icon
التغطية الحية

السوريون كورقة انتخابية تركية.. عبث مضارع مستمر في مستقبل مبني للمجهول

2023.05.22 | 17:09 دمشق

آخر تحديث: 23.05.2023 | 19:30 دمشق

حملة دعائية ضد اللاجئين السوريين لمرشح الرئاسة التركي كمال كلتيشدار أوغلو
حملة دعائية ضد اللاجئين السوريين لمرشح الرئاسة التركي كمال كلتيشدار أوغلو - تصوير: رينا نيتيس
إسطنبول - عبد الناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

بعد نحو 9 أيام من حدوث الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمال سوريا، نظمت وسائل إعلام تركية، حملة لجمع التبرعات، وصلت قيمتها من داخل وخارج البلاد إلى 115 ملياراً و146 مليوناً و528 ألف ليرة تركية.

في أثناء تلك الحملة اتصل رجل الأعمال السوري رجب صاغار أحد مالكي مجموعة شركات (Akzirve) العقارية، وتبرع بمبلغ 30 مليون ليرة تركية.

وفي مفارقة إنسانية، رفع حزب الشعب الجمهوري (وتحالف الأمة المعارض) لافتة ضخمة (ضمن دعايته الانتخابية الجديدة) تحمل صورة المرشح الرئاسي كمال كليتشدار أوغلو، كُتب عليها جملة "السوريون سيرحلون..اتخذ قرارك" على واحد من المشاريع العقارية الضخمة لمجموعة شركات (Akzirve) بإسطنبول، الشركة نفسها التي دعمت ضحايا الزلزال.

وتشير مصادر إلى أن عدد العمّال في شركة (Akzirve) يتجاوز عددهم 1500 عامل 90 في المئة منهم من المواطنين الأتراك.

تحمل هذه اللافتة كماً هائلاً من التناقض بالنسبة لحزب الشعب الجمهوري الذي يتبنى "قيم الديمقراطية والليبرالية" وتتهافت الصحف الغربية لدعمه باعتباره سيعيد الحريات وحقوق الإنسان إلى تركيا، الذي انحاز من اليسار الديمقراطي إلى اليمين المتطرف في ساعات قليلة.

أكزريفة

دعاية "رخيصة"

بعد فشل أي من مرشحي الرئاسة التركية في 14 من أيار الجاري، تحقيق نسبة 50 + 1 في المئة من مجموع الأصوات، انتقلت الانتخابات الرئاسية إلى جولة ثانية ستعقد في 28 من الشهر نفسه، ما عقّد المشهد السياسي التركي، في مرحلة كان يخشى السوريون من نتائج الانتخابات وانعكاسها على حياتهم.

كانت نتيجة الانتخابات دافعة لتغيير "الدعاية الانتخابية" لتحالف الأمة المعارض، خصوصاً أن المرشح الرئاسي سنان أوغان حصل على 5.17 في المئة من الأصوات تقريباً، وهو صاحب الخطاب المناهض للاجئين والكاره للأجانب في تركيا.

وفي محاولة لكسب أصوات اليمين المتطرف أطلق حزب الشعب الجمهوري مدعوماً من الطاولة السداسية حملته الانتخابية الجديدة التي تميل إلى نفس بدا غاضباً بعد انتقال المرشح الرئاسي من الحديث الوادع في المطبخ إلى الحديث الغاضب في المكتب، من رسم القلوب بالأيدي أمام الجماهير والحديث عن إتيان الربيع والديمقراطية، إلى الضرب على الطاولات ونبرة الصوت العالي أمام الكاميرات.

وبعد وعد كليتشدار أوغلو بترحيل السوريين في عامين بالطبل والزمر، تحول وعده لناخبيه إلى أنه سيطرد اللاجئين السوريين على الفور، في انقلاب قد يعود عليه بأسوأ مما يتوقع.

ماذا عن العهود السابقة؟

في الحملة الانتخابية التي سبقت الجولة الأولى من الانتخابات قال كمال كليتشدار أوغلو في خطاب جماهيري له بولاية أضنة، إنه "بحسب الأرقام الرسمية هناك 3.6 ملايين لاجئ سوري، لا نعرف عدد الأفغان ولا نعلم غيرهم، لدى السيد كمال وعد لكم ولتركيا، سنرسل جميع إخوتنا السوريين إلى بلادهم في غضون عامين على أبعد تقدير".

ويعد هذا الخطاب الذي يعتمد على الأرقام الرسمية، متصلاً إلى حد كبير مع البيان المشترك الذي أصدرته الطاولة السداسية المعارضة في 30 من كانون الثاني 2022. 

