icon
التغطية الحية

الرقة.. مدينة تاريخية همشها نظام الأسد رغم أهميتها الاجتماعية والاقتصادية

2022.04.28 | 06:19 دمشق

248936image1-1180x677_d.jpg
مدينة الرقة
أحمد العربي
+A
حجم الخط
-A

تعد مدينة الرقة من المدن العربية العريقة تاريخياً وجغرافياً واجتماعياً، وقد تخاصم عليها الفرس والرومان، وأخذت شهرتها بعد وصول المسلمين إليها، سكنها العديد من الأعراق في ظل ثقافتها العربية والإسلامية، همشها نظام البعث مثل بقية مدن الأطراف، وتعد من أبرز المدن الاقتصادية شمالي سوريا.

وقد تناول كتاب "الرقة وأبعادها الاجتماعية" بعين البحث في إطار رسالة جامعية، كانت تعمل عليها الراهبة المستقرة صوفيا فرّا، تحت إشراف البروفيسور دومينيك شوفالييه لكن وفاتها حالت دون إكمالها، ما أدى إلى تحويل الأطروحة إلى الباحث "بول ويليي در هوفل" الذي أنجزها، ثم ترجمت إلى العربية على يد "عبد الرحمن حميدة".

● موقع متميز

ويعد موقع الرقة متميزاً جغرافياً على تقاطع نهر البليخ بنهر الفرات شمالي سوريا، حيث كانت منطقة مأهولة منذ ما قبل الميلاد، ومنطقة تنازع بين الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية، وحكمت من قبل الروم تارة ومن قبل الفرس تارة أخرى.

 وصل إليها التوسع الإسلامي في عهد عمر بن الخطاب، وكانت مصيفاً لهشام بن عبد الملك ثم لهارون الرشيد، الذي حولها إلى مركز لحكمه إلى جانب بغداد، لكن هجوم المغول أيام تيمورلنك أدى إلى تدميرها وقتل أهلها مما جعلها مهجورة. 

● تطور الرقة وسكانها

بحكم موقع الرقة وخصوبة أرضها وجوارها للأراضي الصحراوية جنوبها الممتدة حتى تدمر ودير الزور، جعلها منطقة نزاع بين البدو الرحل الذين يتنقلون حيث أماكن الرعي الوفيرة، وبين بعض الحضر الذين بدؤوا بالاستقرار في الرقة وعملوا بالزراعة، كما كانت بلاد الشام تاريخياً تستقبل موجات من العرب الذين تفيض بهم حياة الصحراء منذ ما قبل الإسلام وبعده.

واستقر في الرقة بالقرن التاسع عشر، بحضور عثماني، تنوع سكاني من العرب والكرد والترك، مشكلين أحياء عدة، كان معظم سكانها من المسلمين، ثم التحق بهم بعد ذلك بعض المهجرين من القوقاز والشيشان الذين هجروا من روسيا، وكذلك التحق بهم بعض من الأرمن، وشكلوا مجتمعاتهم الخاصة. 

وسكنها بعض القادمين من حوران، وقليل من القرباط، الذين كانوا مندمجين بحكم الحياة المشتركة.

وفي تلك الفترة أسهم الإنكليز والفرنسيون في إحياء دور الرقة التجاري عبر اتفاقهم مع السلطنة العثمانية.

وكان عدد سكان الرقة بداية محدوداً بالعائلات التي قسمت إلى حلف الأكراد وحلف العشاريين وكانوا بعشرات العائلات بداية ثم تزايدوا بكثافة بعد ذلك ليصل عددهم عام 1970 إلى نحو أقل من أربعين ألف إنسان، بينما بلغ عددهم نحو 300 ألف نسمة عام 2011، في حين ضمت كل المحافظة بين مركز مدينة ومدن وأرياف قرابة مليون نسمة في العام نفسه.

● نشاطها الاقتصادي

وكانت الزراعة في الرقة حتى ما قبل الاستقلال السوري عام 1946، تعتمد على الزراعات التقليدية الموسمية من حبوب وخضراوات، تكاد تسد الحاجات الذاتية لأهل الرقة، إضافة إلى كونهم ضحايا الصراع مع البدو الذين كانوا يرعون المزروعات بمواشيهم في كثير من الأحيان. 

وبعد ذلك حصلت مكننة في الزراعة حيث تم استغلالها في التوسع بالزراعة والتنوع أيضاً. حيث بدأت زراعة الأرز لفترة من الزمن ولكنه لم ينجح، ثم القطن الذي حقق نجاحاً وكان محصوله يباع للتجار خاصة من مدينة حلب.

كذلك الشمندر السكري المنتج للسكر حيث كانت هناك دورة اقتصادية تبدأ من مالك الأرض إلى الفلاح الذي يعمل ثم التاجر الذي يقرض الفلاح أو البنك ضمن آلية اقتصادية متكاملة دائمة.

ومع بدء قانون الإصلاح الزراعي، وزعت بعض الأراضي على السكان وحصل تغير نوعي في الزراعة بعد بناء سد الفرات عام 1968 بالاتفاق مع الاتحاد السوفييتي، الذي كان له فائدة كبيرة على أهل الرقة بحيث زادت مساحة الأراضي المروية عشرة أضعاف، بعدما كانت صغيرة ومحدودة وتعتمد طرقاً بدائية بالري قبل أن يعتمد الري بالنضح عن طريق المحركات البترولية من النهر لإرواء الأراضي.

