icon
التغطية الحية

الدواء.. سيف يُشرَّع على رقاب السوريين

2020.07.16 | 14:39 دمشق

azdham_ly_mdkhl_alsydlyt_almrkyt_altabt_lldwlt_wst_alasmt_dmshq.jpg
ازدحام على مدخل الصيدلية المركية التابعة للدولة وسط العاصمة دمشق
إسطنبول - طارق صبح
+A
حجم الخط
-A

"لم يعد أمامي سوى هذه الطريقة لتأمين علبة من دواء الضغط لوالدتي"، تقول نور الفايز بعد أن نشرت "بوست" مع صورة لأحد أنواع الأدوية الخاصة بمرضى القلب على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، تسأل فيها عمن يستطيع تأمين علبة منه لوالدتها، بعد أن عجزت عن تأمينه من أي من الصيدليات في المدينة.

خلال السنوات السابقة، وعلى الرغم من شح الكثير من البضائع والمواد الغذائية والأساسية، لم يواجه السوريون المقيمون في مناطق النظام أزمة حقيقية في تأمين الأدوية، نتيجة لتوفر معظم أصناف الأدوية المصنعة محلياً وكثرة الصيدليات، إلا أن مشهد الازدحام على أبواب ما تبقى من صيدليات في أحياء العاصمة دمشق بات الآن مألوفاً لسكانها، حيث أغلقت معظم الصيدليات أبوابها وامتنعت عن بيع الأدوية بحجة عدم توافرها وخلو رفوفها لمعظم الأصناف مثل أدوية الالتهاب والقلب والسكري والضغط، فيما يتّهم بعض المرضى الصيادلة بالامتناع عن بيع الأدوية لاحتكارها وبيعها بسعر أعلى لاحقاً.

"كابوس" تأمين الدواء

تقول سلمى، من سكان حي ركن الدين في العاصمة دمشق في حديثها مع موقع "تلفزيون سوريا" إنه "في حي ركن الدين يمكنك أن ترى صيدلية كل بضعة أبنية، معظمها كانت تفتح أبوابها من الصباح حتى المساء، وتستطيع الحصول على أي دواء تحتاج إليه بسهولة"، وتضيف سلمى "خلال الأسبوعين الماضيين بحثت في كامل المنطقة والمناطق المجاورة عن أدوية السكري التي اعتاد والدي تناولها دون جدوى، فالدواء لم يوزّع منذ أكثر من أسبوعين"، موضحة أن طبيب والدها نصحها باستخدام أدوية بديلة، لكنها لم تستطع الحصول عليها من أي مكان، ما اضطرها للاستعانة بأحد السائقين على خط بيروت ليجلب له عدة عبوات بأسعار باهظة.

أما إياد فاضطر لدفع 15 ألف ليرة ثمن علبتين من أدوية الربو لولده ذي التسع سنوات، وقال إياد في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" "كانت مهمة تأمين الدواء بالنسبة لي كالكابوس، مشهد ابني وهو يعاني من مرض الربو أفقدني صوابي"، ويضيف "بحثت في معظم صيدليات العاصمة دون جدوى، حتى وجدت شخصاً على صلة قرابة بموظف في الصيدلية المركزية في شارع بغداد أمّن لي علبتين من الدواء مقابل 15 ألف ليرة رغم أن ثمن الواحدة لم يكن يتجاوز 700 ليرة قبل أقل من شهر".

صور نشرها سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي لطلب أدوية مفقودة
صور نشرها سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي لطلب أدوية مفقودة

ووفقاً للدكتور دريد الأحمد، رئيس قسم الأطفال في إحدى المشافي الخاصة بدمشق، فإن الأدوية التي شهدت نقصاً حاداً تتنوع بين "الأدوية الإسعافية كـ"النيتروغليسيرين"ومضادات الالتهاب الوريدية والمضادات الجرثومية والفيروسية، وأدوية الأمراض المزمنة كالأنسولين والموسعات الوريدية كالـ"دافلون"، والـ"تيامازول"للغدة الدرقية، و"فلوزن وازميرول" لمرضى الربو، فضلاً عن أدوية الأمراض المزمنة وأدوية كبار السن كالضغط والقلب والسكري.

