icon
التغطية الحية

السوريون في المهجر يحيون "الصبحية" عبر كلوب هاوس

2021.03.11 | 19:08 دمشق

318746-534189546-1200x675.jpg
واشنطن بوست- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

بعدما تشردوا في بقاع الأرض، بدأ السوريون بالعودة إلى تقاليد الصباح العربية التي تستهل بالثرثرة مع فنجان القهوة، تلك العادة التي تمنحهم الإحساس بالطمأنينة والعودة إلى الحياة الطبيعية.

ولكن بدلاً من العثور على زاوية مريحة في البيت أو البناء لتجاذب أطراف الحديث مع فناجين القهوة المعطرة بالهال ضمن ما يعرف بطقوس الصبحية، أصبح السوريون يسجلون الدخول إلى كلوب هاوس فور استيقاظهم.

يبدو أن هذه الصبحية انتقلت إلى كلوب هاوس، ذلك التطبيق الصوتي الذي انضم لوسائل التواصل الاجتماعي، وذلك لأن المواضيع التي فتحت في إحدى المحادثات التي جرت أخيراً تعتبر من الطقوس التقليدية للصبحية، إذ اشتملت على طرف وهزل حول خبر سرقة حمير في السعودية، وأفضل الأمكنة لشراء الهريسة، وأطيب سندويشة مكدوس في مدينة حمص.

فقد ذكرت سورية تعيش في مونتريال بأنها بحثت كثيراً عن محل يبيع الهريسة هناك، في حين رثى ابن بلدها الحمصي لحاله كونه يعيش حالياً في أوروبا ولم يتذوق سندويشته المفضلة منذ سنين. بعد ذلك تسيطر الكآبة على تلك الثرثرات، لتأخذ ذلك المنعطف الذي يفضي إلى الحنين إلى سالف الأيام بالنسبة للسوريين في المنفى.

لم يسبق لهؤلاء الرجال والنساء الذين جمعتهم غرفة في كلوب هاوس أن التقوا بالواقع، غير أن الجائحة قربت فيما بينهم بسرعة كبيرة. كما أن غياب النصوص أو الخيال التصويري يبعث إحساساً بالأمان، بالرغم من أن هذا الإحساس قد يصبح زائفاً ضمن المجموعات التي تصبح أكبر من اللازم.

أبي سكر، شاب في الثامنة والثلاثين من عمره، يقيم في ميتشغان، ويخبرنا أنه يجري وراء خمسة أعمال يتابعها ويقوم بها، ويسعى للحصول على استراحة ووقت فاصل بعد تعرضه للغة الإنجليزية بشكل مستمر بحكم عمله، فهو يريد أن يبقى قريباً من وطنه.

ولهذا عندما دخل غرفة وجد فيها سوريين يتناقشون فيما بينهم من دون أن يحددوا موضوعاً معيناً، بقي على الوضع الصامت إلى أن لاحظ أحد وجوده وقال له: مرحباً، فرد عليه أبي وقال: "لدي 15 دقيقة مخصصة لاستراحة الغداء، ولهذا قررت أن أمضيها بصحبتكم"، عندها أخذت تلك الأصوات الدافئة تحييه باللهجة السورية.

وقبل أسبوع على ذلك، اكتشف آخرون بأن أبي أمضى عقداً كاملاً في العمل بهندسة الصوت لدى شركة سبيستون، إحدى أشهر القنوات التلفزيونية المخصصة للأطفال في الشرق الأوسط، إذ بالنسبة للسوريين، ولأبي الذي يقطر دماثة ولطفاً، شكلت قناة سبيستون ملامح جيل بأكمله وذلك عبر برامج الرسوم المتحركة اليابانية التي تمت دبلجتها إلى العربية، إلى جانب معاني أغانيها الشاعرية.

ولهذا قالت له سلمى ابنة الـ 25 ربيعاً: "إنك من المشاهير بالنسبة لنا" وتخللت ضحكتها الرنانة تلك الجملة التي قالتها لأبي.

يسوق السوريون العديد من الأسباب التي تدفعهم للتقاطر على كلوب هاوس، أولها المباشرة، وعدم وجود فلترة، والعفوية، والاعتماد على الصوت فقط، إذ يخبرنا أبي أنه هناك لا يكترث بأمر شعره المشعث أو لبدئه الحوار من سريره، حيث يقول: "هنالك فقط الفكرة التي توصلها بصوتك، وهذا ما أعجبني في هذا التطبيق".

معظم السوريين في الشتات حديثو العهد نسبياً بكل هذا، فهم جزء من الملايين الذين نزحوا بسبب الحرب التي عصفت ببلادهم منذ عام 2011، عندما حاول المتظاهرون خلع رأس النظام بشار الأسد.

