الرياض وترتيب الملفات قبيل زيارة بايدن

2022.06.29 | 07:04 دمشق

الرياض وترتيب الملفات قبيل زيارة بايدن
+A
حجم الخط
-A

قبيل جولة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة في منتصف الشهر المقبل والتي سيزور خلالها كلاً من السعودية وإسرائيل وفلسطين، قامت الرياض بتحركات سياسية على أعلى مستوى وفي ملفات متعددة لترتيب الأوراق. ولا يمكن اعتبار أحد هذه الملفات أهم من الآخر فكلها ذات أهمية خاصة وحساسية عالية عند جميع دول المنطقة. وعليه كانت زيارات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لكل من مصر والأردن وتركيا، وما أعقب تلك الزيارة من زيارة أخرى لشخصيات سياسية لدول أخرى فيما بينها (وزير خارجية إسرائيل لتركيا وزيارة الملك الأردني لدولة الإمارات العربية المتحدة وزيارة أمير قطر لمصر..).

تحاول الرياض الاستفادة من هذه الظروف لتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة والضغط على واشنطن لمنع إيران من التقدم في ملفها النووي

لا شك أن الملف الإيراني واحد من تلك الملفات التي بدا واضحاً أن هناك اصطفافاً في المنطقة ضده. فالمصالح الإيرانية الآن في تضارب مع مصالح تلك الدول التي بدأت الأصوات تعلو فيها ضد نفوذ طهران في المنطقة وبدأ الحال يتغير نتيجة تأثر المنطقة بالحرب الروسية الإيرانية وتحول أوروبا نحو مصادر طاقة أخرى غير الروسية سواء الموجودة في دول الخليج أو التي يراد استخراجها من شرق المتوسط، هذان الأمران جعلا من الرياض تمتلك مكانة رفيعة الآن على المستوى السياسي وهذا ما جعل الرئيس الأميركي بايدن يقرر زيارة المملكة العربية السعودية بعد الجفاء الذي حصل بينهما لا وبل ستفرض الرياض بعض شروطها على بايدن على الأقلّ في ملفي النووي الإيراني والحوثيين في اليمن. فالهجمات التي قامت بها جماعة الحوثي ضد محطات النفط السعودية جاء الوقت لكي يدفع الحوثي بدلها في هذه الظروف الحرجة إقليمياً ودولياً، وتحاول الرياض الاستفادة من هذه الظروف لتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة والضغط على واشنطن لمنع إيران من التقدم في ملفها النووي، والذي سيغير معادلة الصراع في المنطقة في حال نجحت إيران في الوصول إلى السلاح النووي مستفيدة من رفض وتخوّف كل دول المنطقة من ذاك الملف.

لا يقل الملف المصري أهمية عن باقي الملفات فلا يمكن للطاقة في شرق المتوسط أن تُصدر للعالم من دون المرور بمصر صاحبة معامل تسييل الغاز ورئيسة منتدى شرق المتوسط، علاوة على نفوذها الكبير في القضية الفلسطينية ودعمها الكامل للمملكة العربية السعودية ضد الجمهورية الإيرانية على المستويين السياسي والعسكري (وأيضاً ضد الحوثي في اليمن)، إضافة إلى الدور الذي قد تقوم به الرياض بين أنقرة والقاهرة لما لديها من نفوذ كبير في البلدين وخاصة بعد إصلاح العلاقات بينها وبين تركيا، وهذا ما سيجعلها تخطو قدماً نحو الأمام في الملف التركي المصري فكلا البلدين لهما مصلحة مشتركة وكبيرة في ملف الطاقة شرق المتوسط، وكلا البلدين يتمتعان بجرفين بحريين مهمين وكبيرين في شرق المتوسط.

جاءت زيارة ولي العهد السعودي لأنقرة ومن قبلها عمّان والقاهرة ليس لترتيب الأوراق فحسب، بل لتسليم هذه الملفات للرياض لتقوم هي بالنيابة عن هذه الدول بطرحها على الرئيس بايدن

الملف التركي والذي كان يُعدّ عقدة الخلاف كيف لا وأنقرة كانت على حالة صراع وخلاف بينها وبين دول المنطقة من مصر وإسرائيل والسعودية والإمارات، لكن البوصلة في السياسة الخارجية التركية تغيرت 180 درجة وانقلب الخلاف إلى وئام، وعادت العلاقات لسابق عهدها وربما أكثر. فالمشتركات كبيرة بين هذه الدول سواء على صعيد التحديات والمخاوف أو على صعيد المنافع والمصالح السياسية والاقتصادية القادمة من شرق المتوسط بعد الحرب الروسية الأوكرانية وقبلها عزوف واشنطن عن مشروع إيست ميد والذي كان يقصي تركيا، إضافة إلى الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه السعودية في الملف السوري لدعم الموقف التركي في حال قامت تركيا بعملية عسكرية ضد قسد في الشمال السوري، وخاصة بعد التصريحات الإيرانية الشديدة اللهجة ضد تركيا في حال إقدامها على تلك العملية العسكرية، إضافة إلى رفض واشنطن لهذه العملية ضد حليفها الكردي في الأرض السورية.

وفي خضم هذه الأحداث جاءت زيارة ولي العهد السعودي لأنقرة ومن قبلها عمان والقاهرة ليس لترتيب الأوراق فحسب، بل لتسليم هذه الملفات للرياض لتقوم هي بالنيابة عن هذه الدول بطرحها على الرئيس بايدن، وترأس الرياض سياسياً تلك الملفات، ولا يخفى على أحد أن كل هذه الدول تركيا والإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن لديها علاقات جيدة مع إسرائيل، وهم قادرون على التواصل معها وحتى الضغط عليها سواء في الملف الفلسطيني أو غيره، وربما هذا ما سعت له الرياض في جولة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، ويسعى بايدن في زيارته هذه لتأكيد أهمية منطقة الخليج بالنسبة لواشنطن وأهمية موارد الطاقة لها. فالتضخم الذي تعاني منه أميركا هو الأكبر منذ عقود وارتفاع أسعار الوقود سيسبب مشكلات كبيرة في داخل الولايات المتحدة الأميركية هي بغنى عنه.