وأضاف الأحمد في حديثه مع موقع "تلفزيون سوريا" "هناك عدد من الأصناف الدوائية تتوفر لكن بكميات أقل بكثير من حاجة المرضى، مثل المراهم والمضادات الفطرية الموضعية وبعض القطرات العينية وأدوية التهاب الكبد والأدوية السرطانية وأدوية السل"، ويشير الأحمد إلى نقص كبير في كميات حليب الأطفال، وفقدان شبه تام لأنواع من الحليب التي تعطى في الحالات المرضية.

صيدليات فارغة

ويقول الصيدلي ميشيل لحام، صاحب صيدلية في حي برزة، لموقع "تلفزيون سوريا" إن "رفوف الصيدليات بدأت تفرغ منذ عدة أسابيع، فمعظم معامل الأدوية المحلية خفّضت إنتاجها أو اقتصر على أصناف محددة قد لا يطلبها أحد لأيام"، موضحاً أن "الصيدلية يدخلها يومياً ما يقارب المئة شخص يطلبون أدوية الأمراض المزمنة وأدوية كبار السن، دون أن أستطيع تلبية طلباتهم".

وأوضح الصيدلي لحام أن مستودعات الأدوية توقفت عن تزويد الصيدليات بالأدوية منذ ما يقارب الشهر ونصف، الأمر الذي أدى لانقطاع شبه كامل لأدوية الضغط والقلب والسكري والربو والكوليسترول والأدوية النفسية وبعض الأدوية المسكنة.

أما الصيدلي بسام صبيح فيرى أن "أساس المشكلة هو في رفض وزارة الصحة وضعَ قائمة أسعار تناسب تكاليف الإنتاج للمعامل، في ظل ارتفاع سعر الدولار وعدم توفر المواد الأولية، ما اضطرها للتوقف عن الإنتاج"، مضيفاً أن "معامل الأدوية لا تستطيع الاستمرار في الإنتاج مع عدم توفّر ما يكفي من القطع الأجنبي لتسديد التزاماتها تجاه مورّدي المواد الأولية".

في حين يعتبر الصيدلي ميشيل لحام أن المواد الأولية متوافرة في مستودعات معامل الأدوية، لكن خطوط الإنتاج متوقفة نتيجة عدم تناسب أسعار الأدوية مع تكاليف إنتاجها".

وبحسب كثير من الصيادلة الذين تحدّث معهم موقع "تلفزيون سوريا" فإن سوق الأدوية في دمشق وحلب وحماة يشهد أزمة متصاعدة منذ نحو شهرين، مع انتشار "جائحة كورنا" وتطبيق حكومة النظام للإجراءات الاحترازية في مناطقها، تجسدت بشكل أساسي في احتكار بعض أصناف الأدوية من قبل المستودعات ومعامل الأدوية بهدف الضغط على نقابة الصيادلة ووزارة الصحة لرفع أسعار الأدوية.

أدوية مهربة ومجهولة المصدر ومنتهية الصلاحية

في ظل هذه الأزمة، انتشرت كميات كبيرة من الأدوية المهربة ومجهولة المصدر تباع خلسةً للمحتاجين والمضطرين، ويقول الصيدلي بسام صبيح إن "خطورة الدواء المهرّب تكمن بعدم موثوقية المواد التي صنعت منها بعض الأدوية، بسبب عدم اختبارها من قبل أي جهة"، موضحاً أن بعض زبائنه يعرضون عليه علباً لمستحضرات دوائية، معظمها فيتامينات ومكمّلات غذائية، لم يسمع عنها من قبل، ولم يدوّن عليها بلد المنشأ.

وأضاف صبيح أن "بعض الأدوية الأجنبية المعروفة والمهرّبة متوفرة، لكن تجارتها باتت خاسرة، حيث إن شراءها يتم بالدولار، لكن بيعها بالليرة السورية التي تفقد قيمتها يوماً بعد يوم"، مؤكداً أن كثيراً من مستودعات الأدوية وبعض الصيدليات لديها مخزون كبير من هذه الأدوية لكنهم يفضلون تخزينها لحين استقرار سعر الصرف طمعاً بالربح.

