الدعارة في دولة الأسد النزيهة!

2018.10.19 | 00:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

أصبحتِ الدعارة اليوم في سورية مهنةً تكاد تكون شبه علنية، بسبب ظروف كثيرة أفرزتها الحرب التي شنّها الطاغية بشار الأسد ونظامه على الشعب السوري. ولكونها من أقدم المهن التاريخية، أخذت مهنة الدعارة تستشري في المجتمعات، القديمة والحديثة، بشكل كبير، ساعدت على ذلك، الظروف الاقتصادية المتردّية، إضافةً إلى عوامل أخرى، منها الكبت الذي تعاني منه شرائح واسعة، في مجتمعات وجدت نفسها مغلولة بتقاليد وأعراف صارمة، جعلت من (العملية الجنسية الميكانيكية) مرتهنة بالزواج فقط، رغم وجود ما يسمى "بائعات الهوى"، اللائي يمارسن هذه المهنة بمساعدة "رجال" نافذين في تلك المجتمعات.

أغلب المجتمعات الغربية (الديمقراطية)، تراها دريئة _أي الدعارة _ تمنع فعل "الاغتصاب"، وتحدّ من جرائم الاعتداء الجنسي؛ فهنالك بيوت للبغاء تشرف عليها مراكز صحّية في تلك الدول، التي تسمح للنساء ما فوق سنّ 18 بممارسة الدعارة، بموجب ترخيص قانوني، يبعد شبح الإتجار بأجساد النساء من قبل "مافيات" مختصّة بالأعمال غير المشروعة.

في سورية، انتشرت كثيراً هذه الظاهرة (المهنة) ما بعد عام 2011، وكما ذكرنا، أنّ عوامل الصراع والدمار والتهجير، كانت سبباً رئيساً في استفحالها

في سورية، انتشرت كثيراً هذه الظاهرة (المهنة) ما بعد عام 2011، وكما ذكرنا، أنّ عوامل الصراع والدمار والتهجير، كانت سبباً رئيساً في استفحالها، نضيف إليها، خطّاً ممنهجاً سار عليه النظام السوري، وهو تفقير الشعب، وحرمانه من حياة كريمة، علاوة على ذلك، التجهيل، وحصر الوعي وتحجيمه في أغلب المدن والأرياف السورية.

إذ يُقدّر "برنامج الأمم المتحدة المشترك لفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز" عدد العاملات في الدعارة بعد عام 2012 داخل سورية بــ " 25.000 " ألف (عاهرة)، وخاصةً في العاصمة دمشق؛ وباعتقادنا، أنّ هذا العدد ليس دقيقاً، إذا ما تمت مقارنته بالمشهد المأساوي الذي حلَّ بالسوريين؛ فنحن لسنا بصدد وضع أدلّة وقرائن تشوّه سمعة أفراد وجماعات من الشعب السوري، وإدانتهم بالفعل المشين، أوالتصرفات الخارجة عن الأخلاق والناموس والأديان، لكن للأسف، العجلة تدور، وفي كل مجتمع من هذا العالم الواسع، توجد محظورات دينية وقانونية واجتماعية، يخرج عنها الكثيرون، ليجدون أنفسهم إما متورطين، أو ضحايا عنف ما، وظلم وتهميش مصطنعين من قبل المحيط، أو الدولة التي يعيشون ضمنها.

قبل اشتعال أوزار الحرب ضد الشعب السوري من قبل النظام "الممانع"، كانت أرياف دمشق تغصّ بالملاهي الليلية والمراقص، التي تُعدّ حكراً لزبائنَ ومرتادينَ معيّنين، أي أنّ الصنفَ الذي يرتاد هذه الأمكنة، غالباً ما يأتي للتسلية وفعل (المحظورات الاجتماعية) كشرب الخمور وتعاطي الحبوب المخدّرة و (الحشيش)، أو لاصطياد "غزالٍ" شارد أو راقصة ما، يقضي معها ليلةً حمراء، مقابل منافع مادية؛ أو.. إذا كان من ذوي السلطة والنفوذ، ضابطاً أو رجل أمن "أخطبوطي"، تصبح هذه الفتاة (الفريسة) مدلّلة، أو ذات سلطة تنفيذية حتى على مالك الملهى.

