السوريون و"ائتلاف القطط السمان" والأميركان

2023.05.11 | 05:45 دمشق

 السوريون و"ائتلاف القطط السمان" والأميركان
+A
حجم الخط
-A

وصلتني مؤخراً رسالة عبر الإيميل من موقع "هارفارد أون لاين" الذي أشترك به منذ سنوات، تضمنت الرسالة عرضاً مغرياً للتسجيل في كورس بعنوان "استراتيجية القيادة العامة"، يقول الإعلان المثير: "سيقودك رئيس أركان وزارة الدفاع الأميركية السابق في البنتاغون ومساعد وزير الدفاع لشؤون الدفاع عن الوطن (قصدهم أميركا طبعاً) والأمن العالمي (.... قمت بحذف الاسم)، من خلال تحديات القطاع العام الخيالية والواقعية، ليوضح لك كيف تؤدي الاستراتيجية والتنفيذ المبنيان على الهدف المحدد، على المدى الطويل، للنجاح.

ويغير الإعلان المثير لهجته هنا إلى نغمة الطرافة المدهشة:

"لماذا توجد مهمة دراسية تتطلب تطوير خطة لوضع قطة على المريخ؟ لأنه مثال افتراضي رائع يجعلك تفكر في استراتيجية مشروع معقد، بعد ذلك ستخطط لجميع العمليات التي يجب أن تكون جاهزة، لتنفيذ الاستراتيجية بنجاح".

لكن واأسفاه فالمبلغ الذي عليك دفعه أخي المشترك هو 1600 دولار فحسب، ما يوازي راتب عمل لشهر كامل في ألمانيا...

ولكن هل كل ذلك من أجل معرفة كيف ترسل قطة إلى المريخ!! بالطبع الموضوع مهم ومثير خصوصاً لشخص مثلي عاش في مجتمع وضمن نخبة مثقفة يغيب عن تفكيرهما أي شيء له علاقة بالاستراتيجية أو الاستراتيجيات، حتى أنها تكاد تكون كلمة مرذولة، لا يتداولها أحد.. مثلما يتداولون كلمات الديمقراطية الليبرالية العلمانية الإسلاموية...إلخ

هنا لا بد من ملاحظة أن رئيس الأركان الأميركي السابق هذا، لم يستسلم للتقاعد وللاستجمام في هاواي أو في قصره الريفي مع أولاده وأحفاده كما يفعل ضباط الأنظمة الديكتاتورية، بل انخرط في عمل مفيد، إلقاء المحاضرات، تماماً مثلما يفعل أركان حرب الجنرال بشار المتقاعدون!!؟ الذين ينتظر بعضهم، بعد تسريحه، الموت بالسم أو في حادث سيارة، أما الآخرون المرضي عنهم فيرسلون إلى بيوتهم الريفية ليلعبوا الطرنيب ويمارسوا هواية المشي والمشاوي، التي يحلم السوريون اليوم بشم رائحتها، لكنهم ولله الحمد يعفون الشعب من خطبهم ومحاضراتهم التي تتمحور حول تمجيد الرئيس و"الجيش العقائدي"...

نعرف جميعاً أن كلمة استراتيجية غريبة وثقيلة على أسماع هؤلاء بالخصوص، بل هي كلمة ملعونة مطرودة من جنة معارضتهم السياحية

بالمقابل ماذا يفعل ضباط المعارضة المسلحة الكبار، في المناطق المحررة سوى التناحر فيما بينهم، بل ماذا يفعل مسؤولو المعارضة من الصف الأول منذ خمس سنوات (ولن أقول ماذا يفعلون منذ عشر سنوات) وماهي استراتيجيتهم أو حتى تكتيكاتهم لمواجهة استراتيجية النظام السياسية؟

نعرف جميعاً أن كلمة استراتيجية غريبة وثقيلة على أسماع هؤلاء بالخصوص، بل هي كلمة ملعونة مطرودة من جنة معارضتهم السياحية، فهؤلاء بسبب تحويلهم المعارضة إلى مهنة ارتزاق ابتدعوا تكتيكاً واحداً ليس لمواجهة النظام، لا سمح الله، بل لخداع الشعب الثائر، فأحسنوا وأبدعوا في الركوب على الثورة وعلى المعارضة، فصار همهم الراتب الشهري والظهور بمظهر المسؤولين ودحش أسمائهم في أي لجنة أو وفد، بغضّ النظر عن مهمته ودوره، وكذلك صار أكبر همهم تسجيل أكبر عدد ممكن من ساعات الطيران درجة أولى عبر مطارات العواصم الفاعلة بالشعب السوري، كما لو أنهم قطط مدجنة وديعة ترسلها الإدارات اللاعبة إلى حيث تريد، ولو أرادت تلك الإدارات لأرسلتهم إلى المريخ فعلاً لا مجازاً...