أحاديث السياسية

فسلمى التي طلبت عدم إيراد اسم عائلتها حفاظاً على سلامتهم، تحكي لنا عن أحد النقاشات التي دارت في كلوب هاوس وذلك عن حصار حمص مدة ثلاث سنوات، عندما قامت نيران مدفعية النظام وقذائف الهاون والصواريخ بتسوية مناطق الثوار في تلك المدينة بالأرض، فغيرت ملامح أحياء كاملة فيها بحيث بات من الصعب على أهلها التعرف عليها، إذ تقول سلمى التي تعيش اليوم في نيوهافن بكونيتيكت: "قرأت عن الحصار، وشاهدت فيديوهات عنه، لكن لم يسبق لي أن سمعت ما حدث من منظور شخص عاش ذلك الحصار... بعد ذلك أخذ يتحدث إلى أحدهم من خارج حمص، فسأله: كيف رأيتم ما جرى من الخارج؟"

ومن خلال كلوب هاوس تعرفت سلمى إلى شابة سورية أخرى تعيش في الخارج وأصبحتا صديقتين، ثم اكتشفتا بأن جداتهما كانتا صديقتين مقربتين في سوريا، وبأن عمة تلك الفتاة كانت مدرسة لمادة اللغة العربية، وبأن أم سلمى كانت طالبة لديها، وهكذا شعر هؤلاء من خلال تلك الروابط والعلاقات بأن الوطن أصبح في متناولهم.

وعن ذلك تقول سلمى: "أحس بأني بعد إقامتي خارج البلاد أصبحت بعيدة عن تلك الذكريات، سواء أأعجبني ذلك أم لم يعجبني"، وفي الوقت ذاته تخبرنا سلمى بأنها تحس بالغربة بين الأميركيين من أصول عربية الذين نشؤوا وتربوا في الولايات المتحدة، بما أنهم كبروا وهم يتابعون كارتون نتوورك، وأما هي فقد كبرت وهي تتابع سبيستون.

للأغنياء فقط

يذكر أن تطبيق كلوب هاوس لا يعمل إلا على هواتف آيفون، تلك النوعية التي لا يمكن لمعظم السوريين تحمل كلفها بعدما أصبحت بلادهم تعاني من أزمة اقتصادية أخذت تسوء يوماً بعد يوم. وحتى ضمن أوساط الأثرياء في سوريا، لم يحظ هذا التطبيق باهتمام كبير، وذلك لأن فترات انقطاع الإنترنت الطويلة هناك بشكل يومي تجعل الوصول إلى كلوب هاوس صعباً، ولهذا فإن معظم من يستخدمون هذا التطبيق من السوريين هم من المقيمين خارج البلد.

اقرأ أيضاً: أربع طرق مهمة للاستفادة من كاميرا هاتفك الذكي

وهنا لا بد لنا أن نذكر بأن هذا التطبيق حقق شعبية كبيرة في مناطق أخرى من الشرق الأوسط، حيث تبدي بعض الحكومات انزعاجها من المحادثات التي لا تخضع للقوانين والقواعد، فقد ذكر مستخدمو هذا التطبيق في دولة الإمارات بأنه صار بطيئاً ومتقطعاً خلال الأسبوع الماضي، في حين أعلن التلفزيون المصري بأن هذا التطبيق يدعم ما أسماه بالخلايا الإرهابية، لذا فإنه بات خطراً على الأمن القومي.

أما بالنسبة للسوريين، فقد أصبح فيس بوك المنصة الأشهر والأكثر رواجاً بينهم من بين منصات التواصل الاجتماعي الأخرى وذلك منذ عام 2011، بعدما عمت الاحتجاجات البلاد، وملأت مقاطع الفيديو التي تصور تلك المظاهرات صفحات الفيس بوك. إذ منذ ذلك الحين، أصبحت صور الرضع القتلى والأبنية التي تعرضت للقصف تتخلل الأخبار التي تظهر على هذه المنصة.

يحكي لنا طه بالي وهو سوري يعيش في بوسطن بأن كلوب هاوس يعتبر فسحة راحة بعيداً عن فيس بوك، تلك المنصة التي أصبحت مملوءة بالشجارات والمشاعر السلبية بالنسبة للكثير من السوريين، ويرى طه بأن المحادثات المباشرة على كلوب هاوس تعيد الطابع الإنساني لتلك التفاعلات، ويعلق على ذلك قائلاً: "أعتقد أنه عندما يستخدم الأشخاص أصواتهم، عندها سيصعب عليهم أن يبدوا أي خشونة أو وقاحة، أو أن يتصرفوا بشكل غير لائق. إذ ما زلنا نتوقع من الآخرين أن يبدوا شكلاً من أشكال اللياقة الاجتماعية بصورة أساسية".

 

وبالنسبة لسلمى فإن هذا التطبيق يعتبر نافذة على خبرات متنوعة حصدها السوريون في مختلف أنحاء العالم، فعلى سبيل المثال إذا كان لدينا شخص يعمل وينعم بحياة رغيدة في دولة خليجية، فإن حياته لا بد أن تكون مختلفة تمام الاختلاف عن حياة معتقل سابق يقيم في ألمانيا ويدافع عن حقوق الإنسان أو عن حياة طالب لجوء في كندا.

إلا أن التطبيق يوضح وبشكل جلي ما يجمع بين كل هؤلاء الأشخاص، وهو تلك الأغاني السورية المحددة ووصفات الأطباق المعروفة لدى السوريين والثرثرة التي توحد بينهم جميعاً.

وتختتم سلمى ذلك بالقول: "إنهم يجعلونني أشعر وكأنني في بلدي، كما يكثفون من الذكريات التي أحملها في جعبتي، وهكذا لن أنساها ما حييت".

 المصدر: واشنطن بوست