السوريون الأيتام

2019.12.06 | 15:48 دمشق

screenshot_47-34.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا يشبه حال السوريين هذه الأيام في شيء، إلا حال الأيتام المتعبين، ممن لا يجدون أي يد تمد لمساعدتهم، بل كل ما يجدونه هو صفعات متتالية تنهال على خد الشعب السوري منذ تسعة أعوام تقريباً دونما توقف، لم تبقَ صفعة لم يحظَ بها السوري إلا ونالها لاحقاً، إما من أصدقاء الشعب السوري أو من حلفاء الشعب السوري، دون أن ننسى الصفعات المتبادلة بين السوريين أنفسهم والتي باتت أشبه بضربات السوط الطري المدهون حديثاً من زيت الخروب الساخن..

ولكن حينما نتحدث عن شعب يتيم، فكأننا نتحدث عن أب وأم له، ولكنهما رحلا، وهذا الكلام حقيقي، فبمجرد تحول الدولة إلى سلطة قمعية لا هدف لها في الحياة إلا الترويج لذاتها ولبقائها، فإن الشعب السوري قد تيتم على الفور، ومؤخراً شاهد السوريون بأعينهم عملتهم الوطنية وهي تسقط سقوطاً حراً وتتهاوى أمام الدولار في معركة لم يخضها السوريون أبداً، وهم يتفرجون على ما يحدث لاقتصادهم بعد تهاوي بلدهم ودمار مدنهم وقراهم وبناهم التحتية على يد طيران دولتهم، يتفرجون دونما أي قدرة أو دعوة أو رغبة في المساهمة في رفع ودعم الليرة السورية التي هي ثالث رمز يتهاوى من رموز الدولة التي تتداعى منذ 2011.

صدرت العملة السورية في العام 1948، بعد انفصال مصرف سوريا ولبنان المركزي، الذي كان يصدر الليرة السورية - اللبنانية المتداولة في كلا البلدين، ومن حينها تناورت العواصف على الليرة السورية التي كانت رمزاً مالياً للنمو الاقتصادي السوري... وفي تلك الأيام كانت القوى الأهلية والمدنية والمحلية قادرة على التدخل لحماية وصيانة الرموز المشتركة التي يجمع كل السوريين عليها آنذاك، ويستندون

تتحدث الكتب أيضاً عن حملات دعم الليرة السورية التي قامت في الأربعينات من أجل رفع قيمة الليرة ودعم الاقتصاد

بقوة عليها في استمرار وبقاء بلادهم، كمثل الحملات الوطنية والأهلية لدعم المجهود الحربي التي تتحدث كتب التاريخ عن تبرع نساء حلب ودمشق وباقي المدن السورية بذهبهن الشخصي من أجل بيعه وصرف الأموال لدعم الجيش، كان ذلك في الخمسينات، وتتحدث الكتب أيضاً عن حملات دعم الليرة السورية التي قامت في الأربعينات من أجل رفع قيمة الليرة ودعم الاقتصاد فقام الأهالي في عموم سوريا بالشراء الكثيف لليرة الذهبية كمبادرة عامة لضخ السيولة في البنك المركزي الذي كان قد طرح الليرة الذهبية التذكارية للاكتتاب، وهناك الكثير من السوريين ممن يملكون تلك الليرة التاريخية، كان ذلك في نهاية الأربعينات...

والكل يتذكر حينما اجتاحت المياه الملوثة مدينة دمشق، وبادرت الشركة الفرنسية للمياه لمحاولة استغلال الأهالي، فما كان من الوطنيين السوريين إلا أن أنشؤوا ما سموه وقتها (لجنة مياه عين الفيجة) التي هي أشبه بجمعية تعاونية لا علاقة للدولة بها، واستثمروا بأموالهم لجر المياه النظيفة من منطقة عين الفيجة في ريف دمشق، في مشروع ضخم حينها، حتى دمشق، وكان المشروع من بدايته إلى خاتمته أهلياً وطنياً، لا علاقة للدولة به مطلقاً... ولاتزال أغلب أحياء مدينة دمشق القديمة تشرب من تلك التجربة حتى يومنا هذا..

تمر كل التجارب، دون أن ننسى المجالس المحلية في المناطق السورية التي

لا حاجة للسوريين لأي شكل من أشكال الدعم أو الرفد، فهم تاريخياً وحتى يومنا هذا قادرين على رفع اقتصادهم وبناء بلادهم وتسيير أمور بلدهم

استطاعت أن تسير أمورها وأمور المواطنين والناس، دون حاجة للدولة المتلعثمة بالمؤامرات الخارجية والكونية، ناسية ومتناسية ملايين المواطنين المهملين تحت سلطتها..

كل هذا إن دل على شيء فهو يدل على أن لا حاجة للسوريين لأي شكل من أشكال الدعم أو الرفد، فهم تاريخياً وحتى يومنا هذا قادرين على رفع اقتصادهم وبناء بلادهم وتسيير أمور بلدهم، إن رفعت دول العالم مصائبها عنهم، وإن قررت الدولة الشمولية تركهم يديرون أمور مدنهم وقراهم ومزارعهم.

يمكن لليرة السورية أن ترتفع مقارنة مع الدولار الأميركي إن تدخلت دول الخليج مثلاً أن دفعت إيران من أموال العراق ملياراً أو اثنين، ولكن هذا الارتفاع سيكون مؤقتاً وغير فعال، إن لم تدور العجلة الوطنية، وتتحرك السيولة الداخلية وتبدأ المشاريع الصغيرة والكبيرة والعملاقة بالعمل في سوريا، كل ذلك سيبقى وهماً طالما بقي هناك حاجز بين الشعب السوري وبلده، بين السورييين وليرتهم، بين المواطن والسوق الذي لا يتحكم به إلا حيتان المافيا وسارقي قوت الشعب السوري..

حتى ذلك الوقت يبقى السوريون أيتاماً..لا أب لهم ولا أم يعلموهم صيد السمك بدلاً عن إعطائهم السمك جاهزاً.