السعودية لن تنفّذ أي شيء مما ورد في مقال الدخيل

2018.10.16 | 01:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

نشر موقع قناة العربية يوم الأحد 14 أكتوبر 2018 مقالاً لتركي الدخيل، المدير العام لـ "قناة العربية" التي تمتلكها السعودية تحت عنوان "العقوبات الأمريكية على الرياض تعني أنّ واشنطن تطعن نفسها". أثار المقال جدلاً واسعاً في وسائل التواصل الاجتماعي، سيما وأنّه جاء في سياق الحملة التي تقودها السعودية للرد على التهديدات الغربية بفرض عقوبات ضدها -على خلفية إخفاء/مقتل الصحفي خاشقجي-، بتهديدات أقوى من طرفها كما ذكر بيان رسمي نشرته وكالة الأنباء السعودية.

فور نشر المقال، قام البعض بنفي أن يكون تعبيراً عن وجهة النظر الرسمية السعودية أو عن طريقة تفكير القادة السعوديين. وسرعان ما قام كاتب المقال نفسه بتأكيد النفي، مشيراً إلى أنّه لا صحّة للربط بين الحكومة وبين مقاله الذي يعبّر عن وجهة نظر شخصية. من نافلة القول في هذا المقام بأنّه من غير الممكن للكاتب أن يكتب مقالاً من هذا النوع، أو للمنصّة التي تناولت المقال -أي قناة العربية في هذه الحالة- أن تنشره دون إذن مسبق. هذا أمر مفروغ منه لمن يعلم كيف تُدار الأمور هناك.

من غير الممكن للكاتب أن يكتب مقالاً من هذا النوع، أو للمنصّة التي تناولت المقال -أي قناة العربية في هذه الحالة- أن تنشره دون إذن مسبق

المقال جاء متّسقاً مع البيان السعودي الذي هدّد بأنّ اتخاذ إجراءات ضد المملكة قد يؤدي إلى زعزعة الاقتصاد العالمي، وقد ادّعى فيه الدخيل عدّة أمور هامة من بينها أنّ فرض عقوبات على السعودية سيؤدي إلى زعزعة الاقتصاد العالمي على اعتبار أنّها "عاصمة وقوده" -كما قال-، وأنّ المسّ بها سيصيب إنتاج النفط قبل كل شيء، وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار إلى ٢٠٠ دولار أو ضعف هذا المبلغ وإلى تسعير النفط بالعملة الصينية بدلا من الدولار، مضيفا بأنّ الإجراءات ضد المملكة العربية السعودية قد ترمي منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي في أيدي إيران التي ستكون حينها أقرب إلى الرياض من واشنطن –على حدّ وصفه-.

وبموازاة هذه التشخيص، ذكر الدخيل بأنّ لدى السعودية أكثر من 30 خياراً ستتّخذها على الفور دون أن يرفّ لها جفن في حال تمّ فرض أي إجراءات ضدّها، من بينها التخلي عن التعاون الأمني مع واشنطن، واستبدال الولايات المتّحدة كحليف بروسيا أو الصين، وفتح الأراضي السعودية أمام قواعد عسكرية روسية في تبوك، والتوقف عن شراء الأسلحة الأمريكية واستبدالها بأسلحة من روسيا والصين، بالإضافة إلى الاقتراب من إيران وتحويل حماس وحزب الله من عدوّين إلى صديقين للسعودية.

إشارة الدخيل إلى إمكانية استخدام السعودية لسلاح النفط في المعركة المفترضة مع الغرب هو طرح غير واقعي في أفضل الأحوال. استخدام النفط كسلاح سياسي خرج من المعادلة منذ زمنٍ طويل، ومن غير الممكن له أن يعود في ظروف تواجه فيها السعودية عزلة دولية من أصدقائها وحلفائها قبل أعدائها وخصومها. الأهم من ذلك، هو أنّ المملكة تعاني اليوم من حالة غير مسبوقة من عدم الاستقرار في ظل السعي إلى نقل السلطة من الإخوة إلى الأبناء في عملية تحتاج إلى دعم غربي ولاسيما أمريكي لإضفاء الشرعية عليها، وهذا هو الهدف الأساسي من العلاقة النفعية بين ولي العهد محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي ترامب.

