الدّم السوري المسفوح على أعتاب أستانا

2022.07.24 | 06:29 دمشق

مجزرة
+A
حجم الخط
-A

لم تمضِ سوى أيام قليلة على لقاء شركاء استانا في العاصمة الإيرانية طهران، وإعلانهم عن الالتزام بالحل السياسي في سوريا وفق القرار الدولي \2254\، والحفاظ على تفاهمات خفض التصعيد والإبقاء على الهدنة في مختلف المناطق السورية، (حسب البيان الختامي للقمة). ارتكبت القوات الروسية صبيحة يوم الجمعة 22 تموز 2022 مجزرة مروعة بحق المدنيين العزل في قرية الجديدة التابعة لمنطقة جسر الشغور، راح ضحيتها سبعة شهداء بينهم أربعة أطفال اشقاء وعشرات الجرحى والمصابين من المدنيين.

لا جديد في سياسة بوتين الإجرامية، فمنذ التدخل العسكري الروسي في أيلول 2015، لم تتغير أساليبه، فلطالما واظب منذ اليوم الأول لتدخله السافر لحماية نظام الأسد على استهداف المدنيين العزل بالدرجة الأولى

لا جديد في سياسة بوتين الإجرامية، فمنذ التدخل العسكري الروسي في أيلول 2015، لم تتغير أساليبه، فلطالما واظب منذ اليوم الأول لتدخله السافر لحماية نظام الأسد على استهداف المدنيين العزل بالدرجة الأولى، والمشافي والمدارس والأسواق والبنى التحتية، وتجريب ترسانته العسكرية وأسلحته الفتاكة على رؤوس الشعب السوري الأعزل في تكرار فاضح لممارساته الوحشية التي كان لها دور كبير في سقوط المدن والبلدات المحررة وتهجير أهلها، ولم يكتفِ بذلك بل لاحقهم إلى خيامهم ومناطق نزوحهم في مناطق ما بات يعرف بمناطق خفض التصعيد.

 بالرغم من كل هذه الجرائم التي ترتكبها القوات الروسية في سوريا والتي تؤكد حقيقة سياسات ونوايا بوتين الذي يعتبر شريكاً في المقتلة السورية، ومع استمراره بانتهاك كل القوانين والاتفاقيات الدولية التي تنص على حماية المدنيين وتُجرِّم مرتكبي جرائم الحرب ضد الإنسانية ومسؤولية الطرف الروسي عن ارتكابها المؤكد في سوريا وعلى مرأى ومسمع العالم أجمع، إلا أنه مازال هناك من يطلق عليه تسمية (الضامن).

ربما كان من الصحيح أن هذه المجزرة لم تكن الوحيدة التي يرتكبها الروس بحق السوريين، ولعل تكرارها كثيراً إنما يؤكد أن التواتر الوحشي للروس إنما هو سمة منهجية يعتمدها بوتين طوال حربه على السوريين، وتتمثل تلك السمة بمنهجية (القضم التدريجي) باتجاه مناطق الخصم، ولعل هذا ما يفسر الاعتداءات الروسية التي لم تهدأ تجاه إدلب عموماً وجبل الزاوية على وجه الخصوص، ولعل ما يتيح لبوتين أن يمارس هذه المنهجية القذرة هو أن مجمل التحالفات واتفاقات الهُدن المُبرمة بين أطراف أستانا هي ليست ملزمة للروس، بل ربما يجدون أنفسهم في حلٍّ منها تماماً متى وجدوا الفرصة مناسبة، وهذا ما يجعل جميع المواطنين في إدلب والشمال السوري بما فيهم سكان المخيمات عرضة لصواريخ الطائرات الروسية.

ولعل ما عزز قناعة الروس بجدوى منهجهم العدواني هو غياب ردة الفعل من جانب الخصم، ونعني بالخصم هو مجمل الفصائل العسكرية من هيئة تحرير الشام، إلى الجيش الوطني، إلى كل حاملي السلاح الذين يعلنون مناهضتهم لعصابة دمشق وحلفائها، وبالتالي غياب كامل لتوازن الرعب الذي يمكن أن يخشاه الروس أو النظام أو يحسبوا له أي حساب.

لعل ما عزز قناعة الروس بجدوى منهجهم العدواني هو غياب ردة الفعل من جانب الخصم، ونعني بالخصم هو مجمل الفصائل العسكرية من هيئة تحرير الشام، إلى الجيش الوطني، إلى كل حاملي السلاح الذين يعلنون مناهضتهم لعصابة دمشق

فهل يعود غياب ردة الفعل هذه إلى قرار ذاتي ذي صلة بتلك الفصائل ذاتها (انعدام موازين القوى أو نقص السلاح والعتاد أو ندرة الإمكانيات المادية)، أم أنه يعود إلى عامل خارجي يتمثل بعدم امتلاك قادة تلك الفصائل لقرار المبادرة.

