icon
التغطية الحية

الردع في إدلب: استراتيجية غائبة وبدائل متاحة

2021.07.24 | 06:21 دمشق

post-8-10-08-2020-780x410.jpg
غازي عنتاب - عبدالوهاب عاصي
+A
حجم الخط
-A

اعتباراً من آذار 2021 باتت إدلب تتعرّض لقصف عنيف غير مسبوق منذ توقيع مذكرة موسكو (2020) بين تركيا وروسيا. ومع ذلك، ما يزال الطرفان يحافظان على تهدئة صار لها أكثر من 16 شهراً، هي الأطول في تاريخ النزاع مقارنة مع جميع اتفاقيات وقف إطلاق النار.

لا تدلّ الخروقات بالضرورة على وجود حملة عسكرية بريّة على مناطق سيطرة المعارضة السورية، فالنظام وحلفاؤه لم يلتزموا يوماً باتفاقيات وقف إطلاق النار، بل كان القصف المدفعي والصاروخي وعمليات التسلّل وغير ذلك سياسة ممنهجة تهدف إمّا إلى الضغط على فصائل المعارضة وحلفائها أو إلى رفع كلفة التهدئة عليها أو إلى منع تشكيل قوّة ردع مقابلة.

غياب استراتيجية للردع:

في كانون الثاني 2020، بدأت تركيا بإنشاء نقاط وقواعد عسكرية في إدلب تحمل مهاما غير أمنية (مراقبة) كتلك المتفق عليها مع روسيا في إطار بروتوكول سوتشي (2018)، وحتى تموز 2021 وصل عدد المواقع العسكرية التركية في منطقة خفض التصعيد أكثر من 60، باستثناء 15 موقعاً تم إخلاؤها بشكل كامل.

جاء ذلك بعدما أدركت تركيا، غالباً، بأنّ وجودها العسكري في إدلب لا يُمكن له أن يمنع أي تقدّم بري للنظام السوري سواء من حيث الانتشار أو طبيعة المهام. لذلك، لجأت إلى نشر عدد كبير من النقاط العسكرية على طول خطوط التماس في مواقع حيوية مثل التلال الحاكمة بما يجعلها بمنزلة خطوط صدّ أو دفاع لا بدّ من الاشتباك المباشر معها عند أي اجتياح بري، إضافة إلى تزويد النقاط بأسلحة وعتاد بما يجعلها على استعداد للردّ على أي هجوم محتمل.

إلّا أنّ الانتشار الكثيف للقوّات التركية لم يمنع النظام السوري من استمرار القصف وعمليات التسلل وحتى استهداف محيط النقاط العسكرية التابعة لها، كقصف تل بدران في 23 من حزيران 2021 والذي أدّى لإصابة جنديين تركيين.

عادةً ما تقوم النقاط العسكرية التركية وكذلك فصائل المعارضة السورية بالرّد على القصف والخروقات التي تنفذها قوات النظام، عبر مجموعة من رشقات الصواريخ وضربات المدفعية، تستهدف مصادر إطلاق النيران أو مواقع عسكرية أخرى، لكن ذلك لا يبدو أكثر من رسائل احتجاج مع غياب إطار للردع أو استراتيجية في إدلب سواء بالنسبة لتركيا أو المعارضة السورية.

كان السكّان المحليون يأملون أن يساهم الانتشار الكثيف للنقاط العسكرية التركية على طول خطوط التماس مع قوّات النظام في توفير مزيد من الحماية لهم، ما دفع نسبة من الذين نزحوا إبان الحملة العسكرية مطلع عام 2020 إلى العودة إلى منازلهم جنوب إدلب، لكنّ استمرار القصف العنيف الذي طال النقاط التركية أحياناً دفع السكّان للتظاهر في محيط هذه الأخيرة للمطالبة باتخاذ مزيد من الإجراءات من أجل حماية المنطقة في ظل المخاوف المتصاعدة من شنّ هجوم بريّ جديد للسيطرة على جنوب الطريق الدولي M4.

وغياب إطار أو استراتيجية للردع في إدلب يعني عدم امتلاك القدرات العسكرية والتقنية والمالية أو الجدية باستخدام القوّة المتاحة أو المعلومات أو الكفاءة القتالية والاستخبارية. كما يُمكن تعريفها أيضاً بالافتقاد إلى القرار و/ أو الأدوات اللازمة لمنع النظام السوري وحلفائه من استخدام القوّة المفرطة في ظل عدم التكافؤ في موازين القوى.