وكان لتربية المواشي أهمية خاصة في حياة أهل الرقة، الذين استثمروا الأراضي الرعوية المجاورة للرقة لأجل رعي قطعان ماشيتهم، وكذلك تربية المواشي بجوار بيوتهم في زرائب خاصة. 

وعملوا على زراعة نباتات خاصة لإطعام الماشية والأبقار والعجول مثل البرسيم. وكانوا يتواصلون لدعم عملهم وإنتاجهم مع التجار وخاصة في حلب، المركز الاقتصادي المهم تاريخياً، حيث كان للرقة دور اقتصادي في تجارة اللحوم والأصواف والألبان والأعلاف شديد الأهمية.

وكذلك كان لدى أهل الرقة عمل في الحرف اليدوية والخدمية المكملة للحياة فيها، والتواصل مع تجار حلب حيث يتم تأمين كل الحاجات غير المتوافرة في المدينة.

● تغيرات حياتية مجتمعية 

ومع توسع التعليم في الرقة بعد الاستقلال، بعد أن كان تعليماً تقليدياً بالكتاتيب، التحق به الجيل الجديد، مع ملاحظة ظاهرة تسرب الأطفال من التعليم بعد المرحلة الابتدائية، وازدياده بعد الإعدادية وكذلك الثانوية، مع استمرار عدد أقل في التعليم الجامعي. 

ويعود ذلك لاهتمام الشباب بالبحث عن عمل يرد لهم لقمة العيش التي يحتاجون إليها، في ظل الوضع الاقتصادي السيئ في عموم منطقة الجزيرة.

وركّز الباحث على ظاهرة محدودية تعليم البنات، في ظل النظرة المجتمعية للمرأة في الزواج والعمل الأسري على حساب التدريس.

في المقابل تمكنت المدينة من خلق حركة ثقافية اقترنت مع ولادة مراكز ثقافية وأهلية متعددة، أسهمت إلى حد ما في نشاطات متعددة.

ورصد الكتاب توسع المرافق الصحية في الرقة التي أصبحت أكبر محافظة في سوريا مساحة وموارد زراعية. 

وركز الكتاب على الجانب العمراني في المدينة، حيث بدأت بالرقة القديمة ضمن السور الذي بني منذ عهد الرومان ثم التمدد خارجه إلى أن توسعت وتوطن حلف الأكراد والعشاريين، ثم ازدادت مساحة مع مجيء الشركس والشيشان والأرمن. 

وكان نمط البناء الأفقي هو السائد وكان نوع المنازل بحسب الإمكانيات للمواطن، فهو إما بيوت ريفية عادية مقترنة مع زريبة للدواب، وإما بيوت أكبر حجماً إلى جانب بيوت على شكل "فلل"، وانتشر كذلك في المدينة النمط الأوروبي في الأبنية الطابقية.

ويعد أول مخطط تنظيمي للمدينة عام 1960 لكنه لم يطبق، حتى نفذ أول مخطط وضعته بلدية الرقة عام 1968، وتكامل ذلك مع حملة تعبيد الطرق بحيث أصبحت بعشرات الكيلومترات. 

وشيدت طرق بين البلدات والمدن المجاورة مثل دير الزور وحلب، ما أدى إلى قفزة نوعية في تسهيل حياة الناس وتحسين الفعالية الاقتصادية والاجتماعية، وانعكس ذلك على النمو السكاني بحيث زادت نسبة الخصوبة والولادات.

ويشير الكتاب إلى التقسيم المجتمعي بين العرب والأكراد والتركمان الذين تداخلوا وتزوجوا واندمجوا مجتمعياً إلى حد كبير، في الوقت الذي حافظ الشركس والأرمن على حالة من العزلة المجتمعية في حياتهم وتزاوجهم وشؤونهم الخاصة.

● الرقة من الثمانينيات حتى 2022

كانت الرقة على طول السنوات السابقة بين المدن الطرفية المهملة من قبل نظام الأسد، ما دفعها للمشاركة الفاعلة في الثورة السورية، وكانت أول مدينة تخرج عن سيطرة النظام عام 2013.

ولكن لم تبق في يد الثوار السوريين لفترة طويلة حيث تمكن تنظيم الدولة "داعش" من السيطرة عليها، معلناً أنها عاصمة دولته.

وتعرضت المدينة ذات التاريخ القديم والبعد الجغرافي والاقتصادي المهم للسوريين لقصف وتدمير وتهجير من قبل نظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين، وما تبعه من تدخل دولي عام 2014 بقيادة الولايات المتحدة التي استهدفت تنظيم "داعش"، وتسببت عملياته في مقتل مئات المدنيين الذين لم يستطيعوا مغادرة المدينة.

وفي ظل ذلك تحولت الرقة إلى مدينة شبه مدمرة، وفي عام 2017، تمكنت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" بدعم كبير من أميركا من السيطرة على المدينة بعد هزيمة تنظيم الدولة، إلى جانب مدن وبلدات في الشمال الشرقي من سوريا، في محافظات دير الزور والحسكة وريف حلب، يشكلون في معظمهم الجزيرة السورية.

وتضم الجزيرة السورية القسم الأكبر من ثروة سوريا النفطية حيث أكبر حقول وآبار النفط، وفي مقدمها حقول رميلان، وحقل العمر وهو الأكثر غزارة في البلاد، بالإضافة إلى حقول غاز شهيرة، إلى جانب الثروات المائية والزراعية والحيوانية.