السوريون.. والرأي العام التركي

2021.07.19 | 06:00 دمشق

asttla.jpg
+A
حجم الخط
-A

من المعلوم أن وجود السوريين في تركيا بات يشكل ورقة سياسية في البلاد، وأصبحت هذه الورقة معضلة متعمقة وتزداد يوما بعد يوم في ظل الاحتدام السياسي الكبير في البلاد، ومن المؤسف أن المعارضة التركية تدفع للعب على هذه الورقة بشكل كبير مدفوعة بأقلام مؤيدة لها، مسوقة عددا كبيرا من المعلومات المضللة التي قد تؤدي إلى ردة فعل مجتمعية، تظهر انعكاساتها بين فترة وأخرى، وتحاول الربط بين الأوضاع الاقتصادية في البلاد من جهة، ووجود السوريين من جهة ثانية، وزادت في الفترة الأخيرة الأحاديث الإعلامية التي تتناول السوريين وأوضاعهم في تطورين مهمين، الأول متعلق بزيارات السوريين في العيد للداخل السوري، والثاني تصريح مهم لزعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كليشدار أوغلو الذي توعد السوريين بإعادتهم وفتح السفارات مع النظام وتمويل الاتحاد الأوروبي لعملية العودة هذه، وكل ذلك في حال تمكن المعارضة من تولي الحكم في البلاد.

ليس من المستغرب أن تشهد الفترة المقبلة مزيدا من التصعيد الإعلامي بحق السوريين في تركيا، ومزيدا من التضليل من قبل أطراف تسعى للتخريب بين التآخي التركي السوري

ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والحديث عن أنها باتت مفصلية في تاريخ البلاد، والضغط باتجاه إجرائها مبكرا عن موعدها المقرر في العام 2023 ومع دخول الأحزاب السياسية في مرحلة التحضير لها منذ الآن، وبناء على الحدثين المذكورين أعلاه، ليس من المستغرب أن تشهد الفترة المقبلة مزيدا من التصعيد الإعلامي بحق السوريين في تركيا، ومزيدا من التضليل من قبل أطراف تسعى للتخريب بين التآخي التركي السوري، الذي لديه نماذج كثيرة وواسعة، ولكن ثمة حوادث فردية قد تؤدي إلى مشكلات جمعية تنعكس على المجموع من الجانبين، وهنا يجب على عقلاء السوريين والأتراك قرع أجراس المخاطر المحتملة، من أجل ضبط النفس، ومحاولة تذليل الخلافات أو المشكلات التي يمكن أو يحتمل أن تظهر أو تتطور بفعل ردات الفعل التي يمكن أن تنشأ بسبب المواقف المتوقعة، بسبب الفترة والظرف السياسي الذي تمر به البلاد.

وسابقا تم التنبيه عدة مرات من على المنبر نفسه من هذه الحالات التي تعيشها تركيا، وجرى الحديث باتجاه ضرورة أن يكون هناك استثمار إعلامي سريع وعاجل واحترافي باللغة التركية يستهدف المجتمع بغرض إظهار الحقائق ودحض الأكاذيب والافتراءات، وكشف التضليل الممارس بحق السوريين، عبر إعلام احترافي سيؤدي بالنهاية لنتائج في الوقت الحالي وفي المستقبل للأجيال المقبلة، وطبعا العمل الإعلامي يجب أن يرافقه حراك مجتمع يقوده قادة الرأي ومنظمات المجتمع المدني والسياسيون كل بحسب دوره، ومن الضروري توظيف اللغة التركية بشكل احترافي من أجل الوصول إلى هذا الهدف، ومن المعلوم أن هناك جهات ولجان تركية سورية مشتركة تعمل على حل المشكلات العالقة للسوريين ومعاملاتهم المختلفة ضمن الدوائر الحكومية، وتقدم جهودا طيبة سواء تلك المرتبطة بالائتلاف أو عبر طاولة الحلول، أو من خلال عمل الناشطين ورجال الأعمال وقادة الرأي.

كل الجهود السابقة تعمل من أجل حل مشكلات وجود السوريين، ولكن هذه الجهود يجب أن تتكثف باتجاه الوصول إلى حالة تأثير بالمجتمع التركي، ولهذا يمكن بداية العمل على إكساب السوريين جميعهم اللغة التركية عبر إخضاعهم لدورات تعليم مكثفة وتقديم حوافز لما ينعكس ذلك على تواصلهم مع المجتمع التركي من جهة، وتقديم أنفسهم وقضيتهم السورية من جهة ثانية، وسهولة الحصول على عمل مناسب ولدحض الأكاذيب والافتراءات والتضليل من جهة ثالثة، حيث إن السوريين الذين شاهدوا فيديو السيدة السورية التي دافعت عن السوريين بلغة تركية واضحة أمام سيدة أخرى تسرد أكاذيب عن دعم السوريين بالأموال من قبل الحكومة، سعدوا جميعا بهذا الموقف، ويمكن لأي سوري أن يكون رسولا لبلده كتلك السيدة عندما يتمكن من التحدث بلغة تركية سليمة وتقديم المعلومات الحقيقية والصحيحة في الأسواق والمواقف المشابهة، ويوفر على بقية السوريين هذا العناء والتعب والجهد، وتبعات الدفع باتجاه كراهية السوريين، رغم أن هناك حالة تعاطف كبيرة لدى شريحة واسعة من الأتراك، لكن هناك شريحة أخرى مضللة تحتاج إلى توضيح حقيقة الأمور لها، لذا نقول ومنذ سنوات وبمختلف المنابر، اللغة التركية أولا وأخيرا، وهذا لا يعني الاستغناء عن اللغة الأساسية، بل إن اللغة التركية ستكون جسرا للتفاهم والتواصل مع المجتمع التركي لفهمه، ولتقديم حقيقة ما جرى ويجري في سوريا.