كما سبق أن سجلت عدة حالات لانتشار مجموعة من الأدوية منها غير صالح للاستخدام البشري ومنها منتهي الصلاحية منذ سنوات، وبحسب مصادر خاصة لموقع "تلفزيون سوريا فإن "مشفى ابن النفيس" الحكومي في العاصمة دمشق سجّل عدة حالات تسمم دوائي خلال شهري كانون الثاني وشباط من العام الحالي، إلا أن إدارة المشفى نفت ذلك عبر صفحتها على الفيس البوك، وقالت إن حالات التسمم هي نتيجة تناول جرعات زائدة من قبل المرضى وعدم الالتزام بالجرعات الدوائية المحددة.

لكن الصيدلي بسام صبيح أكد أن وزارة الصحة، وفي نفس الفترة، عممّت أسماء بعض الأدوية لإيقاف تداولها في الصيدليات، بسبب احتوائها على مواد مضرة ومستعمرات جرثومية زائدة عن الحد المطلوب، مشيراً أن "الرقابة الدوائية التابعة لوزارة الصحة كانت تضبط بين الحين والآخر أصنافاً دوائية مزيفة توزّع على الصيدليات على أنها أدوية أجنبية مهرّبة".

مرسوم لتخدير المواطن

وأصدر رأس النظام، بشار الأسد مطلع الأسبوع الحالي مرسوماً تشريعياً يقضي بإعفاء مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية الداخلة في صناعة الأدوية البشرية من الرسوم الجمركية المحددة في جدول التعرفة الجمركية، والضرائب المفروضة على الاستيراد، لمدة عام واحد اعتباراً من بداية شهر آب المقبل.

وسبق أن حمّل وزير الصحة في حكومة النظام نزار اليازجي قانون "قيصر" أسباب أزمة الدواء، متهماً "الإجراءات الأميركية القسرية أحادية الجانب" بإعاقة استجرار أدوية الأمراض المزمنة والنوعية والتجهيزات الطبية.

وأكد اليازجي في مؤتمر صحفي عقده مطلع حزيران الماضي، أنه "لا مبرر لمعامل الأدوية لوقف إنتاجها"، موضحاً أن "الحكومة تتحمل أعباء دعم وتمويل مستوردات معامل الدواء من المواد الأولية وباقي المستلزمات بسعر صرف تفضيلي محدد بـ 700 ليرة سورية للدولار"، موضحاً أن تسعير الأصناف الدوائية سيتم بشكل تسلسلي بناء على آلية التمويل الجديدة.

في المقابل، قالت مديرة الشؤون الدوائية في وزارة الصحة في حكومة النظام رزان سلوطة، إن "السبب الرئيس لشح المواد الأولية هو أزمة كورونا"، وأضافت في تصريحات أدلت بها إلى إذاعة "شام إف إم" الموالية أن "المديريات ذات الاختصاص التابعة لوزارة الصحة ستقوم بجولات رقابية لملاحقة الصيدليات التي مر على إغلاقها أكثر من ثلاثة أيام وتنفيذ العقوبات بحقها".

الدكتور مالك عبد الله، مدير قسم الإنتاج في أحد المعامل الدوائية في دمشق، قال في تصريح خاص لموقع "تلفزيون سوريا" إن "مرسوم الأسد ليس إلا تضليل ومراوغة في سياق تخدير المواطن"، موضحاً أن "المرسوم لا يعني إعادة الحياة لقطاع صناعة الدواء، فأزمة المعامل لا تتوقف عند المواد الأولية، بل هي بصعوبة تأمين القطع الأجنبي وأجور الشحن، التي يضاف عليها مبالغ كبيرة كعمولات كونها تصل عبر وسطاء، فضلاً عن مصاعب لوجستية مثل تأمين الفنيين والاختصاصيين اللازمين لتشغيل وإدارة خطوط الإنتاج، وتوفّر موارد الطاقة لتشغيلها".

