icon
التغطية الحية

"الدم والنفط".. إحدى عشرة خطوة لصعود ابن سلمان

2020.09.03 | 14:55 دمشق

eg6hqx8x0aa5eux.jpg
ترجمة وتحرير موقع تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

قليلون هم من سمعوا باسم محمد بن سلمان قبل أن ينصّب والده ملكاً على المملكة العربية السعودية قبل خمس سنوات، لكنه الآن يعتبر الحاكم غير الرسمي لواحدة من أغنى دول العالم، وهذا ما يكشفه كتاب "الدم والنفط، الصادر حديثاً، للمؤلفين برادلي هوب وجوستين شيك، والذي يعرض الصعود الصاروخي لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وسعيه الدؤوب نحو المال والسلطة.

ولخّص الكتاب إحدى عشرة خطوة، قام بها ابن سلمان للوصول إلى المكان الذي هو فيه الآن، بدأت بحفلة باذخة أقامها لأصدقائه، وانتهت بتخلصه من أعدائه وخصومه عبر قتلهم.

 

 

الخطوة الأولى: بذخ ومجون

أصاب محمد بن سلمان المملكة في مقتل بطريقة أعنف وأسرع مما فعله أي أمير في الذاكرة السعودية المعاصرة، فقد وُلي الاقتصاد السعودي، وأُطلقت يده في صرف المليارات، وعُين قائداً للقوات المسلحة، وشن حرباً في اليمن.

وكان أول ما بدأ فيه عهده الجديد احتفال أقامه لأصدقائه بمناسبة توليه المنصب الجديد، حيث توقفت قوارب ويخوت تحمل عشرات عارضات الأزياء من البرازيل وروسيا في حوض سفن تابع لجزيرة فيلا الخاصة بجزر المالديف، وعندما وصلت كل منهن إلى الفيلا الخاصة بها، وصلت الطائرات البحرية التي تحمل محمد بن سلمان وأصدقاءه.

وفي تلك الجزيرة، حيث تعج بالمنتجعات البعيدة عن العيون، والفلل المصممة فوق رصيف بحري مرجاني، وفيها مراقص وأجهزة تصنع الثلج للاحتفال، فضلاً عن ما لذ وطاب من الأطعمة والمشروبات والنبيذ الفاخر باهظ الثمن.

وهناك حجز ابن سلمان وضيوفه الجزيرة لمدة شهر، حيث منح مكتبه لكل عامل وموظف في الجزيرة مكافأة قدرها خمسة آلاف دولار، فضلاً عن الموظفين الخاصين الذين جاؤوا مع الضيوف، فالسعوديون لا يرغبون بأن يراهم أهالي دولة مسلمة أخرى وهم يشربون.

ويصف الكتاب إحدى ليالي تلك الجزيرة، والتي أحياها أحد أشهر الـ "دي جي" في العالم، الهولندي أفروجاك، حيث كان يقدم عرضاً بالقرب من المسبح، تعزف فيه النغمات والألحان الإلكترونية، عندما اعتلى ابن سلمان لفرط حماسته خشبة المسرح، فهلل وصفق رجاله وعارضاته لذلك، خاصة عندما تولى أمر طاولة الـ "دي جي"، ما دفع بافروجاك للتنحي جانباً.

وبعد أقل من أسبوع، تسرّبت أنباء تلك السهرات إلى الإعلام في جزر المالديف، ما دفع ابن سلمان وضيوفه لإنهاء الرحلة والمغادرة.

الخطوة الثانية: يخت وقصر

وبدأ ابن سلمان بشراء بعض الألعاب الخطيرة، حيث اشترى يختاً بطول 439 قدماً، كان قد استأجره بيل غيتس في العام 2014 بمبلغ خمسة ملايين دولار في الأسبوع، إلا أن ابن سلمان اشتراه بمبلغ 429 مليون يورو، واليخت مزوّد بغرفة للمشاهدة تحت الماء، وجاكوزي ومهبطين للطائرات المروحية، وقاعة اجتماعات.