وإضافة لموضوع اللغة، يجب العمل من قبل المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني وقادة الرأي ورجال الأعمال نفسهم على دعم إحداث حالة من الرأي العام الإيجابي داخل المجتمع التركي، وهذا يتم عبر عدة طرق، إضافة للعمل الإعلامي، يمكن لهذه الجهات العمل على التواصل مع المعارضة وأنصارها، إذ إن التواصل مع المعارضة لن يكون كافيا لأن لديها قناعات راسخة لأسباب سياسية توظف لدى أنصارها لتعزيز المواقف السياسية فقط، ولكن استهداف أنصار المعارضة سيكون مفيدا أيضا سواء عبر آلة إعلامية تركية احترافية قوية، أو عبر لقاءات تجرى مع منظمات المجتمع المدني التركي، من أجل تنظيم لقاءات مفتوحة وأحاديث تشمل الإجابة على كل التساؤلات المطروحة من الجانب التركي، فعلى سبيل المثال تواصل الجمعيات السورية مع نظيراتها التركية سيؤدي إلى تنظيم حوارات يشارك فيها أعضاء هذه الجمعية الذين يمكن أن يسألوا ما يشاؤون وأن يجيب السوريون وقادة الرأي عليها، ويقدموا بذلك كل الحقائق والمعطيات المطلوبة، ولكم أن تتصوروا كم سيؤدي توسيع هذه التجربة وتطبيقها في عموم الولايات على نتائج إيجابية مميزة بخطاب مباشر مع المواطنين الأتراك.

هذا التواصل المهم عبر منظمات المجتمع المدني والحوار المباشر مع المواطنين سيقود بالضرورة إلى مجموعة من التساؤلات، وهي بحاجة إلى معرفات بصرية ومكتوبة بشكل احترافي يراعي التطور التقني من أجل توحيد الخطاب، وتحديد التساؤلات التي يمكن أن يواجهها أي متحدث سوري، والإجابة عنها بطريقة ذكية احترافية، وهذا ما يضع متقني اللغة التركية من السوريين أمام دور مهم للعبه من أجل إعداد مصدر مهم ومؤكد لدحض المعلومات المضللة، وإعداد أرشيف يتضمن حقيقة ما حصل منذ ما قبل 2011 وما بعده، وكشف حقيقة النظام مرة أخرى وتعريته أمام الجهات التي تتقصد تجاهله، وإعادة التذكير بما جرى من أحداث ومجازر ودمار وقتل وانتهاكات أدت إلى النزوح والألم والجرح السوري، ودمج جرائم التنظيمات الإرهابية والميليشيات المذهبية الإرهابية والانفصاليين الإرهابيين لهذه الجرائم، لأنها كانت شريكة النظام في الانتهاكات هذه.

الهدف السوري الأول يجب أن يكون تشكيل رأي عام قوي ومهم في تركيا، وأن يستمر ذلك بشكل دائم، والهدف النهائي هو تحييد السوريين دون أن يكونوا طرفا في الصراع السياسي التركي

إننا أمام فترة من التحديات التي جاءت نتيجة تطورات محلية ودولية حاصلة، وعلى السوريين أخذ زمام المبادرة من الآن من أجل تحصين السوريين وتحييدهم أمام أي صراع أو مواجهة ينتظر حدوثها أمام الاستحقاقات القادمة، وهي حالة طبيعية ستكون موجودة لأن السوريين وجدوا في تركيا بشكل اضطراري وعليهم عدم البقاء صامتين إزاء ما يحدث، وانتظار الدفاع عنهم من قبل الإعلام التركي والمتعاطفين معهم، وأخذ زمام المبادرة بشكل فوري وعاجل، والهدف الأساسي ليس الهجوم على طرف سياسي أو الدفاع عن طرف آخر، عليهم فقط الحديث عن المأساة السورية، وحقيقة ما جرى في سوريا، ودحض الإشاعات، وتكذيب الافتراءات، من أجل تحييد السوريين من أن يكونوا ورقة سياسية بيد أي طرف كان، أي أن الهدف السوري الأول يجب أن يكون تشكيل رأي عام قوي ومهم في تركيا، وأن يستمر ذلك بشكل دائم، والهدف النهائي هو تحييد السوريين دون أن يكونوا طرفا في الصراع السياسي التركي، لأن الصراع السياسي التركي هو في ملعبهم وهم أحرار فيه، ما يهمنا هو تحييد السوريين عن أي صراع، وصولا إلى الحل السياسي المنشود من قبل السوريين عبر حكم انتقالي يضمن حقوق وحرية وكرامة السوريين وأمنهم وعودتهم الطوعية الآمنة لقراهم وبلداتهم ومدنهم دون أي خسائر، لأن السوريين والأتراك في النهاية جيران وأهل منذ قرون طويلة، وهو قدرهم أن يعيشوا سوية بأمن وسلام.