو الجنس، أو الرأي السياسي، أو المعتقد الفلسفي، أو الديانة أو الطائفة، أو أي اعتبارات مشابهة.

المادة 12- يتمتع جميع الأفراد بحقوق وحريات أساسية أصيلة لا يجوز انتهاكها أو التصرف فيها. تشمل الحقوق والحريات الأساسية واجبات الفرد ومسؤولياته تجاه المجتمع وتجاه عائلته وتجاه غيره من الأفراد.

المادة 13 - لا يجوز تقييد الحقوق والحريات الأساسية إلا بقانون، ووفقاً للأسباب المحددة المنصوص عليها في المواد المعنية من الدستور، دون المساس بجوهر هذه المواد. ولا يجوز أن تتعارض هذه القيود مع نص الدستور وروحه، أو مقتضيات النظام الديمقراطي للمجتمع أو الجمهورية العلمانية أو مبدأ التناسب.

المادة 16 - يمكن تقييد حقوق الأجانب وحرياتهم الأساسية بموجب قانون متوافق مع القانون الدولي)).

هذا كلّه يفرض على السوريّن كأفراد ومنظمات وهيئات المطالبة ضرورة احترام حقوقهم المنصوص عليها في دساتير وقوانين الدول التي يقيمون فيها، وهم في مطالباتهم هذه لا يستندون إلى مكرمة أو أُعطيةٍ أو منَّة بل إلى حقوق مصونة بالقانون الدولي تفرضها التزامات الدول على أنفسها وتجاه بعضها البعض ضمن إطار المجتمع الدولي.

ستطول مأساتنا لسنوات عديدة قادمة حسبما تشير إليه طريقة تعامل المجتمع الدولي مع الملف السوري، وهذا يستدعي أن نتصرّف على أساس واضح وبإحساس أعمق من المسؤولية الفرديّة والجماعيّة، وأن نحاول الاستفادة من الحقوق الإنسانية المتأصّلة في ضمير المجتمع البشري كي نساعد أنفسنا على التوازن والاستمرار. إن لم نقف مع أنفسنا فلن يقف معنا أحد.

كلمات مفتاحية