كما اشترى أيضاً قصراً بالقرب من فيرساي، بالعاصمة الفرنسية باريس، بمبلغ تجاوز 300 مليون دولار.

الخطوة الثالثة: جاسوس في تويتر

أدرك ابن سلمان أهمية مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أن أكثر من 60 % من الشعب السعودي تحت سن الثلاثين من العمر، وهي الفئة الأكثر فاعلية وتأثيراً في البلاد، يكافح كثير منهم ليجدوا عملاً أو وظيفة، إلا أن الربيع العربي أثبت أن الشباب الساخط قد يشكل تهديداً على حكم آل سعود.

هنا فكّر ابن سلمان بأن يجعل هؤلاء الشباب ينضمون إليه، تحت لوائه كحاكم إصلاحي، يشكلون قاعدة له تعتبر مصدر قوته وسلطته، ولهذا بات من الضروري لابن سلمان أن يجد قناة تواصل مع تلك الفئة، خاصة في الأماكن التي يقضون فيها معظم أوقاتهم، الفضاء الافتراضي، ولأجل هذا الغرض قام برشوة موظف مصري في شركة "تويتر" اسمه أحمد أبو عمو، ليقوم بمراقبة الحسابات لصالح ابن سلمان.

إلا أن ما حصل كان عكس ذلك، حيث كان مستخدمو تويتر يقضّون مضجعه، وعلى رأسهم صاحب حساب مستعار باسم "مجتهد"، والذي واظب على نشر إشاعات حول كبار أفراد العائلة الملكية، فيها شيء من الصحة.

هنا برزت الحاجة لجاسوس أفضل من أبو عمو، ليتوجّه ابن سلمان نحو شاب سعودي عبقري، يعمل مهندساً في شركة "تويتر" في سان فرنسيسكو، واستطاع إقناعه بالعمل لديه، وكشف له عن هوية منتقدي النظام المجهولين، بل إنه حدد له مواقعهم، لكن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي كشفه، فاستطاع الهروب والعودة إلى السعودية مع عائلته على متن طائرة خاصة وضعت تحت تصرفه.

الخطوة الرابعة: أرامكو

في كانون الثاني من العام 2016، وفي داخل مقر شركة "أرامكو"، أصيب كادر الشركة بالرعب بعد أنباء لم يكن يتوقعها أحد، عن نية ابن سليمان بيعَ جزء من شركة النفط التي تملكها الدولة لعامة الناس، ضمن أكبر عملية طرح أسهم في تاريخ أسواق المال.

لم يكن بين الخطط التي قُدمت لابن سلمان حول تنويع مصادر الاقتصاد السعودي، بيع جزء من المحرك المالي للمملكة، فشركة "أرامكو" قامت بالكثير من الأمور غير إنتاج ومعالجة وبيع النفط، إذ بنى مهندسو هذه الشركة والعاملون فيها معظم ما هو موجود في السعودية.

حتى إن ابن سلمان بدأ يرسل طلبات للحصول على أفكار لإنشاء مراكز ترفيه ومدنٍ للملاهي في السعودية، وبعد ذلك أتت المشاريع المتخيلة. فقد بنت "أرامكو" متحفاً، وأنشأت مكاناً للحفلات في عمق الصحراء، واستعانت بشركة تصميم سويدية لإنشاء مبنى يشبه السفينة الفضائية في حرب النجوم، كما أمر ابن سلمان بإنشاء مجمع سكني بقيمة 55 مليون دولار ليقيم فيه واحدة من أهم المناسبات لديه، ألا وهي مسابقة ملك جمال الإبل السنوية.

هنا، وبعد الأنباء عن ما سيحصل في "أرامكو"، سارع مصرفيون من "جي بي مورغان" و"غولدمان ساتشيز" بالسفر ولقاء الأمير، ويذكر أن توني بلير أمضى أمسية في خيمة بالصحراء برفقة ابن سلمان حيث تناقشا حول الحكم والسلطة.