استخدام السعودية لسلاح النفط في المعركة المفترضة مع الغرب هو طرح غير واقعي في أفضل الأحوال. استخدام النفط كسلاح سياسي خرج من المعادلة منذ زمنٍ طويل

عنصر آخر يدعم استنتاجنا وهو اعتماد السعودية الضخم على النفط. يشكّل قطاع النفط أكثر من 80٪ من مداخيل الموازنة السعودية، وحوالي 90٪ من عوائد صادرات البلاد، وحوالي 42٪ من الناتج المحلي الإجمالي. هذه الأرقام تعني أنه في الوقت الذي ستقرر فيه الرياض قطع النفط أو استخدامه كسلاح، ستتعرّض إلى انهيار اقتصادي محتوم، ولن يستطيع النظام السعودي الصمود في حينه، وسيكون قد قرر إنهاء نفسه بنفسه.

التهديد بإمكانية تخلي السعودية عن الضمانات الأمنية التي توفّرها واشنطن لها ولنظامها منذ أكثر من 74 عاماً للحصول على ضمانات من دول أخرى فيه تسطيح غير مسبوق. روسيا والصين لا تقدّمان ضمانات أمنيّة للأنظمة الحليفة، وعندما تقرر واشنطن فرض عقوبات أو شن عمل عسكري، لن يقوما بالوقوف في وجهها، وأمثلة العراق وإيران لا تزال حاضرة في الأذهان حتى اليوم. أمّا فيما يتعلق بالتهديد بالتوقف عن استيراد الأسلحة الأمريكية واستبدالها بأخرى روسية أو صينية، من الممكن للسعودية دوما أن تنوّع أو تشتري بعض الأسلحة من عدة دول لكن ليس بإمكانها التخلي تماماً عن الأسلحة الأمريكية لعدّة أسباب أبسطها أنّها ستكون بحاجة إلى سنوات طويلة لتنتقل من أنظمة أمريكية إلى أخرى روسية أو صينية، هذا على افتراض أنّ واشنطن سمحت بذلك.

إنّه من المثير للسخرية أن يهدد السعوديون غيرهم بإمكانية التقارب مع إيران وربما التحالف معها ومع أذرعها الطائفية في المنطقة كحزب الله

إنّه من المثير للسخرية أن يهدد السعوديون غيرهم بإمكانية التقارب مع إيران وربما التحالف معها ومع أذرعها الطائفية في المنطقة كحزب الله. وماذا إذا قرر الإيرانيون في هذه الحالة التحالف مع واشنطن كبديل عن السعودية؟ أو إذا قررت واشنطن إجراء صفقة شاملة مع إيران ردّاً على السعودية؟ كيف سيكون وضع الرياض في هذه الحالة؟. شرعية النظام السعودي تقوم إلى حد بعيد على التحالف مع الولايات المتّحدة وعلى اعتماد خطاب معادٍ لإيران في المنطقة، ولذلك فإن الابتعاد عن واشنطن والتحالف مع إيران يفترض ضرب شرعية النظام السعودي في قلبها. وإذا ما قررنا جدلاً الافتراض أنّ السعودية ستتحالف مع إيران، فكيف ستبرر للعالم حربها التي تشنها منذ أكثر من ٣ سنوات على اليمن؟ وكيف ستبرر حصارها لدولة قطر والذي تمّ التسويق له بحجّة وجود علاقات بين الدوحة وطهران؟. كل ما قامت به السعودية منذ اليوم الأول لبروز محمد سلمان في سلّم الحكم أدّى ويؤدي إلى تقوية إيران في المنطقة وإلى دفع اللاعبين الآخرين باتجاه إيران، ولذلك فإن التذرع الآن بأنّ عقوبات على السعودية ستدفع الشرق الأوسط باتجاه إيران في الوقت نفسه الذي يقول فيه الكاتب إنّه من الممكن للرياض التحالف مع طهران هو تناقض كبير ويعكس تخبطاً تقليدياً في الخطاب السعودي.

خلاصة القول، السعودية لن تتجرأ على القيام بأي من الأمور المذكورة في هذا المقال لأنّ النظام يكون قد قرّرت نهايته في هذه الحالة، ولن ينفعه حينها حشد تويتر والإعلام خلفه.