الرقة والثورة من التحرير إلى التدمير

2020.10.04 | 00:04 دمشق

1026939045_0_30_2550_1410_1000x541_80_0_0_33df9c356e932ae0d40e196bee737653.jpg
+A
حجم الخط
-A

(القتل والخراب الذي شهدته الأمة في القرن الرابع الهجري، سوف يعود في دورة طبيعية. في ذلك القرن انتشر الشيعة، وعمّوا كافة أطراف البلاد والأمة، وفي هذا الزمان سوف يعودون من جديد. انظرْ إلى هذه المدينة الهادئة البسيطة، مدينتنا الرقة، واحكمْ على الأمور بعد أن ينتشر التشيع فيها. سيأتي عليكم يوم سوف تحلمون فيه بالسفر، سيكون السفر والتنقل من الرقة إلى حلب، ومن الرقة إلى دمشق، ومن الرقة إلى دير الزور، مجرد حلم، سيقسمون هذه البلاد إلى دول، كلّ قطعةٍ صغيرةٍ بحجم قرية، ستصبح كما لو أنها دولةٌ مستقلة، وسيهجرها أهلُها، وسيجلبون سكاناً جدداً ليملؤوها بالسكان).

بهذه النبوءة التي ينقلها ابن الرقة معبد الحسون عن أبيه شاعر الرقة "مصطفى الحسون" يستهل كتابه "الرقة والثورة. من التحرير إلى التدمير" الذي يوثق فيه وقائع مدينته خلال سني الثورة، بتفصيلٍ من العصي أن يتأتى إلّا لمنغمس في تلك الوقائع ومنخرط في عذاباتها.

يورد الكتاب وجهتي نظر متنافرتين في موقف الرقة من الثورة ابتداءً

الأولى تزعم أنَّ الرقة رغم عزلتها وتهميشها وفرض التجهيل على أبنائها ورغم تفقيرها وعبث الفاسدين بها لعقود فإنها سرعان ما استجابت لنداء الثورة شأنها شان سائر المدن والقرى السورية التي لم تتأخر عن تلبية نداء الحرية فكانت "مظاهرة الفردوس" في الجمعة الثانية من جمع الثورة في تاريخ 25-3-2011

وهي إلى هذه الساعة تقدم التضحيات إثر التضحيات على مذبح ثورة ضائعة عبث بها أزلام النظام واستباحتها قطعان داعش.

أمّا وجهة النظر الثانية فتزعم أن الرقة منذ البدايات، تقاعست عن تلبية نداءات الثورة كما ينبغي لها، هذا ما أغرى النظام على استباحتها والتلاعب بها وتركها فريسة سهلة لقطعان داعش الذين أذاقوا أهلها الذل والقتل.

ويرجع الكتاب الأمر للتركيبة الخاصة للبنية العشائرية لمدينة الرقة ولصعود طبقة نفعية من محدثي النعمة ولتغول أجهزة الأمن الجوي والأمن العسكري والأمن السياسي، الذين يشكلون عمود السلطة في هذه المدينة وقبضتها الباطشة.

في يومٍ حارٍ من أيام تدمر من عام "1987" كنت أسيراً في مهجع أصحاء السل مع صديقي معبد الحسون، وكان يتحدث هامساً وبمنتهى الجدية، عن حلمه إن هو خرج من هذا السجن الرهيب، أن يهيئ مركزاً سرياً يجمع به ما يستطيع من وثائق وملفات ومعلومات تسهم يوماً ما في تعرية النظام والمشاركة في هدم كيانه، وكنت أسمع هذا الكلام وأنا أجده محض أحلام وأمنيات، لكنني بذات الوقت كنت أكبر فيه هذه الهمة التي لم تنكسر، وهذا النزق النّزّاع لمقارعة النظام المستبد ونحن في هذا الضحضاح القاسي من العذاب والعجز.