وفي مطلع نيسان 2016، أعلن رئيس تحرير بلومبرغ نيوز، جون مايكلثويت، بأن السعودية ستبدأ بإنشاء صندوق استثماري بقيمة 2 ترليون دولار، وقال "هذا المبلغ يكفي لشراء غوغل ومايكروسفت وألفابيت وغيرها من الشركات بكاملها".

في تلك الأثناء كان ابن سلمان قد كشف للتوّ عن استراتيجيته تحت عنوان "رؤية عام 2030"، حيث سيستعين بالسيولة النقدية عبر شركة "أرامكو" ليستثمر الأموال في صناعات جديدة، بشكل يمنح السعودية مصادر دخل جديدة بعيدة عن النفط.

 

الخطوة الخامسة: تملّق ترامب

أراد ابن سلمان من زيارة ترامب الأولى كرئيس أن تتم في الرياض، حيث قال له في مكالمة هاتفية "أنا من أشد معجبيك سيدي الرئيس"، فرد عليه ترامب بالقول "حسناً أيها الملك".

ثم أخبره أنه سيكلف صهره جارد كوشنر بتنظيم الرحلة، فرد عليه الملك سلمان وأخبره بأنه كلف ابنه محمداً بالاهتمام بهذا الأمر من الجانب السعودي، وقال الملك "إذا رأيت أنه لا يقوم بعمله كما يجب عندها يحق لك أن تقول له: "أنت مطرود من عملك".

رأى ابن سلمان أن ترامب الذي يختبئ خلف خطاباته الرنانة ما هو إلا رجل يمكنك أن تكسبه بالمديح والإطراء والتملق وبعض الاتفاقيات التي تشتمل على تسعة أرقام مع شركات أميركية، والأهم من ذلك أنه تعاطف مع كراهية ترامب للمحافظين المتطرفين الإسلاميين، الذين وصموا الدين بأبشع تسمية وذلك عبر إفراطهم في التدين ولجهلهم  بما يجري في بقية العالم.

ولهذا بلغ سرور ترامب ذروته عندما وصل إلى فندق ريتز كارلتون في الرياض، فوجد صورة لوجهه بطول 50 قدماً في استقباله، وإلى جانب وجهه العملاق ظهرت صورة للملك سلمان وهو يبتسم. في حين أعلنت اللوحات الإعلانية في مختلف أنحاء تلك المدينة عن عبارة "معاً نسود"، وقد ظهرت فيها صورة كل من الرئيس والملك جنباً إلى جنب.

الخطوة السادسة: هدّد معارضيك

"هذا لا يشبه أي شيء عاشه السعوديون قبل هذا"، هذا ما قاله الصحفي السعودي جمال خاشقجي لصحيفة "وول ستريت جورنال" في شهر حزيران من العام 2017، حيث انتقل إلى الولايات المتحدة قبل أن يحدث كل هذا بمدة قصيرة، وذلك لأنه خشي ألا يتمكن من الحديث بصراحة وعلناً حول تلك الأمور في بلده.

خاشقجي أمضى زمناً طويلاً وهو يعمل ناطقاً رسمياً لدى السفارة السعودية في واشنطن ولندن بعد الهجمات الإرهابية التي وقعت في الحادي عشر من أيلول.

غير أن خاشقجي كان في بعض الأحيان يتجاوز الحدود بالنسبة للقضايا الحساسة، ففي أحد المؤتمرات، أصرّ على ضرورة أن يقوم آل سعود بلعب دور مهم في السعودية وفي سائر المنطقة، ولكنه أعرب عن رغبته بمستقبل أكثر ديمقراطية، غير أن ابن سلمان لم يقدّر ذلك الفرق البسيط، وذلك لأن رؤيته تشتمل على جانبين إما أن يكون خاشقجي صديقاً أو عدواً.