وكانت "مديرية الشؤون الصيدلانية" في وزارة الصحة قد رفعت أسعار نحو 1400 صنف دوائي من أصل 11800 صنف بين 60 – 600 % في أيار الماضي، واعتمدت في قائمة الأسعار الجديدة على سعر صرف 704 ليرات بدلاً من السعر الرسمي المحدد من قبل مصرف سورية المركزي، والمقدر بـ 435 ليرة، وذلك فقط للأدوية التي تُستورد موادها الأولية بعد آذار 2020.

ونشرت المديرية على صفحتها على فيسبوك نشرة بالأسعار وتضمنت القائمة 1247 مستحضراً دوائياً وتتضمن 33 تركيباً دوائياً، وبحسب القائمة فقد بلغ أقل سعر دوائي وارد في النشرة 225 ليرة سورية، فيما وصل أعلى سعر إلى 31700 ليرة سورية.

من أكثر القطاعات نمواً

ويعتبر قطاع الأدوية من أكثر القطاعات نمواً منذ تأسيس "الشركة العربية لصناعة الأدوية" في العام 1968، وتلا ذلك تأميم شركتي "تاميكو" و"الديماس" في العام 1970، حيث ألحقت شركة الديماس بوزارة الدفاع، وأصبحت تنتج الأدوية والمصول من مضادات حيوية وأدوية تخدير، فيما ألحقت شركة تاميكو بوزارة الصحة لتنتج الأدوية المسكنة وأدوية السكري والضغط إضافة إلى السيرومات، وفي العام 1972 تم تأسيس شركة "بركات للصناعات الدوائية".

وفي العام 1987 أعلنت حكومة النظام آنذاك عن السماح للقطاع الخاص بالاستثمار في الصناعات الدوائية، وحصلت شركة "أوبري للصناعات الدوائية" على أول ترخيص خاص لصناعة الأدوية في العام 1989، ليتم بعد ذلك ترخيص 28 معملاً للصناعات الدوائية، وارتفع هذا العدد إلى 56 معملاً في العام 2006، ليصل عدد معامل الأدوية في القطاع الخاص إلى نحو 70 معملاً في العام 2011، تتركز معظمها في مدن حلب ودمشق وحمص، وتستضيف مدينة حلب وحدها 40 % من هذه المعامل.

ووفق إحصائيات رسمية في وزارة الصحة، فإن هذه المعامل صنعت في العام 2011 نحو 5756 صنفاً دوائياً، تغطي 91 % من حاجة السوق المحلي، فيما وصلت إلى 6216 صنفاً دوائياً تغطي 94 % من حاجة السوق المحلي مع فائض إنتاج يصدّر إلى نحو 44 دولة، ووفق "اتحاد منتجي الدواء العرب" فإن سوريا احتلت في العام 2010 المرتبة الثانية عربياً من حيث تصدير الدواء، وقدّرت قيمة التصدير من قطاع الأدوية السوري بنحو 220 مليون دولار في العام 2010.

ومع اندلاع الثورة السورية، تسببت الأعمال العسكرية والقصف الممنهج لقوات النظام بضرر كبير لقطاع الصناعات الدوائية، وتعرض هذا القطاع لضربة كبيرة بدأت مع تدهور عملية الإنتاج أو توقفها بشكل كامل، وصولاً إلى تقييد الاستيراد وإلغاء الامتيازات ودخول الأدوية المهربة والأدوية مجهولة المصدر، حتى باتت السوق السورية عاجزة عن تأمين معظم الاحتياجات الدوائية.

وبحسب إحصائيات وزارة الصحة الرسمية، فإن أكثر من 19 معملاً للصناعات الدوائية خرج من الخدمة بشكل نهائي، وتوقف عشرات المعامل عن الإنتاج، فيما استمر إنتاج بعض منها بطاقات إنتاجية منخفضة، ما أدى إلى تراجع الإنتاج بنسبة 75 %، إلا أن حكومة النظام منحت منذ العام 2017 نحو 92 ترخيصاً لإنشاء معامل جديدة، إلا أن معظمها لا يزال خارج الخريطة الإنتاجية بسبب عدم توفر المعدات والمواد الأولية وارتفاع التكاليف التشغيلية.

كلمات مفتاحية