icon
التغطية الحية

السوريون في الأردن.. لماذا يفضلون البقاء ويرفضون العودة إلى سوريا؟

2023.02.17 | 06:13 دمشق

مخيم الزعتري في الأردن (رويترز)
مخيم الزعتري في الأردن (رويترز)
الأردن - عاصم الزعبي - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

مع نهاية تموز/يوليو من العام 2018 تمكنت قوات النظام السوري من استعادة السيطرة على محافظة درعا بدعم من القوات الروسية، ما فتح الباب لإجراء تسوية أرادتها روسيا لتحويل المحافظة لنموذج مصالحة بغية العمل على تعميمه في بقية المناطق السورية، وبتاريخ 15 تشرين الأول/أكتوبر أُعيد افتتاح معبر نصيب – جابر الحدودي بين الأردن وسوريا بعد إغلاق استمر لعدة أعوام.

افتتاح المعبر الحدودي كان بمثابة فرصة وجدها الروس والنظام ملائمة للدعوة إلى عودة اللاجئين السوريين في الأردن وخاصة من أبناء محافظة درعا، للعودة إلى سوريا، حيث أقيمت على الجانب السوري من الحدود نقطة طبية وإغاثية لاستقبال العائدين، رافقتها آنذاك تغطية إعلامية كبيرة ليكتشف الحليفان بعد وقت قصير أن دعواتهما لم تكن ذات جدوى إذ لم يعد في ذلك الوقت سوى عدد قليل من العائلات.

في الأردن يعيش نحو 1,3 مليون سوري حسب أرقام الحكومة الأردنية الذي تردده باستمرار، بينهم نحو 776 ألفا مسجلين كلاجئين لدى مفوضية شؤون اللاجئين، وتقطن ما نسبته 10 بالمئة من العدد المسجل لدى المفوضية في ثلاث مخيمات للاجئين، هي مخيم الزعتري وهو الأكبر ويبلغ عدد قاطنيه نحو 81 ألف لاجىء حسب مفوضية اللاجئين، يليه من حيث العدد مخيما الأزرق ومريجب الفهود أو ما يعرف بالمخيم الإماراتي.

على الرغم من العدد الكبير للاجئين السوريين في الأردن، كانت أعداد العائدين منهم خلال السنوات الأربع الماضية منخفضة للغاية، فبحسب أرقام مفوضية اللاجئين في الأردن، بلغ عدد السوريين العائدين منذ فتح الحدود في 2018 وحتى نهاية تموز/يوليو 2022 نحو 46103 لاجئين فقط، بينهم 5476 لاجئا من مخيم الزعتري.

هذا الانخفاض في أعداد اللاجئين العائدين من الأردن إلى سوريا يثير العديد من التساؤلات، حول الأسباب التي تمنعهم من العودة، والعوامل الموجودة في الأردن التي تجعلهم يفضلون البقاء فيه، وموقف الحكومة والسلطات الأردنية من عودتهم.

لماذا لا يعود اللاجئون السوريون في الأردن؟

العديد من الأسباب تمنع السوريين اللاجئين في الأردن، خاصة أبناء محافظة درعا من العودة إلى سوريا، حيث تعتبر درعا مهدا للثورة السورية ولا تزال المحافظة تحمل تلك الرمزية المهمة لدى أبنائها ولدى السوريين، حيث لا يزال غالبية اللاجئين من أبناء المحافظة يرون في النظام السوري، ذلك النظام غير الشرعي الذي تسبب بقتلهم وتشريدهم كما أنهم لا يشعرون بالأمان تجاهه عند الحديث عن العودة إلى سوريا.

الخوف من الملاحقة الأمنية

من هنا يمكن القول إن العامل الأمني هو العامل الأبرز الذي يمنع السوريين من العودة، فأجهزة النظام الأمنية من جهتها لا تزال ترى حتى الآن كل من غادر سوريا معارضا للنظام، وبالتالي لا بد من خضوعه لجلسات التحقيق في حال قرر العودة والتي من الممكن أن تقود إلى اعتقاله، واللاجئون من جهتهم يرون في هذه الأجهزة خطرا كبيرا إذا ما قرروا العودة.