ولهذا سارع سعود القحطاني، الملقب بالسيد هاشتاغ، إلى إعداد خطة لإنهاء عمل خاشقجي بوصفه صحفياً، فحرم من امتيازات السفر ومن أي تواصل مع العامة. غير أن صديقاً للخاشقجي أبلغه بذلك، فتوجه إلى العاصمة واشنطن، قبل فرض منع السفر عليه.

ومن هناك بدأ يكتب لصحيفة واشنطن بوست، فحملت أول مقالة له فيها العنوان الآتي: "لم تكن السعودية دولة قمعية لهذه الدرجة، أما الآن فقد أصبحت لا تطاق". وبعد ذلك، وتحديداً في شهر تشرين الأول 2017، اتخذ الخاشقجي قراراً مدمراً، حيث بدأ يتحدث إلى محقق يعمل لدى العائلات الأميركية التي رفعت دعاوى على المملكة على خلفية أحداث 11 أيلول.

الخطوة السابعة: دافوس في قلب الصحراء

في الرواق الرخامي الواسع لفندق ريتز كارلتون وفي الثلاثين من شهر تشرين الأول 2017 عقد ستيف شوارتزمان مؤسس بلاكستون ومدير أكبر شركة مالية في العالم مؤتمره في إحدى الزوايا، في حين وقف توني بلير في زاوية أخرى وأخذ يشرح ويتوسع حول خطط ابن سلمان لجمهور من المصرفيين. بينما تناول وزير خزانة ترامب ستيف مانوتشين مع زوجته في مطعم هونغ الصيني الراقي في فندق ريتز كارلتون. وشغل ماسايوشي سون وهو مؤسس سويفت بانك في اليابان أحد الأجنحة، وأخذ مؤسس مجموعة فيرجن واسمه ريتشارد برانسون يتجول بالقرب من ذلك المكان. فقد وُجد هؤلاء جميعاً ليحضروا ما سمَّاه المنظمون باسم "دافوس في قلب الصحراء"، حيث ستتم إزاحة الستار عن وجه السعودية الجديد.

وأخيراً، وفي عصر اليوم الأول من ذلك المؤتمر، ظهر ابن سلمان والحشود تتبعه، ثم كان هنالك إعلان بالفيديو لمدينة "نيوم" عن مخططات ضخمة لمدينة مستقبلية في قلب الصحراء، تقدر قيمتها بـ500 مليار دولار، والتي بقيت سراً حتى ذلك الحين.

ولكن بالرغم من الضجة الإعلامية، ظهرت إشارات مقلقة على الجبهة الاقتصادية، لم تعترف بها السعودية علناً، إلا أن مخططات "أرامكو" وصلت إلى مرحلة الجمود. ثم إن خيار ابن سلمان الأول في سوق بورصة نيويورك كان مشكلة، وذلك بسبب قانون جديد تمت التصديق عليه قبل عام تقريباً، يجيز الدعاوى القضائية التي تخص ضحايا 11 أيلول، تلك الدعاوى التي وافق خاشقجي على تقديم المساعدة في أحدها.

الخطوة الثامنة: اسجن منافسيك

في الرابع من تشرين الثاني من العام 2017، أتت مكالمة قبل الساعة الرابعة صباحاً، فالملك كان بحاجة لرؤية ابن أخيه الأمير الثري الوليد بن طلال آل سعود، بأقصى سرعة ممكنة، لكن الأمير الثري شعر بالذعر، وذلك لأن السعودية تشهد تغيرات كبيرة، بعضها ظاهر للعيان، مثل تراجع "لجان الحسبة"، وعدم ظهورهم في الشوارع، وسماع صوت الموسيقا وهي تصدح في المقاهي، وقد أذهلت تلك الإصلاحات السريعة المواطنين السعوديين، فقد أقيمت دور السينما وأخذت النسوة يسرن في الطرقات بحرية أكبر.