والجدير بالذكر هنا، أنّ هذه الملاهي والمراقص، وحتى الأمكنة المشبوهة، تمّ إغلاقها، أو تدميرها بفعل القصف والعمليات العسكرية التي شنها النظام السوري وميليشياته ضد أهالي تلك المناطق؛ لتنتشر بعد ذلك، هذه الملاهي، في الأحياء المحاذية للعاصمة دمشق، التي تقع تحت سيطرة العدو الأسدي وحلفائه.

والجدير بالذكر هنا، أنّ هذه الملاهي والمراقص، وحتى الأمكنة المشبوهة، تمّ إغلاقها، أو تدميرها بفعل القصف والعمليات العسكرية

فأغلب المدن السورية، شهدت حرباً ضروساً ضدها، باستثناء مدينة أو مدينتين تعدّان خزّاناً بشرياً موالياً للنظام السفّاح، ولقد تمّ استنزافهما بشكل مرعب، وتقتيل شبابها بذريعة محاربة (العصابات المسلحة)؛ على ذلك، كانت تجارة (الدعارة) في المدن السورية الأخرى، قليلة، وتكاد تذكر، مقارنةً بالعاصمة دمشق، التي تحتضن ملايين المهجّرين والنازحين من الأرياف والمحافظات المُدمّرة.. وقد احتضنت دمشق سابقاً عشرات الآلاف من العراقيين، بعد غزو العراق عام 2003، تم استغلال فتيات عراقيات من قبل الذئاب البشرية أو إجبارهنَ على العمل في هذه المستنقعات؛ هكذا هي الحربُ لا ترحم أحداً!

جرمانا التي تقع في الجنوب الشرقي على أطراف دمشق، تعتبر من أكثر المناطق التي استقبلت نازحين قدموا من المدن السورية وأريافها؛ تشهد هذه المدينة منذ عام 2012 حالاتٍ كثيرةً من التجبّر والانفلات الأمني، من قبل "الشبيّحة" وبعض من رجالات الأمن، إذ إنهم يصولون ويجولون كما يحلوا لهم، ويتاجرون بالمخدّرات والحشيش والدعارة، دون رقابة، أو حتى مساءلة لأيٍّ كان! وقسْ على ذلك، أحياء مجاورة لها، مثل الدويلعة ومخيّم جرمانا؛ وأيضاً، هنالك أحياء معروفة منذ عشرات السنين، مثل المرجة _تجمّع فنادق _ للدعارة الرخيصة..  و" مشروع دمّر وضاحية الأسد" يقطنهما أغلبية من الضبّاط ورجال المخابرات والأثرياء، تُدار هناك بيوت سرّية للدعارة، على مستوىً راقٍ ومخملي، خاص بالدعارة السياحية، ورجال الأعمال والمرموقين لدى دولة الأسد النزيهة.

الطامّة الكبرى في دمشق، لم تقف عند تسهيل الدعارة وترويجها، إنما ازداد الأمرُ خطراً بتجارة الحبوب المخدّرة مثل "الكبتاغون" وأصناف أخرى من المخدّرات، التي تعتبر تجارتها مربحة إلى جانب سوق الدعارة العلني.  

ــ برأيي الشخصي، إن مقولة " تَجُوع الحرّة ولا تأكل بثدييها"، قد دهستها جنازيرُ الدبّاباتِ وأحذية الجنودِ، ومزّقتها مخالبُ الضباع..

فالجّهات (المختصّة) التي تتشدّق كل حين بمحاربة الفساد والجرائم، وملاحقة المخالفين وتجّار المخدّرات والبشر، لم تكن إلا طرفاً من أطراف هذه اللعبة الخطيرة؛ فهم من يغضّون النظر عن فرسان هذه المعركة القذرة، بل بعض من هذه الجهات والأشخاص المسؤولين، هم متورطون حتى نواصيهم بتجارة المخدرات والدعارة، والسلاح أيضاً.. فمن مهامهم تفتيت المجتمع، وضرب نسيجه وتحويله إلى مجتمع فاشل وغير قادر على العطاء أو النهوض من ركامه الذي أحدثه طاغية العصر المُدلّل.

يطول الحديث عن هذه المهنة، التي يراها معظم الناس مهنةً قذرة، ومنهم من يعتقد أن مزاويلها هم ضحايا، ويجب انتشالهم ومساعدتهم بشتى الوسائل الممكنة.

ــ برأيي الشخصي، إن مقولة " تَجُوع الحرّة ولا تأكل بثدييها"، قد دهستها جنازيرُ الدبّاباتِ وأحذية الجنودِ، ومزّقتها مخالبُ الضباع..

في سورية.. يحدثُ المستحيل.