السوريون في تركيا وقُبعات التفكير الست

2022.06.19 | 05:46 دمشق

thumbs_b_c_535be555fdd68ea23068c6447e98b73e.jpg
+A
حجم الخط
-A

تحدّث العالم "إدوارد دي بونو" عن مجموعةٍ من الاستراتيجيات والأساليب التي يجب أن يستخدمها الإنسان في أثناء قيامه بالتفكير ليصل إلى أعلى درجات النجاح في الحياة، وأطلق عليها اسم قُبعات التفكير الست، ورمّز هذه القبعات بالألوان ولكل لون دلالة على نمط التفكير، وعلينا أن نتخيل بأن الإنسان عندما يرتدي القبعة البيضاء فهو يفكر بشكل حيادي وموضوعي ويستند إلى معلومات وحقائق وأرقام وإجابات مباشرة ومحددة على الأسئلة المطروحة حول قضيته موضوع التفكير، والسوري اليوم يعيش حالة عدم تأكد من أي رقم أو معلومة أو قرار قانوني أو إداري يتعلق بقضية استقراره أو عودته أو إعادته، ولا يملك إجابات محددة ودقيقة على أسئلته التي تغض مضجعه باستمرار، ولا توجد لديه مرجعية سياسية واضحة، وهناك انقطاع صلة مع مؤسسات المعارضة الرسمية وحالة ريبة وشك من سلوك منظمات المجتمع المدني والعمل الإنساني السورية، وبالتالي القبعة البيضاء ليست متاحة للسوريين في الوقت الراهن في سياقات معيشتهم وظروفهم .

أما عندما يرتدي الإنسان القبعة الحمراء والتي ترمز إلى التفكير المستند إلى المشاعر والعواطف والحدس والتخمين، وحال السوري اليوم يتوافق بدرجة كبيرة مع هذا التوصيف، حيث نجد أنفسنا منفعلين إزاء كل ما نتلقاه من أخبار وأحاديث منقولة حول جميع المسارات التي تخص قضيتنا، بدءا من أحاديث العودة إلى تبادل الطرابيش في مؤسسة الائتلاف، وصولاً إلى متابعة التحالفات الإقليمية والدولية، بما في ذلك تصريحات "هنري كيسنجر" حول التغييرات الكبيرة التي ستحدث في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن الغالبية العظمى من السوريين لديهم فرصة لارتداء القبعة الحمراء والتعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم بشكل مباشر ومن دون تعليل ولا توضيح، وقد يكون ذلك نابعا من حالة العجز والخيبة وفقدان التمثيل الصحيح والحقيقي لمتطلبات وجودهم الإنساني، فتصبح مساحة التعبير متاحة عبر قبعة التفكير الحمراء.

وهناك نمط آخر من أنماط التفكير وتمثله القبعة السوداء وهو نمط يتأرجح بين التفكير الناقد والتفكير السلبي، حيث يهتم صاحب هذا التفكير بالمخاطر والمشكلات المستقبلية ويحاول اكتشاف الأسباب ويريد معرفة الجدوى من أي فعل أو تصرف، ويمارس نقد الآراء ورفضها من خلال تفنيدها، وهذا ما نجده لدى فئة من السوريين ممن يكتبون أو يتحدثون عبر وسائل الإعلام الاجتماعي ومنصات الإعلام والنشر عموماً، فهم ينتقدون سلوك وتصرفات المعارضة السياسية الرسمية الذي لم يعد مقبولاً في الوسط السوري لدرجة كبيرة جداً، ويتطرقون لأدوار المؤسسات الإعلامية والبحثية، والمنظمات التي تعمل في ميدان الإغاثة والمساندة لظروف نزوح ولجوء السوريين غير المستقرة، وكذلك يتعرضون للمسارات والتجاذبات السياسية الإقليمية والدولية، ويراقبون الاجتماعات الدولية والأممية التي باتت لا تطرح القضية السورية كأولوية في جداول أعمالها، وجهد كبير من نمط التفكير هذا يتجه نحو استمرار نظام الحكم في سوريا في إضعاف السوريين والتنكيل بهم وذلك من خلال القرارات التي يصدرها والإتاوات التي يفرضها على المواطنين في داخل البلاد وخارجها، ومن خلال سلوكه بالإذعان والجبن أمام الضربات العسكرية الإسرائيلية المتكررة، وسلوكه بالتنمر والوقاحة من خلال افتتاح "لونا الشبل" مطعمها الفاخر بطعم الاحتلال ونكهة المقاومة.

هناك نمط آخر من أنماط التفكير وتمثله القبعة السوداء وهو نمط يتأرجح بين التفكير الناقد والتفكير السلبي، حيث يهتم صاحب هذا التفكير بالمخاطر والمشكلات المستقبلية ويحاول اكتشاف الأسباب ويريد معرفة الجدوى من أي فعل أو تصرف

ولاشك بأن هناك نمط التفكير الشمولي المرتب والمنظم والموجَه ليصل بصاحبه إلى درجة كبيرة من الموضوعية والثقة بقراراته ومواقفه وهذا يتوافق مع نمط القبعة الزرقاء الذي تجد صاحبه يتقبل جميع الآراء ويحترمها ويحللها بشكل مقنع، ويحاول الوصول لأفضل الإجابات على الأسئلة المطروحة، وهذه القبعة ليست متاحة لجميع السوريين وذلك نظراً لظروفهم المتباينة، وغالباً يرتدون هذه القبعة الذين يتمتعون بحالة من الاستقلال المالي والقانوني ولديهم حياة مستقرة بعيدة عن الضغوط المعيشية أو المجتمعية، ومعظمهم ربما غادروا سوريا بشكل مبكر أو قد تكون هجرتهم قبل اندلاع الثورة السورية.

وكذلك القبعة الصفراء من أنماط التفكير الإيجابية والتي تلمس من خلالها التفاؤل والقدرة على إيجاد المنافع والتركيز على احتمالات وفرص النجاح، وهذا ما نجده لدى كثير من أهلنا السوريين الذين تقبلوا واقعهم بشكل مبكر وسريع، واستعدوا لتجريب كل المستجدات التي واجهتهم، من تغيير نمط حياتهم إلى تغيير نمط أعمالهم وأبدوا مرونة كبيرة في خياراتهم، وظل التفاؤل والأمل بالمستقبل يحدوهم باستمرار، فتجد ذلك في أحاديثهم وتوقعاتهم وابتساماتهم التي لا تفارق وجوههم.

ويستأثر جيل الشباب السوريين بارتداء القبعة الخضراء وهو نمط التفكير الإبداعي والذي يخرج عن المألوف والسعي الدائم للتطوير والاستعداد لمواجهة كل التغيرات، وهذا ما تبدى واضحاً في صور عديدة أبرزها صور التفوق الدراسي والبحثي وحصد المراتب الأولى في كثير من الجامعات والمعاهد، وكذلك من خلال رواد الأعمال الشباب الذين ابتكروا مشروعاتهم واستندوا إلى التكنولوجيا والفضاء الرقمي ، واتكأوا على رأس مالهم النفسي والاجتماعي.

وفي الختام لا بد أن نشير إلى أن هذا التصنيف ليس مطلقاً ، فالواحد منا في معترك حياته، يمر بأطوار مختلفة ويرتدي القبعة التي تناسب الدور والطور الذي يمر به ، وجميعنا نلبس جميع هذه القبعات وفقاً للموقف والحالة.