ولدى وصوله إلى البلاط الملكي، استقبله معاون للملك، وشرح له بأن اللقاء سيتم في فندق ريتز كارلتون القريب، ثم اقتاده إلى سيارة جديدة، فهتف الوليد: "هاتفي وحقيبتي في السيارة" وقد تعاظم خوفه وقلقه، فرد عليه الرجل: "نعم، وسنأتيك بهما"، وبعدما قطع عنه أي تواصل مع العالم، زاد قلق الوليد، خاصة بعدما أقلّتْ حرسه ومساعده وسائقه سياراتٌ أخرى.

قاده رجال البلاط الملكي إلى مصعد ثم إلى جناح في فندق حيث أخذ ينتظر، ثم قام بتشغيل التلفاز فشاهد في الأخبار عشرات رجال الأعمال وأفراداً ومسؤولين من العائلة الملكية وقد تم اعتقالهم بشبهة الفساد، لكنه كان أول الواصلين، وبذلك لم يعد ريتز فندقاً بل تحول إلى سجن مؤقت.

وخلال الأيام الأولى، تم اعتقال أكثر من 50 شخصية، وعلى مدار الأسابيع التالية وصلت أكثر من 300 شخصية أخرى إلى فندق ريتز وغيره من المرافق الأمنية في الرياض.

 

 

الخطوة التاسعة: استثمار في سيليكون فالي

أثناء تجوله في روديو درايف في ربيع عام 2018، غير عابئ بالمسؤوليات الملكية المنوطة به، عثر ابن سلمان على حرية لم يستطع بلوغها في بلاده.

وخلال الأشهر التالية، التقى برؤساء، ورؤساء تنفيذيين، وأصحاب مليارات أثرياء في مجال التقانة، بينهم إيلون ماسك وبيل غيتس، فأعلن وعلى الملأ عن مستقبل يتسم بالانفتاح والابتكار في السعودية، كما أقدم على التزامات كبيرة في مجال الواقع الافتراضي والطاقة الشمسية وتخطيط المدن العصري بأحدث الطرق والوسائل.

إلا أن صرف ملايين الريالات لم يكن الهدف الرئيس من تلك الرحلة، فتحت حكمه لم تعد السعودية مجرد مكان ينشده الرواد في مجال الأعمال الأمريكان بحثاً عن رأسمال، فقد التقى ابن سلمان برؤساء تنفيذيين مثل مارك زوكربيرغ وبيل غيتس وتيم كوك صاحب شركة آبل. وتناول طعام العشاء مع جيف بيزوس والتقطت له صور بصحبة سيرجي برين مؤسس غوغل. كما جالس أوبرا وينفري، وبيتر ثييل صاحب رأس المال في بعض المشاريع والمديرين التنفيذيين لديزني وأوبر ولوكهيد.

بيد أن اعتناق ابن سلمان لليبرالية الاجتماعية التي تتبناها هوليود وسيليكون فالي والوعود التي أطلقها حول انتقال السعودية نحو الإسلام المعتدل أعطت الأميركيين انطباعاً خاطئاً عنه، فقد كان رجلاً تقليدياً ، لكنه يمكن أن يشرب ولكن بالسر. ثم إنه أطلق إصلاحاتها لإرضاء فئة الشباب التي من المحتمل أن تتمرد، كل ذلك تم بعدما وضع أقدم هدف لآل سعود نصب عينيه: ألا وهو الحفاظ على السلطة في سائر أنحاء المملكة.

الخطوة العاشرة: الصمود أمام الاضطرابات

تسببت زيارة الصحافي جمال خاشقجي لقنصلية بلاده في إسطنبول، للحصول على أوراق الزواج، باتصال هاتفي مع مسؤولين في الاستخبارات السعودية شرعوا من فورهم في إعداد خطة بهدف إسكات أشهر المنتقدين في البلاد.