في الواقع، تحتاج فصائل المعارضة السورية إلى تعزيز قدراتها الصاروخية والاستطلاعية وتعويض مخزونها من القذائف والعتاد المستنزف خلال القصف والعمليات العسكرية السابقة، إضافة إلى ترشيد استخدام القوّة النارية ووضع خطّة لحساب حجم الأضرار والمكاسب المتوقّعة من أي ردّ أو فعل عسكري.

بدائل متاحة خارج إطار الردع:

هناك مجموعة من الأدوات التي يُمكن اللجوء إليها للحدّ من استخدام النظام السوري وحلفائه القوّة المفرطة خلال الخروقات والقصف، إلى حين تشكيل إطار واستراتيجية للردع؛ من أجل الحفاظ على وقف إطلاق النار فترة أطول.

ويبدو استخدام الطيران المسيّر خياراً ضرورياً، سواءً بالطلب المباشر من تركيا لتنفيذ هجمات مركّزة تحت مبرّر حماية أمن قوّاتها التي تتعرّض للاستهداف، أو بشنّ هجمات بطائرات مسيّرة محلية الصنع بعد الاعتماد على الكثافة والاستمرار، والذي من شأنّه أن يرفع التكلفة على قوّات النظام وحلفائها مقارنة مع التكلفة المنخفضة لتصنيع وإطلاق تلك الطائرات؛ على غرار الهجمات التي تعرّضت لها قاعدة حميميم الروسية في النصف الأوّل من شهر تموز 2018 والتي بلغت 7 مرّات خلال 15 يوماً.

لقد ساهمت الطلعات الجوية للسلاح الحربي المسيّر التركي في ردع النظام السوري مطلع عام 2020 عن استكمال العمليات العسكرية وتوقيع وقف لإطلاق النار. لذا، يُمكن أن تُؤدي مشاركتها بشكل محدود ومدروس لضمان تقليص حجم الخروقات والقصف العنيف الذي تتعرّض له إدلب.

واستخدام تركيا الطائرات الحربية المسيّرة لا يتعارض مع حرصها على عدم تقويض نظام وقف إطلاق النار في إطار التفاهمات المشتركة حول إدلب مع روسيا، التي لا تتوانى عن استئناف الطلعات الجوية تحت ذريعة استهداف التنظيمات الإرهابية في ظل عدم التزام تركيا بتعهداتها، إذ من الممكن شنّ طلعات جوية مركّزة على مصادر إطلاق النيران بدعوى تهديد القوّات التركية المنتشرة.

كما لدى تركيا مستند آخر حتى في حال عدم استهداف المواقع العسكرية بشكل مباشر، وهو تقويض الخروقات والقصف العنيف لجهودها في فصل فصائل المعارضة المعتدلة عن التنظيمات الإرهابية، على اعتبار أنّ القوّات التركية بدأت ومنذ توقيع بروتوكول موسكو (2020) خطّة في هذا الصدد تبدأ من دمج الفصائل مع النقاط العسكرية التابعة لها.

أيضاً، تفتقد فصائل المعارضة إلى تنفيذ عمليات سطع ناري أو هجمات خلف خطوط التماس على المواقع العسكرية المتقدّمة التابعة للنظام السوري والتي يتم استخدامها في قصف مدن وقرى وبلدات إدلب. يُمكن أن يُساهم ذلك ليس في مجرّد تقليص حجم الضرر الناجم عن الخروقات بل حتى في إنهاء أو تقويض أي تهديد وشيك.

لا تحتاج الهجمات الخاطفة أو عمليات التسلل والانغماس، كما تُطلِق عليها فصائل المعارضة، إلى تكلفة أو قدرات كبيرة، فمنذ بدء الهدنة في إدلب تم تنفيذ عمليات استطلاع في العمق من قبل مجموعات صغيرة. هذا يُحيل إلى ضرورة حشد القدرات والتركيز على جمع المعلومات بالاستفادة من الإمكانيات والخبرات المتوفّرة.

كذلك، يُمكن اللجوء إلى تنفيذ عمليات في العمق ضمن مناطق سيطرة النظام السوري في بعض المدن الاستراتيجية مثل حلب ودمشق، كتلك التي قامت بها إحدى الفصائل قبل أشهر في حي مساكن هنانو في مدينة حلب؛ على أن يكون الهدف من مثل هذه العمليات المحدودة إيصال رسائل بوجود قدرة على تقويض الاستقرار طالما كان هناك عدم التزام باتفاق وقف إطلاق النار أو حل الخلاف عبر السبل والقنوات الدبلوماسية المباشرة والسريّة.