الرئيس الجريء

2018.08.21 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في بداية ولايته، وفي إحدى إطلالاته الإعلامية سُئل الرئيس الأميركي دونالد ترمب عما يسعى إليه كرئيس جديد وغير متوقع، قال وقتها "أريد أن أجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، قاطعه المذيع قائلا: وأميركا الآن أليست عظيمة؟ سرد ترمب طويلا جملة مما سماها أخطاء من سبقوه من قادة وختم "كان بإمكانهم أن يفعلوا ولم يفعلوا.." قاطعه مجددا المذيع قائلا: بفرض أن كل ما تقول صحيح فلماذا لم يفعلوا، ما الذي ينقصهم؟ أجاب الرئيس بحسم: "الجرأة".. وصَمتْ.

لم يتوانَ عن الدوس على كل عذاباتنا ولم يقدم لنا أخيرا سوى روسيا وإيران كثيرانٍ مطعونةٍ هائجة، يطعنهم ليهاجمونا فنسرع لأحضان أميركا

هكذا قدم ترمب لولايته، آنذاك لم نكن ندرك أن كل هذا القبح الأميركي مخبأ لنا بانتظار الرئيس الجريء، وهل هي الجرأة فعلا أم الانكشاف؟ ألم نصبح اليوم أكثر انكشافا وعُرضة لهذا الابتزاز الرخيص من قبل دونالد ترمب ومؤسساته التي يديرها كمراهن جشع في حلبة مصارعة، يعادي الجميع ويهابه الجميع طمعاً بكرمه أو خوفاً منه أو اتقاء لشره، ترمب الوجه الحقيقي للعالم والوجه الحقيقي الآخر لمأساتنا، لم يتوانَ عن الدوس على كل عذاباتنا ولم يقدم لنا أخيرا سوى روسيا وإيران كثيرانٍ مطعونةٍ هائجة، يطعنهم ليهاجمونا فنسرع لأحضان أميركا، لتطالبنا بثمن الخوف فالحماية، ترمب الرئيس الجريء اليوم كما بالأمس يريد حسب زعمه أن يصحح أخطاء الولايات المتحدة التي يراها تهوي من عظمتها بسبب الرؤساء الرحماء الذين يدفعون، ويعقدون الصفقات الخاسرة، أما هو فلا، رغم أن بلاده وسابقيه من رجال البيت الأبيض هم المسؤولون عن جلّ المآسي التي حلت بنا وبالعالم، لكنه لا يرى هذا العالم إلا بعين المراهن الذي يتمنى خسارة الجميع لصالحه، فلا خدمات بلا أثمان، هي عضلات للإيجار .. فادفعوا!

ثمة خبر مرَّ بنا قبل أيام مفاده أن السعودية ستدفع 100 مليون دولار أميركي لأغراض تتعلق بدعم جهود التحالف الدولي الذي يقاتل داعش في سوريا، وكذلك لإعادة تنشيط ما سمته المجتمعات المحلية في الرقة التي دمرها التنظيم وذلك في مجالات الصحة والزراعة والكهرباء والمياه والتعليم والنقل، وإزالة الأنقاض و..و..

رغم أن بلاده وسابقيه من رجال البيت الأبيض هم المسؤولون عن جلّ المآسي التي حلت بنا وبالعالم، لكنه لا يرى هذا العالم إلا بعين المراهن الذي يتمنى خسارة الجميع لصالحه

ساعات ويأتي ترحيب من الولايات المتحدة بالمساهمة السعودية، يبدو الأمر عادياً إلى أن يعلن ترمب أنه قرر إيقاف مساعدات مالية أميركية بقيمة 200 مليون دولار كانت مخصصة لدعم مشروع استقرار سوريا، ليبدو المشهد مضحكا، مبكيا، منفرا، كيف لم يقبل ترمب حتى منح حلفائه ساعات لـيُحتفى بهم وبعطاءاتهم من خلال تقديمهم أنهم فقط يغطون ما تتنصل منه واشنطن، لم يكتف بذلك وحسب بل عاود التغريد حاسماً الأمر بالقول إن بلاده أنهت دعمها المادي السنوي المثير للسخرية لسوريا، وستبدأ المملكة العربية السعودية والبلدان الثرية في تقديم تلك الأموال بدلاً من الولايات المتحدة.

نعم.. بدلاً من الولايات المتحدة، لا مال لدينا لننفقه على هذا الكم من المآسي الذي تعج به بلادكم، لا مال لدينا لنعالج جراحاتكم، رغم أننا تسببنا بمعظمها بشكل مباشر أو من خلال دعمنا لكل الأنظمة القاتلة، هذه رسالة ترمب لنا، أما رسالته للحلفاء فهي: ادفعوا ثمن القرب من الولايات المتحدة وثمن الضرب بسيفها في خصوماتكم، ادفعوا ثمن سكوتها وكلامها، أميركا اليوم لا يقودها رئيس حنون بل ترمب الرئيس الجريء.