رغم التزامه الحيطة والحذر، فإن خاشقجي ولدى دخوله مبنى القنصلية، حضرت مجموعة تضم موظفين في مجال الأمن بينهم اللواء صلاح محمد الطوبجي، وهو طبيب من وزارة الداخلية ورئيس المجلس العلمي للطب الشرعي في الرياض، وقد أشار الدور الذي لعبه طوبجي فيما بعد إلى أن الجريمة مخطط لها منذ البداية، فقد أخذ ينتظر وصول الخاشقجي بعصبية، وحكى للرجال كيف استمع للموسيقا وشرب القهوة أثناء تقطيع الجثة، بحسب التسريبات التركية من داخل القنصلية.

وقبل وصول خاشقجي بدقائق، سأل أحد الضباط: "هل وصلت الأضحية؟" وفي القنصلية قام أفراد من فريق الاستقبال باقتياد خاشقجي إلى مكتب القنصل في الطابق العلوي، وأخبروه: "يجب علينا أن نعيدك إلى بلادك وهذا الأمر صادر عن الإنتربول".

فرد عليهم خاشقجي: "لا أريد العودة إلى بلدي؟ سأعود في نهاية الأمر إن شاء الله".

هتف الضابط المسؤول عن العملية: "الإنتربول سيأتي، لذا يجب علينا أن نحتجزك لحين حضورهم".

رد خاشقجي: "هذا منافٍ لكل القوانين، إنني أتعرض لعملية اختطاف".

صاح رجل آخر: "فلنختصر الموضوع" ثم أخرج حقنة فهتف خاشقجي: "أتريدون أن تخدّروني؟" كان ذلك عند الساعة 1.33 بعد الظهر. وخلال الدقائق الخمس التالية تم تخدير الخاشقجي وخنقه، وعند الساعة 1.39 بعد الظهر سمع صوت خبير تقطيع الجثث وهو ينشر جسد الصحفي محولاً إياه إلى قطع.

لم تنته تلك المهمة بذلك، إذ قام أحد أعضاء ذلك الفريق وهو مسؤول استخبارات مهم اسمه مصطفى المدني بنيته الجسدية مشابهة لبنية خاشقجي، بارتداء ملابس خاشقجي ونظاراته ووضع لحية مستعارة ثم خرج من الباب الخلفي للقنصلية.

إلا أن الشخص الوحيد الذي لم يحسب له القاتلون أي حساب كان خديجة التي أخذت تنتظر خطيبها في الخارج إلى جانب عدم قدرتهم على إجراء مسح مناسب حول السفارة. ثم حصلت الاستخبارات التركية على تسجيلات واضحة لكل صوت مريع صدر أثناء تلك الجريمة. وبعد الانتظار لمدة تزيد على ثلاث ساعات، اتصلت خديجة بالشخص الذي طلب منها خاشقجي أن تتصل به في حال حدث أي طارئ، ألا وهو أكتاي.

وهكذا خاطب أكتاي الاستخبارات التركية وقال لهم: "لدينا مشكلة حقيقية".

وبعد مرور أسابيع على ذلك أصبح السياسيون ورجال الأعمال والمصرفيون الأجانب الذين حاول ابن سلمان أن يسوّق بينهم صورته على أنه صنف جديد من قادة السعودية أن ينأَوا بأنفسهم عنه. وهكذا تم إلغاء ظهور بيزوس في مؤتمر دافوس الثاني في قلب الصحراء. أما وكيل هوليود آري إيمانويل فقد ألغى استثمارات بقيمة 400 مليون دولار كان قد سعى جاهداً للحصول عليها من المملكة. كما انسحب ريتشارد برانسون من الصفقة التي تكلف مليار دولار والتي أبرمتها السعودية مع شركته المتخصصة بالسفر إلى الفضاء. (أما خفية فقد عمد برانسون إلى تقديم المشورة للأمير حول طريقة تحويل وتغيير كل ذلك الخراب في أعين الغرب، بدءاً من إطلاق سراح الناشطات اللواتي تم حبسهن حيث قال له: "إن هذا سيظهر للعالم بأن الحكومة تتحرك بالفعل نحو القرن الحادي والعشرين" وذلك في رسالة نصية أرسلها برانسون إلى ولي العهد السعودي).