وبحسب بيان المعارضة فإن الطاولة السداسية في حال فازت بالانتخابات ستعمل على مراجعة اتفاقية "قبول إعادة اللاجئين" الموقعة عام 2014، واتفاقية 18 من آذار 2016 اللتين وقعتهما أنقرة مع الاتحاد الأوروبي، وذلك من أجل التعامل مع مشكلة اللاجئين عبر تحمل المسؤولية المشتركة وتقاسم الأعباء.

وأكدت المعارضة في نصها على نيتها إعادة هيكلة المؤسسات المتعلقة بطالبي اللجوء، وعلى رأسها رئاسة إدارة الهجرة التركية، وذلك عبر تعزيز بنيتها التحتية للإدارة والموظفين العاملين فيها.

وكشفت المعارضة عن نيتها توقيع اتفاقيات "قبول الإعادة" مع الدول التي تعتبر مصدراً للهجرة غير النظامية، مؤكدين على عدم قبولهم معاملة تركيا بكونها "خزاناً" للمهاجرين، مؤكدةً على نيتها زيادة عدد وسعة مراكز الترحيل في عموم البلاد.

وأوضح النص عن نية المعارضة التركية منع تشكل ما سمّته "الكانتونات غير المنضبطة" المتعلقة باللاجئين في الأحياء والمدن والمناطق التركية، مع ضمان عودة السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة إلى بلدهم في أسرع وقت ممكن وفق القانون التركي الداخلي والقانون الدولي.

الطاولة السداسية

الكذب والمبالغة والتحريض

وبعد يوم واحد من انتخابات الجولة الأولى، وفي محاولة لاستقطاب أصوات تحالف الأجداد الذي يقوده أوميت أوزداغ زعيم حزب الظفر - (اليميني المتطرف) والذي يهاجم السوريين ليلاً ونهاراً - ومرشحه الرئاسي سنان أوغان، أخذ حزب الشعب الجمهوري بكل مكوناته يهاجم السوريين ويحرض ضدهم.

وظهر كليتشدار أوغلو في فيديو جديد عبر حسابه على تويتر، يدعو الناخبين الأتراك إلى اتخاذ قرارهم بشأن وجود 10 ملايين سوري في بلادهم، معتبراً أن العدد يمكن أن يرتفع إلى 20 مليوناً في حال عدم فوزه بالانتخابات الرئاسية، وقال: "صوتوا لأجلكم وليس من أجلنا".

رفع كليتشدار أوغلو من عدد اللاجئين في تركيا، في ليلة وضحاها من 3.6 ملايين لاجئ إلى 10 ملايين، في انجرار كامل لخطاب اليمين المتطرف الذي يمارس العنصرية المستمرة تجاه السوريين محملاً إياهم الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد وأي مخاطر أمنية واختلافات ثقافية، وارتفاع الإيجارات وعدم إمكانية الشباب شراء هاتف "آيفون" وما إلى ذلك من اتهامات.

وبحسب الموقع الرسمي لجمعية اللاجئين التركية، فإن عدد اللاجئين السوريين في تركيا، 3.411.029 لاجئاً، والجمعية منظمة مستقلة غير حكومية، ولديها نقد للعديد من حالات الترحيل التي نفذتها رئاسة الهجرة التركية.

"فليذهب كليتشدار أوغلو"

وفي الرد على الخطاب العنصري المناهض للاجئين أطلق ناشطون وجمعيات تركية حملة ضد كليتشدار أوغلو مرفقة بصوره حملت عبارة "فليبق المهاجرون ويرحل كليتشدار أوغلو".

وكُتب على ملصقات أخرى، التي عُلقت في العديد من الشوارع التركية، "اللعنة على العنصرية" و"تحيا الأخوة" و"فليبق المهاجرون بعيداً عن العنصريين".

"بُعبُع اللاجئين"

هذا الخطاب الكريه الذي يضر بسمعة تركيا أمام المنظمات الحقوقية الدولية، لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال، لأنه يتناقض مع مواثيق حقوق الإنسان، ولأنه يزج بملف إنساني في تحشيد سياسي، السوريون ليسوا طرفاً فيه من الأساس، إنما تم جرهم إليه.

وهذه الحملة هي تسليم مبدئي بهزيمة قادمة للمعارضة التركية، حينما تقول زعيمة حزب "الجيد" (اليميني المتطرف) ميرال أكشنر: "ستختارون بين من يقولون سنرحل السوريين ولن نجعل تركيا مستودعاً للاجئين وبين من يقولون لا نستطيع ترحيلهم لأن الله سيحرقنا"، حيث لا يعلن تحالف الأمة المعارض عن مشروع جديد للأصوات المترددة والغاضبة من النخبة الحاكمة بل يهاجم السوريين ويدعو أنصاره لمهاجمتهم.