فيما يتعلق بالجانب الأول من السؤال فيمكننا القول: إن الإمكانية لدى بعض الفصائل ومنها هيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير وبعض فصائل الجيش الوطني متوافرة، ويمتلكون كميات ربما ليست كبيرة من صواريخ غراد التي يصل مداها إلى 20 كم وبعضها 40 كم، لكنها تستطيع تحقيق مبدأ توازن الرعب وتوازن الموت، وبالطبع ليس على طريقة الروس والنظام باستهداف المدنيين فهذه ليست أخلاق ثورتنا ولا تعاليم ديننا، بل بدكِّ معاقل النظام والروس وتحقيق إصابات موجعة لهم في قاعدة حميميم وميناء اللاذقية وجورين التي تقع جميعها ضمن المدى المجدي لتلك الصواريخ، بالإضافة إلى استهداف قوات النظام في الفوج 46 الذي لا يبعد سوى 500 متر عن مدرسة الزراعة بالقرب من مدينة الأتارب بقذائف الهاون والقناصات، وأيضاً حين توجد الإرادة والقرار فالكليات العسكرية (الأكاديمية العسكرية، المدفعية، التسليح، الفنية الجوية)، والفروع الأمنية (فرع الأمن العسكري، المخابرات الجوية) الموجودة في حلب الجديدة والتي تقع جميعها في مرمى تلك الصواريخ وقذائف المدفعية، والتي يمكنها أيضاً أن تطول مطار النيرب العسكري ومطار حلب الدولي، وكتيبة الرادار في شعّالة غربي الباب، مطار كويرس العسكري، مدرسة المشاة، مطار منغ العسكري، وبالتالي يوجد بنك أهداف كبير يمكن أن يجعل الروس والنظام يفكرون ألف مرة قبل استهداف المناطق المحررة، 

أما فيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال، فإن المنطق يؤكد أنْ لا أحد يستطيع منع الضحية من أن تدافع عن نفسها أو تصرخ، ولكن إنْ استسلمت وسكتت فرصاصة الرحمة أولى بها، كما يؤكد المنطق السليم أن امتناع هذه الفصائل عن الرد الحاسم وليس الرد من أجل ذر الرماد في العيون، هو ليس التزاماً بالحفاظ على تفاهمات محددة أو مراعاة للحليف والضامن التركي بل هو تنازل فاضح عن أهم حق من الحقوق المشروعة وهو الدفاع عن النفس الذي لا يمكن للحليف حرمانهم منه، ولكنه في الوقت ذاته لا يمكنه الطلب منهم القيام بذلك، فالرد على خروقات الروس والنظام لا يتنافى والتفاهمات بين رعاة أستانا.

إن المنطق يؤكد أنْ لا أحد يستطيع منع الضحية من أن تدافع عن نفسها أو تصرخ، ولكن إنْ استسلمت وسكتت فرصاصة الرحمة أولى بها

إذا كانت كل هذه الفصائل التي ربما يتجاوز عدد عناصرها المئة ألف مقاتل ولا تستطيع الدفاع عن الأطفال والنساء والشيوخ، فحينئذٍ يصبح الشك بمشروعيتها أمراً قائماً، وحينئذٍ يصبح من حق جميع المواطنين الذين تحكمهم سلطات هذه القوى العسكرية أن يتساءلوا بملء حناجرهم: ما الذي تفعلونه فوق رؤوسنا؟

لا بد هنا من الإشارة إلى الزيارة التي قام بها وفد تركي إلى جبل الزاوية في الأيام الأخيرة، وأكد لأهالي تلك المنطقة بأن بلداتهم وقراهم ستكون بمأمن من أي عدوان، سواء من جانب النظام أو الروس، وذلك في محاولة لطمأنتهم وبقائهم في منازلهم، إلا أن تلك التطمينات التركية لم تجدِ أمام النزوع العدواني الروسي، ولعل هذه المسألة تتيح للضامن التركي التنصّل من أي مسؤولية فيما إذا قامت الفصائل العسكرية المعارضة بالرد على العدوان الروسي، إذ لهذه الحالة ما يماثلها لدى الروس حين يقوم النظام بأي اعتداء فلا نجد مزيدا من الحرج لدى (الضامن) الروسي.

بناء عليه يمكن للجانب التركي إتاحة الفرصة الكاملة للفصائل للرد على المجزرة إلا إذا كانت تلك الفصائل لا تملك بالأصل إرادة الردّ أو الرغبة بالرد، وفي هذه الحالة يمكن التساؤل عن ماهية مشاريع تلك الفصائل وما هي أجنداتها، وهل باتت تلك الفصائل محكومة بأجنداتها التي انزاحت عن القضية الوطنية السورية وهي مصرة على المضي بها.

يمكن للجانب التركي إتاحة الفرصة الكاملة للفصائل للرد على المجزرة إلا إذا كانت تلك الفصائل لا تملك بالأصل إرادة الردّ أو الرغبة بالرد

يمكن أن يكون هذا العدوان مناسبة ثمينة لتحرّر كل أطراف المعارضة السياسية والعسكرية من قيودها والتزاماتها التي كبلت نفسها بها، والبدء بمسار جديد يتأسس على حق الدفاع عن النفس باعتباره دفاعا عن الوجود، إذ لم تعد المواجهة بين الأسد وحلفائه من جهة، والشعب السوري من جهة أخرى مجرد صراع على الحدود والنفوذ والمناطق، بل ما يهدف إليه الأسد وحلفاؤه هو الإجهاز على ما تبقى من حياة السوريين، وهذه الحقيقة إن تجاهلها العالم أجمع، فعلى السوريين التمسك بها والعمل انطلاقاً منها.