ولم يمض زمن طويل حتى تغيرت قصة ابن سلمان، فقد قتل خاشقجي على يد موظفين سعوديين، لكن ذلك لم يتم تحت إشرافه ومراقبته، إذ أعلنت الحكومة السعودية عن توجيهها اتهامات لـ11 رجلاً.

 

 

الخطوة الحادية عشرة: إلى المستقبل

في شهر تشرين الأول من العام 2019، اصطف أكثر من 60 يختاً، بينهم أكبر اليخوت في العالم، إلى جانب مالكيهم من أصحاب المليارات على الساحل الشمالي الغربي للسعودية وذلك عندما بدأ أسطول محمد بن سلمان المؤلف من 11 سفينة باستعراض بطيء الحركة.

حدث ذلك بعد مرور عام واحد فقط على مقتل الخاشقجي والضجة التي أعقبت ذلك في مختلف بقاع العالم، فقد أراد ابن سلمان أن يظهر السعودية بمظهر من ما يزال بمقدوره أن يجتذب أهم الشخصيات العالمية. وعبر قيامه بتلك الحركة ضمن أسبوع البحر الأحمر، في مناسبة لا يمكن للمرء حضورها دون توجيه دعوة له كونها مخصصة لاجتذاب المستثمرين ليقوموا ببناء فنادق وبنية تحتية ضمن مشروع نيوم الواسع، تمكن هذا الرجل من تحقيق نجاح كبير. حيث قام المطرب جون ليجيند بإحياء حفلة موسيقية خاصة، كما أقام الطباخ جاسون آثرتون نجم برنامج ميشلين بإنشاء مطعم متنقل يضم قائمة وجبات شهية مؤلفة من سبع مراحل، ولاحت فرصة إقامة مسابقات رياضية وسباق سيارات في الطرق الصحراوية الخاوية على طول الساحل.

لم يكن هنالك رجال أعمال مثل ابن سلمان على مستوى العالم، أي أناس يمكنهم أن يصرفوا ملايينهم بسهولة. وقد تبين أن تلك السمة هي التي حولته إلى شخص لا يمكن كبح جماحه، إذ ليس بالضرورة أن يكون ما حدث من قمع في فندق ريتز وتوطيده للسلطة هو ما أعطى ابن سلمان القدرة على الصمود حتى بعد اغتيال الخاشقجي، بل إن ذلك أتى عبر مدى تشابك علاقاته وارتباطها باقتصاد السوق الأقوى على مستوى العالم. فقد كانت علاقته بدونالد ترامب طيبة، بالرغم من أنها بنيت على الصفقات، إلا أن الأهم من ذلك هو الطريقة التي تم ربط المال السعودي بها باستثمارات تخص البنية التحتية الأميركية وشركات التقانة العالمية.

بيد أن جميع خطط ابن سلمان خلال هذه السنة ذهبت أدراج الرياح في مطلع عام 2020 عندما واجه قادة العالم مرض كوفيد-19، ولهذا أخذ يتعثر في هذه الحقبة الجديدة مثل قطعة من لعبة البازل/المحيرة. فقد حان وقت صعود القادة الأقوياء حتى المستبدين منهم، ولهذا أعلن عن إغلاق مكة والتزام المواطنين بيوتهم دون أي نقاش، في الوقت الذي سافر فيه برفقة مستشاريه المقربين إلى قصر يعود لعائلته في نيوم.

وطيلة تلك الليلة، تحدث ذلك الفريق عن السنوات القادمة، ونسوا أمر منتقديهم حسبما ذكروا. إذ أصبح أمام ابن سلمان سنوات كثيرة حتى يثبت رؤيته، بالرغم من أنه لم يصبح الملك بعد.

 

مقتبس من كتاب: الدم والنفط: سعي محمد بن سلمان بلاهوادة لتحقيق نفوذ على مستوى العالم للكاتبين: برادلي هوب وجوستين شيك، نشر في الأول من أيلول/سبتمبر من العام 2020.

عن صحيفة التايمز البريطانية