هذا الخطاب في أحسن أحواله يتناقض مع مفهوم الدولة ورجال الدولة الذين لديهم معايير محددة لتصريحاتهم، ويحمل تحت سطوره رسالة "تخويف" للمجتمع التركي من "بُعبُع" اللاجئين الذين يعدون من أكثر المجتمعات سلاماً وانخفاضاً في معدل الجريمة وفقاً لأرقام وزارة الداخلية التركية.

وفي سياق ذلك، أكدت صحيفة "فايننشال تايمز" في تقرير لها، أن خطاب المرشح الرئاسي للمعارضة التركية، تحول من الحديث عن ربيع تركيا إلى خطابات عدوانية تعد بطرد ملايين المهاجرين معظمهم سوريون لكسب أصوات الناخبين القوميين.

وبينت الصحيفة، أن المعارضة التركية بدأت تلعب ورقة القومية لحمل الأتراك على الانتخاب لصالح كليتشدار أوغلو، عبر استهداف اللاجئين السوريين وغيرهم، مشيرة إلى أن ذلك ينطوي على مجازفة.

ونقلت الصحيفة عن برلماني سابق في حزب "الشعب الجمهوري"، أن خطاب كليتشدار أوغلو يعتبر انحرافاً كبيراً نحو اليمين بمسألة معاداة اللاجئين، ما يشير إلى اليأس الذي بلغه مرشح المعارضة.

وقال المحلل في مؤسسة JS Held الاستشارية، ألب كوكر، إن كليتشدار أوغلو يستخدم منذ فترة طويلة لغة قاسية مع اللاجئين، لكن ما تغير الآن هو نبرة الرسالة وبروزها أكثر.

ورجح كوكر أن يزعج الخطاب الجديد للمعارضة تجاه اللاجئين بعض المؤيدين الليبراليين في المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة، إضافة إلى أن ذلك مخاطرة بصد الناخبين الأكراد اليساريين الذين دعموه بأغلبية ساحقة في الجولة الأولى.

ولعل الأصوات التي حصل عليها الحزب الحاكم في مناطق "الزلزال" التي تضم الفئة الأكبر من اللاجئين السوريين تثبت أن ملف اللاجئين ليس أولوية لدى الكثير من الناخبين الأتراك، إنما الاقتصاد والاستقرار بشكل أساس.

مستقبل مبني على مجهول

ورغم التطمينات التي قدمتها الحكومة التركية للسوريين، إلا أن ارتفاع وتيرة العنصرية خلال السنوات الأخيرة والتصريحات المتتالية من أحزاب المعارضة ضدهم جعلتهم يخشون من أي تحولات أكثر راديكالية في حال خسارة المعارضة للانتخابات أو خسارة الرئيس رجب طيب أردوغان بجولة الإعادة.

ورغم أن الرئيس أردوغان، أكّد في حملته الانتخابية قبل الجولة الأولى أنه لن يتم الترحيل القسري للاجئين إلا بعد حل الأزمة السورية، إلا أن التطبيع المفاجئ مع النظام السوري، والكثير من عمليات الترحيل التي تمت خلال العامين الماضيين بدت استجابة للخطاب العنصري اليومي والمضارع المستمر تجاه السوريين من قبل أحزاب معارضة (لها بيضة القبان في انتخابات الجولة الثانية الآن) عبر اختلاق أرقام وأحداث وتحريض لا ينتهي، ولا توجد قوانين رادعة له.

ومع أن حزب العدالة والتنمية ينظر إلى جزء كبير من السوريين على أنهم قوى عاملة "رخيصة" والصناعيون يطلبون من الحكومة بقاءهم في البلاد، إلا أن عمليات ترحيل كثيرة تمت بحق المخالفين بالأوراق منهم أعيدوا إلى مناطق شمال غرب سوريا قسراً وفق منظمات حقوقية تركية، في إطار خطة الرئيس أردوغان إعادة مليون لاجئ "بشكل طوعي" إلى البيئة الآمنة بالشمال السوري.

وفي هذا الإطار صرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن هناك تنسيقاً بين أنقرة وقطر والسعودية لإعادة اللاجئين السوريين إلى مناطق سيطرة النظام السوري.

هذا الوضع غير المستقر جعل عشرات آلاف الشباب يخرجون من تركيا إلى أوروبا في رحلة لجوء جديدة تحمل مخاطر لا تنتهي، فقدت على إثرها الكثير من المعامل عمالتها التي لا تجد بديلاً عنها في بلد تشهد نسباً مرتفعة من التضخم وزيادة الأسعار.