تقرير سابق لمنظمة هيومن رايتس ووتش، تحت عنوان "حياة أشبه بالموت"، صدر في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، أشار إلى أن اللاجئين السوريين الذين عادوا من الأردن ولبنان، بين عامي 2017 و2021، "تعرضوا لانتهاكات حقوقية جسيمة، ولاضطهاد من الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها، مثل التعذيب، والقتل خارج نطاق القانون، والاختفاء القسري".

سماح، امرأة سورية من ريف درعا الشمالي، تروي خلال حديثها لـ"تلفزيون سوريا" معاناتها مع الأجهزة الأمنية بعد عودتها من الأردن، تقول:"عدت إلى سوريا منتصف العام 2021 وعند الدخول إلى معبر نصيب كان لا بد من المرور على مكاتب تابعة للأجهزة الأمنية للتأكد من شخصية كل من يعود، وفي مكتب المخابرات الجوية تم إعطائي موعد لمراجعة الفرع في مدينة درعا بعد أن يمر عشرون يوما على عودتي، وبالفعل عند مراجعة فرع المخابرات الجوية بمدينة درعا تعرضت لاستجواب استمر لأكثر من ساعتين حول إقامتي في الأردن، ولماذا خرجت من سوريا ولماذا عدت والعديد من الأمور الأخرى".

غلاء المعيشة في سوريا

العامل الاقتصادي، أحد العوامل المهمة التي تمنع قسما كبيرا من السوريين من العودة، خاصة أن معظم الذين عادوا إلى سوريا تأثروا بتردي الأوضاع الاقتصادية ولم يتمكن معظمهم من إيجاد سبل عيش ملائمة، خاصة الموظفين الحكوميين الذين تم فصلهم من وظائفهم ولم يعودوا إليها حتى الآن.

حول الوضع الاقتصادي، تضيف سماح، أنها لم تكن تعتقد أن الأوضاع الاقتصادية ستكون بهذا السوء، خاصة أنها دون معيل وتعيش مع أطفالها، كما تشير إلى أن سبل العيش تكاد تكون معدومة في ظل ارتفاع الأسعار الكبير وعدم وجود مصادر ثابتة للدخل، سوى ما يقدمه لها أقرباؤها من دعم مادي وعيني.

الخدمة العسكرية الإلزامية

أيضا هناك الخدمة الإلزامية، وهي من أبرز الأسباب التي تمنع عودة السوريين من الأردن، خاصة العائلات التي بلغ أبناؤها سن الالتحاق بالخدمة العسكرية.

في هذا السياق، يشير أيمن أبو نقطة، الناطق باسم "تجمع أحرار حوران"، خلال حديثه لـ" تلفزيون سوريا"، إلى أن الذين عادوا وهم في سن الخدمة العسكرية تم تبليغهم في معبر نصيب بمراجعة شعب التجنيد التي يتبعون لها، مبينّا أن أي شخص لا يقوم بالمراجعة لا يعود بإمكانه مغادرة مدينته أو بلدته خشية اعتقاله على الحواجز الأمنية للنظام.

أبو نقطة أضاف أن السوريين يدركون أنه لا يمكن الوثوق بالوعود المقدمة من قبل النظام، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية والخدمية السيئة في سوريا، والتي تدفع بالسوريين داخل سوريا إلى الهجرة بأي شكل من الأشكال، وهذا أحد الأسباب التي تجعل اللاجئين السوريين في الأردن يحجمون عن العودة إلى سوريا.

عوامل تجعل السوريين يفضلون البقاء في الأردن

خلال سنوات اللجوء للسوريين في الأردن، لم يشعر السوريون بفارق كبير في الحياة عما كان عليه الحال في سوريا، سواء من خلال العيش في المجتمع الأردني، أو من خلال تعامل الحكومة والسلطات الأردنية مع ملف اللجوء السوري.

أكثر من نصف اللاجئين السوريين في الأردن، هم من أبناء درعا، نتيجة العلاقات العائلية عبر الحدود بين العائلات السورية والأردنية، وهذا يعتبر العامل الأبرز بالنسبة للاجئين من درعا، كما أن اللاجئين من محافظة حمص يشتركون مع العديد من العشائر الأردنية بصلات قربى وثيقة خاصة في محافظة المفرق.