ربما يتمكن العلماء من تدريب قطة على السفر بمفردها إلى المريخ، ولكن يستحيل على أعضاء الائتلاف أن يتعلموا الوفاء لشعبهم السوري، أو يتعلموا الإصغاء إلى رسائله التي يطيرها لهم كل يوم براً وبحراً وجواً، التي لا شك أنهم سمعوها مراراً.. كما من الصعب عليهم الإصغاء لضمائرهم، ولو مرة كل عشر سنوات.. مثلما يستحيل على قوة في العالم أن تجبر أعضاء الائتلاف - لا سيما القطط السمان فيهم- على الالتزام بأخلاقيات المناصب التي يحتلونها منذ سنوات..

قبل عام أو يزيد كتبت مقالات مرحباً بمجيء رئيس جديد للائتلاف، واليوم أكتب وكلي أمل -كما ملايين السوريين- أن يجتمع الائتلاف اجتماعاً أخيراً يقرر فيه حلّ نفسه، إفساحاً في المجال لمجيء جسم سياسي جديد وفق أسس جديدة وديناميكية مختلفة واشتراطات أخلاقية، خدمة للسوريين جميعاً.. بلا شك ستكون لحظة تاريخية لا تقل أهمية عن ولادة أول جسم سياسي مثّل الثورة السورية قبل ما يزيد عن عقد من الزمن، بل ربما تكون لحظة فارقة في تاريخ الشعب السوري.. فبعد قضائهم سنوات ليست قليلة، في الكدح لأجل منافعهم الخاصة المادية والمعنوية مدّعين أنهم ممثلون عن الثورة مقارعون للنظام، أكثر كفاءة من سواهم... سقط هؤلاء أخلاقياً في نظر السوريين، وبسببهم، سقط الائتلاف معهم، منذ زمن بعيد، ومن ثم سقط سياسياً بسبب تبعيتهم وتذللهم وتحولهم إلى بيروقراطية معيقة لفعل الاعتراض بحد ذاته، فهم حولوا الاعتراض إلى انبطاح وتبعية وثرثرة وعمولات وفساد... فسقط المعنى النبيل والأخلاقي للاعتراض والمعارضة.

إن موقفاً أميركياً اعتمد على ما يبدو، دون إعلان أو تصريح، قضى بالامتناع عن استقبال وفد الائتلاف الذي زار واشنطن مؤخراً، إذ اعتذرت مساعدة وزير الخارجية عن استقبال الوفد واكتفت بأخذ صورة معهم على باب مكتبها..

وأخيراً وبفعل التراكم وبسبب أن قطط الائتلاف السمينة، وكذلك ما شابهها من قطط هزيلة لم تحاول ولم ترغب أصلاً بالعودة إلى فطرتها الإنسانية ولعب دورها المفترض كخادم للشعب السوري الثائر المكلوم، وانحصرت محاولاتها ومطامحها في القفز من مقاعد الدرجة الثانية أو الثالثة إلى مقاعد الدرجة الأولى، فإن موقفاً أميركياً اعتمد على ما يبدو، دون إعلان أو تصريح، قضى بالامتناع عن استقبال وفد الائتلاف الذي زار واشنطن مؤخرا، إذ اعتذرت مساعدة وزير الخارجية عن استقبال الوفد واكتفت بأخذ صورة معهم على باب مكتبها.. أعقبتها بتغريدة على حسابها في تويتر..  وكذلك اعتذر أعضاء الكونغرس الذين كان مقرراً اللقاء بهم، فلم يستقبل وفد الائتلاف سوى نائب في مجلس النواب..

ورغم أنه في لقائه مع تلفزيون سوريا، طمأن أحد أعضاء الوفد السيد (بدر جاموس) الشعب السوري بأن موقف أميركا ثابت من القضية السورية، غير أنه أخفى قول مسؤول في الكونغرس، للوفد، أن الإدارة الأميركية تعمل على عقد صفقة مع إيران على حساب السوريين.

أنصح الائتلاف وقيادته التابعة بالخصوص، الانتساب إلى "كورس إرسال القطط إلى المريخ" إياه، فربما يمكنهم حجز موعد عبر الزوم مع رئيس الأركان الأميركي السابق، بعد نهاية الامتحان، وربما بعد إلحاح منهم يحن قلب الإدارة الأميركية فيستقبلهم في مكتبه مسؤول ما أو موظف "مهم" من الدرجة الرابعة.