واليوم أجده في هذا الكتاب وقد أنجز شطراً مهماً من حلمه هذا، فقد استطاع أن يوثق في هذا الكتاب وقائع شهدها وعاشها، ووثائق حرص على الحصول عليها مع ما يخترم هذا العمل من مخاطر أقلها التعرض للقتل.

وفي فصل "الثورة بين المخابرات الجوية وداعش "يتحدث بتفاصيل وأسماء عن تعاون عناصر وقيادات داعش مع أجهزة مخابرات نظام الأسد، كيف كان اللواء أديب نمر سلامة يشرف على تدريب عناصر من داعش في معسكرات بريف الرقة.

يوثق لشخصياتٍ معروفةٍ تم تكوينها وتجنيدها عبر المخابرات الجوية، لتكون قيادات في تنظيم داعش، وهو يورد تفاصيل عملهم وتاريخ نشأتهم، موثقاً كل ذلك بما توافر له من صور ووثائق مخطوطة بخط اليد، فهذا علي موسى الشواخ المكنى "بأبي لقمان"، وهذا الأستاذ الجامعي "علي إسحاق الشعيبي"، والذي انتسب في وقتٍ مبكرٍ، وعمل في سلك الاستخبارات العسكرية في سوريا منذ يفاعته، وكان من قيادات داعش، التي يرى كاتبنا أنها تأسست بناء على إرادة استخبارية أميركية.

وفي فصله الأخير " خارطة طريق الفشل السوري"

يتعرض لدور المعارضة السورية الهشة، في هذه الحرب المستعرة فيرى (كل القوى السياسية والأحزاب السورية، كانت قد دخلت الموت السريري والسبات الدماغي قبل الثورة بزمن، وكل القوى السياسية السورية، والفعاليات التي ولدت بعد الثورة، وضعت في المنفسة لنقص التكوين الخلقي وعدم القدرة على الحياة والاستمرار)، وأن ما يجمعها هو عدم الإقرار بالفشل وافتقارها لثقافة الاعتذار وفعل المراجعة اللازمة.

ويختم بقواعد الفشل العشر

  • التماهي بين الفكرة وصاحبها.
  • عدم رد الموضوعات، وأسباب القصور إلى مسبباتها الحقيقية والموضوعية.
  • اعتبار المعرفة المجردة رأياً شخصياً.
  • إهمال ترتيب الأولويات.
  • عدم المراجعة العامة، بغية تفكيك الفشل.
  • التعبير عن الذات بطريقة السلب.
  • ضياع الفروقات بين الجدوى العاطفية والجدوى المادية.
  • مقايسة الماضي والمستقبل بقوالب وتصورات جاهزة.
  • إدخال المقدس الديني في السياسة وإدخال السياسة في المقدس

 

وقد وجد كاتبنا دافعاً يحدوه لتدوين أفكاره ومشاهداته وتجربته الشخصية على نحو مذكرات تجمع الرواية السردية إلى التأريخية، خشية أن تضيع تلك الذكريات.

كتاب "الرقة والثورة" حشدٌ كبيرٌ من المشاهدات الشخصية والوقائع الممحصة والموثقة بعناية، يضاف إليها لفيف من الوثائق التي جمعها بعنايةٍ وصبرٍ، ومخاطرةٍ كبيرة.

هذا الجهد الكبير، حريٌّ به أن يدفع الكثيرين ممن عاشوا تجارب ووقائع ثورتنا السورية، أن يدونوا ويوثقوا ما استطاعوا، فهذه الوثائق ستكون يوماً ما أداتنا في مقارعة هذا النظام في المحافل الدولية، وعاصمةً لنا من التشويه الذي يجري بشكلٍ ممنهج كل يوم، ليصنع لنا تاريخاً مشوهاً بعد أن أتى على حاضرنا.

 

كتاب الرقة والثورة

إصدار دار موزاييك للدراسات والنشر 2020

يقع الكتاب في 384 صفحة