أيضا استطاع السوريون في الأردن، الانخراط في سوق العمل الأردني، سواء بالاستثمار حيث أتاحت قوانين الاستثمار فرصا عديدة لهم، وحتى بالنسبة للعمال السوريين فقد اتخذت الحكومة الأردنية بالتعاون مع الدول المانحة بعد مؤتمر لندن للمانحين في 2016 إجراءات قامت بموجبها بقوننة عمل السوريين بموجب تصاريح عمل تتيح لهم العمل بشكل حر دون أن تمس مكانتهم القانونية كلاجئين ودون أن تنتقص حتى من المساعدات المقدمة لهم من مفوضية الاجئين وبرنامج الغذاء العالمي وأي جهة مانحة أخرى.

إياد خليفة، صحفي أردني ورئيس تحرير موقع "البوابة" الأردني، يشير خلال حديثه لـ"تلفزيون سوريا"، إلى أن اللاجئ السوري وجد في الأردن تعاطفا وارتياحا من الشعب الأردني والسلطات، أكثر من السوريين الذين لجؤوا إلى دول أخرى، حيث يتعرضون لمضايقات أحيانا ويتم تحميلهم مسؤوليات انهيار الوضع الاقتصادي في بعض الدول.

أيضا فإن هناك روابط اجتماعية وثيقة ومتينة يرتبط بها السوريون مع الأردنيين، خاصة أهالي حوران حيث لجؤوا إلى القسم الاردني من المنطقة الجغرافية الواحدة التي قسمتها حدود سياسية، حيث أنسباؤهم وأقاربهم وأبناء عمومتهم والذين يشتركون معهم في الجذور العائلية.

خليفة يضيف، أن اللاجئ السوري وجد ارتياحا مهما كالتشابه والتطابق في العادات والتقاليد، حتى اللهجة الواحدة لا يمكن التفريق بين المتحدث سواء كان ابن درعا أو ابن الرمثا، وهذا ما ساعد على الاندماج مباشرة مع الجو الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي الأردني، ومكن السوريين من استغلال الهامش المتاح لهم اقتصاديا ليثبتوا أنفسهم في العديد من الصناعات والأعمال والمصالح المهنية، واستغلوا أيضا التسهيلات التي قدمتها لهم الدولة الأردنية على أكمل وجه، هذه العوامل كانت مساعدة للبقاء والصمود أمام المشكلات والأزمات التي تلازم اللاجئين في كل مكان.

من جانب آخر، يرى خليفة، أن تمسك اللاجىء السوري بالبقاء في الأردن له أسباب أخرى، أهمها الوضع العام في سوريا حيث المعاناة من الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية والخدمية المنهارة تماما، ومن هنا يفضل اللاجئ السوري البقاء في الأردن على العودة ليعيش في تلك الظروف، بالإضافة الى أن الحكومة الأردنية ترفض مبدأ الإعادة القسرية للاجئين السوريين، مبينا أنه على الرغم من الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يمر بها الأردن، إلا انه كان هناك سعي حكومي لأبعد الحدود من أجل تليين الظروف والتأقلم معها بحيث لا يشعر اللاجئ ولا المواطن بأي تقصير تجاه أي منهم.

خليفة ختم بأن هناك نقطة مهمة، وهي أن اللاجئين السوريين في الأردن ملتزمون بالقوانين بشكل لافت ويعيشون في الأردن بموجب تلك القوانين، لذلك يمكن ملاحظة أن القضايا والمشكلات التي تورط فيها لاجئون سوريون قليلة للغاية، ولم يحدث أي إزعاج أو قلق للسلطات الأردنية وهذه الناحية تعتبر عنصرا فعالا ومساعدا وليس عنصرا مزعجا يمكن أن يكون عالة على الدولة الأردنية.

عوامل مختلفة شكلت بمجملها سببا كافيا لبقاء غالبية اللاجئين السوريين في الأردن وعدم عودتهم إلى سوريا، على الرغم من بعض الصعوبات التي يعانون منها كما يعاني منها الأردنيون أنفسهم، إلا أنهم يجدون أن عامل الأمان بالنسبة لهم هو الأهم، حيث لا يعانون أي مضايقات سواء شعبية، أو من الحكومة التي درجت على الحديث في كل المناسبات أنها ترفض عودة السوريين إلا بطريقة طوعية وآمنة تحفظ حياتهم وكرامتهم.